﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي

متى يشرع الجهر بالإسلام ومتى يسر به؟
بل قد يكون المشروع في حق المسلمين العمل السري حتى في شعائر دينهم كالصلاة والصيام وتلاوة القرآن، عندما يرون عدوهم سيقضي عليهم ويستأصلهم إذا جهروا بذلك، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة فترة من الزمن، ولا عبرة بكلام بعض المنتسبين إلى العلم، ممن يجهلون السيرة النبوية وفقهها وأحوال المسلمين على مدى التاريخ، فينكرون العمل الإسلامي السري في كل الأحوال، ولو أن هؤلاء عادوا إلى الثورة الكمالية على الإسلام في تركيا، وكيف كان علماء الإسلام يعلمون أبناء المسلمين القرآن الكريم سراً في الدهاليز التي أعدت مأوى للحيوانات ـ كإسطبلات الخيول ـ خشية من أن تعلم عنهم أجهزة العذاب (المسماة بأجهزة الأمن) لو أنهم علموا ذلك وعلموا ما حل بالمسلمين في القرن المسمى بالقرن العشرين في الدول الشيوعية، لاستحوا من تلك الفتاوى الجاهلة التي تحكم على كل عمل سري للإسلام بأنه من أعمال الماسونية. وكثير من أبناء المسلمين في الدول الشيوعية ـ روسيا والصين وغيرهما ـ تعلموا القرآن والحديث والفقه والعقيدة في المخابئ التي يبقون فيها الليالي والأيام، بل الأشهر مع علمائهم، ولهذا عندما تمزق الاتحاد السوفييتي، وكشف الله بعض الغمة عن المسلمين ظهر طلاب ولدوا وترعرعوا في ظل الحكم الشيوعي القاسي، ظهروا وهم يحفظون القرآن وبعضهم يحفظون بعض كتب الحديث ومتوناً في الفقه واللغة العربية، فهل كان يجب عليهم عدم العمل السري، لأنه من أعمال الماسونية؟! نعم! الأصل في الإسلام الجهر به وبشعائره الدينية كلها، وبمبادئه الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، وسياسته الشرعية، وقواعده الجهادية، وعلاقاته الدولية، ولا يجوز كتمان شيء من ذلك ما دام دعاة الإسلام يجدون مجالاً لبيان ذلك كله، كما هو الحال في البلدان التي تَحْكَم بشريعة الله، أو تأذن بالدعوة والبلاغ، لأن البيان واجب والكتمان محرم لَعن الله فاعله، هذا هو الأصل في الإسلام، وهو بيانه وإيضاحه كاملاً غير منقوص، ليصل إلى الناس كافة (وهو معنى البلاغ المبين). ‎ولكن إذا وجد المسلمون أنفسهم في بلد يحكمه طغاة جبارون، يمنعونهم من إظهار شعائر دينهم، ولا قدرة لهم على تحطيم سدود الطغيان، فعليهم أن يقيموا ما يقدرون عليه من هذا الدين سراً حتى يفرج الله همهم، وإذا كانوا في بلد يأذن فيه حكامه بمزاولة بعض هذا الدين ويحظرون عليهم بعضاً، ولا قبل لهم بمقاومة من حرمهم من إقامة ذلك، فعليهم أن يؤدوا ما أذن لهم بمزاولته علناً، وما لم يؤذن لهم به يزاولونه سراً؛ لأن ما يقدرون عليه لا يجوز لهم التفريط فيه، وما لم يقدروا عليه لا يكلفهم الله إياه { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }. ولكن العمل السري يحتاج إلى فقهاء في الدين يوجهون أهله، وإلا وقعوا في محاذير، وتعاطوا ما يظنون أن لهم تعاطيه شرعاً، وهو غير مشروع، لأن بعض أحكام الإسلام لا تنفذ عن طريق الأفراد ولا الجماعات، وإنما تنفذ عن طريق أمراء المؤمنين، كإقامة الحدود وجهاد الطلب، أي غزو بلدان الكفار ونحو ذلك. إن المقارنة بين المصالح الراجحة والمفاسد المرجوحة، وتقديم الراجح على المرجوح، ومتى يكون العمل سراً ومتى يكون جهراً، ومتى يشرع للمسلمين مقاومة الطغيان، ومتى يشرع الصبر على العدوان، كل ذلك أمر واجب في ضوء نصوص الشريعة وقواعدها. وقد يبذل الفرد أو الجماعة أو الدولة الجهد المستطاع في سبيل الوصول إلى معرفة المصلحة الراجحة، لتقديمها على المصلحة المرجوحة، أو