[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
المبحث الأول: خالق النفس أعلم بها من غيره
إن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون كله، والإنسان جزء من هذا الكون، والخالق أعلم بما خلق من غيره ـ وليست الصيغة في مثل هذا المقام للمفاضلة؛ لأنه لا مفاضلة بين الخالق والمخلوق ـ وعلمه تعالى محيط بكل شيء، لأنه خالق كل شيء.. ومن ذلك دوافع الخير والشر الكامنة في نفس الإنسان حتى لا تظهر لغير الخالق إلا آثارها، وقد دل على علمه تعالى المحيط بكل شيء الآيات القرآنية التي يصعب استقصاؤها، ويكفي أن نذكر شيئاً يسيراً منها لإيضاح ا لمراد.. فقد ذكر سبحانه وتعالى شمول علمه المحيط بكل شيء.. فقال:
{..إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}
. [النساء: من الآية32] وقال:
{إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}
. [الأحزاب:54]. وقال:
{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
. [الحديد:3]. وقال تعالى:
{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
. [الملك:14]. وقال تعالى:
{مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ}
. [المائدة:99]. وقال تعالى:
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
. [القلم:7]. وقال تعالى:
{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً}
. [الإسراء:54]. وقال تعالى:
{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)}
. [غافر] وقال تعالى:
{ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}
. [النجم:30]. وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شيء علماً، وهو أعلم بمن خلق، وهو أعلم بنا وأعلم بمن ضل ومن اهتدى، ويعلم ما نبدي وما نكتم، فإن مما يدخل في علمه سبحانه سبب هداية المخلوق وسبب ضلاله، فهو يعلم سبب الهداية ويعلم سبب الضلال وسبب السعادة والشقاء، ويعلم ما تكنه الصدور من الهدى والضلال.. كما يعلم ما يتعاطاه الإنسان من الخير والشر بأقواله وأفعاله، وإن العقل السليم ليضطر صاحبه أن يعترف بأن الخالق أعلم بخلقه من غيره، كما أن الصانع من المخلوقين أعلم بصنعته من غيره، ولله المثل الأعلى. وقد ذم الله سبحانه وتعالى من ظن أن الخالق يخفى عليه شيء مما يعمل خلقه، وأن ذلك الظن السيئ سبب الهلاك والخسران.. فقال تعالى:
{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
. [فصلت:22-23]. وذكَّر سبحانه عباده بجهلهم المطبق الذي كانوا يتصفون به عندما أوجدهم في هذه الحياة، وامتنانه عليهم بآلات علمهم المحدود التي لا سبيل لهم إلى ذلك العلم بدونها. فقال سبحانه:
{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
. [النحل:78]. وبيَّن سبحانه وتعالى أن الناس مهما بلغوا من العلم، فإنما هو علم يسير من ظاهر الحياة الدنيا، وهو ما يحتاجون إليه في معاشهم، وأن العلم الحق الذي هم أحوج إليه من غيره، هو علم المعاد الذي غفلوا عنه وأهملوه، وكذب به غالب الأمم في الأرض. فقال تعالى:
{وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}
. [الروم:6-7]. وإذا كانوا لا يعلمون إلا علماً ظاهراً من الحياة الدنيا التي أفنوا أعمارهم في معرفتها.. فكيف يعلمون مسارب النفس التي لم يجعل الله لهم إلى معرفتها سبيلاً؟ إلا عن طريق وحيه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.. وعندما ذكر تعالى علمه الشامل وإحاطته بكل شيء، نفى أن يحيط أحد من خلقه بشيء من علمه بدون مشيئته.. فقال تعالى:
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
. [البقرة:255]. وقد اعترف خيرة خلق الله وصفوتهم، بأنهم لا يعلمون إلا ما علمهم الله، وهم أنبياؤه ورسله وملائكته المقربون.. فقال تعالى:
{يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ}
. [المائدة:109]. وقال عن عيسى عليه السلام:
{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ}
. [المائدة:116]. وقال عن الملائكة الكرام:
{قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}
. [البقرة:32]. أثر خشية الله في الوقاية من الجريمة: ويترتب على معرفة العبد إحاطة علم الله بكل شيء، ومن ذلك ما يفكر فيه بعقله، أو يوسوس به في قلبه ليفعله أو يتركه، وما ينفذه فعلاً في حال خلوته وجلوته، يترتب عليه أن تشتد خشيته وخوفه من ربه، وكلما كان العبد أكثر خشية لله وخوفاً منه، كان أكثر طاعةً له وبعداً عن معصيته، وكلما كان أقل خشية وخوفاً منه كان أكثر جرأة على المعصية وارتكاب الجريمة، والاعتداء على حقوقه وحقوق عباده. والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على هذا المعنى كثيرة جداً، نذكر بعضها على سبيل التمثيل. إن الملائكة الكرام لما كمل خوفهم من ربهم لم يعصوه طرفة عين، بل استقاموا على طاعته وفعل أمره في كل لحظه من لحظات عمرهم.. كما قال تعالى عنهم:
