(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
09-17-2022, 02:57 PM
المبحث الثالث: المصلون
يشرع لكل من سمع هذا النداء، ممن لا عذر له من الرجال أن يلبيه ولا يتأخر عن صلاة الجماعة، لما فيها من فضل عظيم وثواب جزيل، ولما ورد من الوعيد الشديد لمن يتخلف عنها، ولعدم ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم بالتخلف عنها ما دام يسمع النداء، مع أنه كان كفيفاً وليس له قائد يقوده إلى المسجد [ [راجع صحيح مسلم (1/449ـ457).
ويرى بعض العلماء أن سبب أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حضور صلاة الجماعة في المسجد، وعدم قبول عذره مع أنه كفيف البصر أنه كان ذكياً ماهراً في معرفة الطرق والجهات التي يتجه إليها، كما هو معروف عن بعض الأكِفّاء، أما الأكفاء الذين لا قدرة لهم على السير إلى المسجد بدون قائد، فهم معذورون؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، لیۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِیضِ حَرَجࣱۗ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ یُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۖ وَمَن یَتَوَلَّ یُعَذِّبۡهُ عَذَابًا أَلِیمࣰا﴾ [الفتح ١٧]
وينبغي أن يتعاون المصلون مع الإمام، في كل ما يتعلق بمصالح المسجد من بناء وتنظيف وإعانة محتاج، وقِرَى ضيف، وإنكار على المتخلف عن الصلاة في المسجد، وتلبية داعي الجهاد في سبيل الله وكذا تعليم الجاهل، ولطف معاملته كالصبي.
المبحث الرابع: المدرسون والمرشدون
سبق أن المسجد كان جامعة كبرى للتعليم، وتخريج الأكفاء للقيام بمصالح الأمة في الدولة الإسلامية، وإمدادها بالعاملين في كل مجال من مجالات الحياة، وقد كانت المساجد في العالم الإسلامي تخرج الخلفاء والأمراء، والقواد، والعلماء، ورجال القضاء والفتيا والمحدثين والمفسرين واللغويين وغيرهم.
ولقد أقفرت اليوم أكثر مساجد المسلمين عن أداء هذا الأمر العظيم أداءً متقناً شاملاً، وإن إعادة المسجد إلى مكانته لا يطمع فيها طامع، ما لم تمتلئ المساجد بكبار العلماء، وتعقد حولهم الحلقات من طلبة العلم النابهين الأذكياء المخلصين، وتكون الدراسة في المساجد أقوى من الدراسة في الجامعات والمعاهد، ويكون لعلمائها وطلابها منزلة عالية في المجتمع، كما كان لهم ذلك في الماضي.
وهذا يقتضي أن تتعاون حكومات الشعوب الإسلامية مع العلماء المخلصين، الذين عندهم علم غزير وحكمة وصبر، وتمكنهم من القيام بتدريس العلوم الإسلامية بصفة واسعة، مع الدراسة الجادة للمشكلات المعاصرة، في كل شؤون الحياة وتقديم الحلول لها، وكتابة البحوث والمؤلفات فيها.
وإن ذلك إذا حصل سيكون فيه مصالح كثيرة جداً، نذكر منها ما تيسر:
المصلحة الأولى: إعادة مكانة المسجد التي كاد يفقدها في غالب بلدان المسلمين، وفقدها فعلاً في بعضها.
المصلحة الثانية: نشر التعليم بين جميع طبقات الناس، وهو ما تسعى دول معاصرة إلى ما لا يرقى إليه، ويسمونه بمحو الأمية، فإن محو الأمية في المسجد أكثر فائدة، إذ يتلقى المتعلمون في المسجد دروساً في كتاب الله قراءةً وحفظاً وفهماً، ودروساً في السُّنَّة والسيرة النبوية، والأحكام الفقهية التي تشمل فروض العين وبعض فروض الكفاية، ودروساً في اللغة العربية والأدب العربي وغير ذلك فتكون ثقافة طلاب المسجد، ولو كانت محدودة تناسب أحوالهم أفضل بكثير من مدارس محو الأمية.
المصلحة الثالثة: أن انتشار العلم بين الناس، يعيد من ابتعد عن الدين بسبب جهله، إلى دينه بالعلم النافع.
المصلحة الرابعة: أن يفقه الشبابُ الدينَ الحق على أيدي علماء متمكنين، ولا يأخذوا أفكارهم من غير العلماء المؤهلين أو من الكتب التي قد تؤدي ببعضهم إلى الغلو والإفراط، وبآخرين إلى الجفاء والتفريط.
المصلحة الخامسة: إزالة ما يعاني منه المسلمون من الفرقة والشتات، بسبب سوء الفهم وعدم الفقه في الدين، وضيق الأفق عند كثيرين منهم.
المصلحة السادسة: القضاء على الجفوة بين طلبة المعاهد الإسلامية، وما يسمى بالجامعات المدنية؛ لأنهم إذا اجتمعوا في المسجد وتعلموا أمور دينهم من مصادر صحيحة، ومن علماء متمكنين يبينون للناس أن كل علم من العلوم الكونية التي فيها مصالح، لا تتعارض مع قواعد الشريعة الإسلامية ونصوصها، بل يعتبر مما حضَّ عليه الإسلام، وأن الإسلام ليس كالأديان المحرفة التي وقفت ضد العلوم الكونية الثابتة.
المصلحة السابعة: أن يعلم كل مسلم ما له من الحقوق وما عليه من الواجبات، فتتبين حقوق بعض أفراد الأسرة على بعض وحقوق الجيران بعضهم على بعض، وحقوق الخدم والمخدومين، وأعظمها حقوق ولاة الأمور على رعيتهم، وحقوق رعيتهم عليهم، وذلك مطلب ضروري، وبخاصة في هذا الزمان الذي تفاقم فيه العداء بين كثير من الحُكام وشعوبهم، في أغلب البلدان التي ابتعدت عن منهج الله.
|
|