معرفة المفسدة الراجحة لدرئها وارتكاب المفسدة المرجوحة، وقد يصيب المجتهد ويفوز في إقدامه أو إحجامه، وقد يخطئ ويخفق في ذلك، وقد يرى الحاضر مالا يراه الغائب، وكل بلد أهله أدرى بخفاياه من غيرهم، والناقد من وراء الحدود قد يَنْقُدُ نَقْدَهُ إذا تجاوزها. وبعض الثورات الإسلامية في الصين نجحت كثورة (يعقوب بيك) في (تركستان) التي أقام فيها بعد انتصاره دولته المستقلة واستمرت مدة ثلاثة عشر عاماً كما مضى. والمسلمون في مكة برغم قلتهم وضعفهم، ما كانوا ليصبروا على عدوان المشركين عليهم وإهانتهم وتعذيبهم، لولا وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم يُصَبِّرهم بما ينزل عليه من الوحي. أما المسلمون في الصين فقد كان علماؤهم قلة، وقد يكون كثير من أولئك العلماء قليلي الخبرة بشئون الحرب وشئون السياسة، وقد تكون عندهم خبرة ولكنهم اجتهدوا وأخطئوا، وقد يكون بعضهم كان يرى الصبر على العدوان وعدم الدخول في صدام مع الدولة، ولكنهم غلبوا على أمرهم من تسرع عامة المسلمين الذين لم يستطيعوا الاستمرار في تحمل الهوان. ويكفي أن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رأيه عدم الخروج من المدينة في غزوة أحد، ولكن كثيراً من المسلمين ألحوا عليه في الخروج فخرج، فكيف بالناس ـ ولو كانوا مسلمين ـ مع غير الرسول صلى الله عليه وسلم؟! ثم إن استمرار الاعتداء على دين الأمة وأرضها وعرضها، وإهانة أعزتها، يصعب الاستمرار على تحمله، وقد يرى المسلمون أن موتهم في ميدان المعركة خير لهم من ذبحهم كالنعاج، وسفك دمائهم خير من انتهاك أعراضهم، وهم يشاهدون لا يحركون ساكناً. هذا، وإن لنا في أطفال فلسطين لعبرة، وهم الذين ولدوا وقد احتل العدو اليهود أرضهم، وأمهاتهم وآباؤهم يعذبون ويعتقلون ويسجنون ويقتلون، ويطردون من أرضهم، وتهدم مساكنهم، وتدمر مساجدهم ويحرق ثالث مسجد في الإسلام في بلدهم وهم يشاهدون، ويمنعون من الصلاة فيه، ويرون حكومات في الشعوب الإسلامية تخلت عن جهاد اليهود وإخراجهم من بلاد الإسلام، بل إن كثيراً منهم تآمر مع اليهود والنصارى على التخلي عن أرض الإسراء والمعراج. وإذا أولئك الأطفال يحملون على عدوهم اليهودي حملة الأبطال المغاوير، ولا يجدون في حملتهم تلك سلاحاً يرمون به ذلك العدو إلا الحجر، والعدو يرميهم بكل أسلحته من المسدس إلى الصاروخ، ومع ذلك زلزلوا أقدامه، ونظر الآباء والأمهات الذين كانوا مستضعفين لليهود، إلى أبنائهم وبناتهم، وهم يخرجون من مدارسهم ومنازلهم حاملين حقائبهم، فإذا رأوا جيش العدو المدجج بالسلاح أخذوا يقذفونه بتلك الحجارة، وهم في كر وفر، مكبرين تكبيراً يزلزل قلوب اليهود، فاستحى آباء الأبطال الصغار وأمهاتهم من القعود الذليل، فهبوا هبة مسلم واحد يقتدون بأبنائهم، ويذلون أنوف اليهود بنفس السلاح (الحجر) الذي يبدو أنه يبشر بقرب ظهور أخيه الذي ينطقه الله، فيقول: تعال يا عبد الله، فإن ورائي يهودياً فاقتله..! وتمر سنوات عجاف على يهود يعجزون فيها عن مقاومة الطفل والحجر، فإذا الطفل يشِب وينتقل من سلاح الحجر إلى سلاح المتفجرات التي يتقمصها ويتحزم بها ثم يفجر نفسه بين جيش عدوه، فيزداد العدو دهشة، ويشتد خوفه من أن تسري روح الجهاد في شباب الأمة الإسلامية في كل مكان، فيهب المفادون من جاكرتا إلى نواكشوط، مطالبين حكامهم بمناصرة إخوانهم المجاهدين في فلسطين، وتنقلب الأوضاع من هزيمة المسلمين واستسلامهم إلى تحد وجهاد يرد أعداء الله إلى ذلتهم التي كتبها الله عليهم. ومن هنا بدأ التآمر اليهودي الصليبي المعاصر على المجاهدين، فأقاموا مؤتمر مدريد