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
. [النحل:49-50]. وهكذا كان الرسل عليهم السلام أشد خشية لله من سائر الناس، فكانوا أشدهم طاعة وأبعدهم عن معصية الله، وأعلى طاعة الله تعالى تبليغ رسالته للبشر وعدم المبالاة بما يحصل منهم من الأذى والصد عن سبيل الله.. لهذا قال تعالى عنهم:
{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}
. [الأحزاب:39]. ولما تقالَّ بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة نبيهم؛ لأنه قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأرادوا أن يبالغوا في التقرب إلى الله تعالى والتبتل إليه، رد عليهم بأنه أكثر خشية لربه وأشد طاعة وتقوى.. كما في حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه يقول: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((
أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني
)). [البخاري (6/116)]. وقد خص الله تعالى من يخاف وعيده بأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتذكيره؛ لأن خوفه ربه يدفعه إلى الاستجابة للتذكير بخلاف من لا يخاف فإنه لا يستجيب لما يذكر به.. كما قال تعالى:
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}
. [قّ:45]. والذين يخافون الله لا يتبعون أهواءهم، بل يخالفونها ويصبرون على طاعة ربهم رغبة في رضوانه ودخول جنانه.. كما قال تعالى:
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}
. [النازعـات:40-41]. والذين لا يخشون الله يتكبرون عن طاعته، ويتعالون على خلقه، فينالون سوء المصير في الدنيا والآخرة.. كما قال تعالى عن فرعون:
{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}
. [النازعات: 17-26]. فالخشية سبب في الانتفاع بالذكرى والطاعة لله، وعدمها سبب في إتيان المعصية والشقاء..
{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى}
. [الأعلى:9-10]. وتأمل قصة ابني آدم كيف كان خوف الله مانعاً لأحدهما من مد يده إلى الآخر، وعدم خوف الله سبباً في إقدام الآخر على أول جريمة قتل ارتكبت في بني البشر.. قال تعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
. [المائدة: 27-30]. وخشية الله لا تمنع أهلها من الإقدام على المعصية والشر فحسب.. بل تجعلهم يتسابقون إلى الطاعة والخير، مع خشيتهم من عدم قبول ما يقدمونه من الخير.. كما قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}
. [المؤمنون: 57-61]. وقد دلت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم على ما دلَّ عليه القرآن أن خشية الله سبحانه وتعالى تمنع صاحبها من ارتكاب معصيته والاعتداء على حقوق عباده، حتى في حالة طلبه للمعصية وتمكنه منها، إذا ما تذكر علم الله المحيط بكل شيء، فإنه يقلع عن المعصية وهى بين يديه.. ومن أعظم ما وقع في التاريخ، ما ذكره رسول صلى الله عليه وسلم من قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار فانحطت الصخرة فسدت منفذ خروجهم، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فأفرج الله عنهم.. وكان توسل أحدهم قوله: ((
أللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي، كأشد ما يحب الرجل النساء فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيت فيها حتى جمعتها، فلما قعدت بين رجليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها.. فإن كنت تعلم أنى فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة
)).... قال: ((
ففرج عنهم
)). [البخاري (3/37،38) ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً..]. إن الذي يسعى جاهداً في تعاطي ما حرم الله من الشهوات، ثم إذا تمكن مما سعى إليه ذُكِّر بالله فذكر.. وأُمِر بتقواه فاتقى.. وترك ما حرم الله عليه ابتغاء وجهه وخشية لقائه بالمعصية.. إن هذا الذي هذا حاله لجدير أن يأمنه الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم ويسلموا من أذاه وجرائمه. ولهذا كان القرآن الكريم يربي المؤمنين على الخوف من الله تعالى، وهكذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الخوف من الله في السر والعلن هو الوازع القوي الذي يلازم صاحبه في كل حال ويدفعه إلى الطاعة ويحجزه عن المعصية، ولهذا كان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. ((
رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها (فـ) قال: إني أخاف الله
)). [البخاري (8/20) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً..]. وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بتقوى الله أينما كانوا ليشمل ذلك سرهم وعلانيتهم.. كما في حديث أبى ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((
اتق الله حيثما كنت..