الذي كان أبرز مصطلح نطق به فيه رئيس وزراء العدو اليهودي (إسحاق شامير) في كلامه هو: (الجهاد) الذي طالب المجتمعين بالقضاء عليه. وفي سرعة البرق يعقد اليهود ـ تحت ـ إشراف النصارى الصليبيين اتفاقات سرية مع من كان ـ في الظاهر ـ عدوهم ليتسلم في فلسطين إدارات الشرطة والاستخبارات الفرعية التي تتولى القضاء على الجهاد الذي شكا منه إسحاق شامير. نعم..! اليهود لم يستطيعوا الوقوف في وجه أطفال الحجارة، ولا أمام شباب المتفجرات، فاستقدموا لأولئك الأطفال وهؤلاء الشباب آباءهم وإخوانهم، من الطامعين في القعود على الكراسي ولو كانت كراسي شرطة يهودية، لينوبوا عن اليهود في القضاء على أبنائهم وإخوانهم المجاهدين الذين كانوا سبب استدعاء اليهود لهم..! وإذا كان لا بد من إبداء ملحوظات على المسلمين الصينيين، في ثوراتهم تلك، فلنذكر الملحوظات الآتية، مما ذكره الكتاب: الملحوظة الأولى: أنهم لم يعدوا للأمر عدته الكاملة. [1]. الملحوظة الثانية: الاختلاف في توقيت الثورات في المقاطعات وعدم التنسيق بين الثوار، حيث كانت كل ثورة تقوم في وقت من الأوقات، فإذا أخمدتها القوات المنشورية، قامت ثورة أخرى في مكان آخر. [2]. وقد مكن ذلك للقوات المنشورية التفرغ لكل ثورة على حدة، ولو أنها قامت في وقت واحد لتشتت قوات العدو تشتتاً يضعفها ولقويت شوكة المسلمين. الملحوظة الثالثة: عدم صفاء صفوف المسلمين من المنافقين والمندسين فيها الذين لم ينصحوا لله ورسوله والمؤمنين، والعضو الفاسد في الصف يفسد الصف. الملحوظة الرابعة: خذلان بعض المسلمين إخوانهم الذين كانوا في حاجة إلى عونهم ومناصرتهم عندما أرهقهم عدوهم بقوته، كما حصل من تخاذل حكام (تركستان) عن نصرة المسلمين في (قانصو) و(شنسي). الملحوظة الخامسة: تفرق المسلمين وتنازعهم إما من عند أنفسهم، وإما بمؤامرة من أعدائهم، في الوقت الذي هم في أشد الحاجة ـ بل الضرورة ـ لاجتماع كلمتهم واعتصامهم بحبل الله ضد عدوهم، وقت اشتداد المعارك واحتدامها بينهم وبين الأعداء. [3]. وهذه هي أعظم طامة مُنِيَ بها المسلمون في تاريخهم الطويل، والذي يقرأ أحوال المسلمين في العالم اليوم، لا يخالجه شك في أن غالب أسباب هزائمهم وانتصار أعدائهم عليهم، هو تفرقهم وتنازعهم وعدم اجتماع كلمتهم على الحق، وإذا أراد القارئ دليلاً على ذلك ـ وما إِخاله مريداً ذلك لوضوحه ـ فليراجع مسيرة المسلمين في فلسطين وفي الفلبين، وفي تايلاند، وفي إريتريا، وفي أفغانستان، وفي كشمير، وفي كثير من بلدان إفريقيا، وفي البوسنة والهرسك، وفي الشيشان، وفي كل مكان في هذا العالم، فإنه سيجد تلك الكارثة هي السبب الرئيس في هزائم المسلمين وفي تأخرهم، وفي تنازع البلدان الإسلامية ومنها الدول العربية عبرة لمن اعتبر! ومن أعظم ما يدمي قلوب المؤمنين ويغيظها أن ينبري بعض من يزعم العلم والغيرة على الدين لمحاربة دعاة الإسلام وأهله وإطلاق ألسنتهم بالتكفير والسب والشتم على غير هدى من الله، وأمامهم ميادين فسيحة يسرح فيها أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والعلمانيون المنافقون المحاربون لهذا الدين فلا تجد لهم في تلك الميادين سيفاً ولا قلماً، وكأنهم ليسوا لهم بأعداء، فلا يعرفون لهم عدواً يبارزونه إلا دعاة الإسلام!
1 - ممن أشار إلى هذه الملحوظات/ محمود شاكر، في كتاب: تركستان الشرقية (ص: 46 ـ 49
2 - يظهر ذلك من تواريخ تلك الثورات، كما مضى
3 - تاريخ المسلمين في الصين في الماضي والحاضر (ص: 93)، وحاضر العالم الإسلامي (2/ 282،229،235) للأمير شكيب أرسلان



السابق

الفهرس

التالي


Error In Connect