)) . [الترمذي (4/355،356) وقال: هذا حديث حسن صحيح]. قال ابن رجب، رحمه الله: "مراده في السر والعلانية، حيث يراه الناس وحيث لا يرونه، وقد ذكرنا من حديث أبى ذر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((
أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته
))". [الحديث في مسند الإمام أحمد، برقم (21613)]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: ((
أسألك خشيتك في الغيب والشهادة
)). وخشية الله في الغيب هي من المنجيات... " إلى أن قال: "فإن من علم أن الله يراه حيث كان، وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته، واستحضر ذلك في خلواته أوجب له ذلك ترك المعاصي في السر.. وإلى هذا المعنى الإشارة في القرآن بقوله:
{..وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
. [النساء: من الآية1، جامع العلوم والحكم ص: 140 وما بعدها..]. وإذا كان الله تعالى هو وحده الذي أحاط بكل شيء علماً، وأن خلقه لا يعلم أحد منه شيئاً إلا إذا علّمه هو، وإذا كان أفضل الخلق وصفوتهم قد اعترفوا بذلك، وإذا كان ذلك من أعظم ما يدعو العبد إلى الخوف من الله وخشيته، فيستجيب لفعل طاعة الله التي تؤدي إلى الخير العميم في الأرض له ولغيره من البشر، ويترك ما نهاه الله تعالى عنه من معصيته التي تكون سبباً في الشرور والجرائم التي ينتشر بها الفساد في الأرض، فإن الواجب على الخلق أن يعودوا إلى الله المحيط علمه بكل شيء، وأن يربوا الأفراد والأسر والمجتمع على الخوف منه وخشيته، لما في ذلك من البعد عن ارتكاب من تربى على ذلك الجرائمَ، نعم يرجون إليه تعالى ليعلموا منه ما جهلوه، إن كان قد أذن بتعليمهم إياه، مما في علمهم به مصلحة تنفعهم في دينهم ودنياهم. وإنه لمن السفه حقاً أن يسلك الإنسان للوصول إلى الشيء غير طريقه، وأن يرجع في معرفة أمر ما إلى من لا يعلمه..!! وهذا هو الذي سلكه المهتمون بأسباب الجريمة والوقاية منها وعلاجها، أولئك الذين سمو بالعلماء من فلاسفة الغرب ومفكريه ولذلك باؤوا بالفشل المحقق والإخفاق الذريع، وإن ظنوا أنهم أحرزوا شيئاً مَّا في هذا الباب وغيره من العلوم الإنسانية، ولا زالوا على رغم فشلهم يأملون في تحقيق مآربهم. وهذا أمر مؤسف، ولكن الأكثر أسفاً منه أن يسلك سبيلهم من ينتسبون إلى الإسلام من تلامذتهم الذين لم يفكروا في الرجوع إلى دينهم ووحي ربهم المنزل لهدايتهم، وهو بين أيديهم.. وإنما ألزموا أنفسهم تقليد من لا يؤمن بدينهم، ونقل أفكارهم إلى أبناء دينهم لملء أدمغتهم بتلك الأفكار، وإبعادهم عن هدى الله، وأسسوا مناهجهم في التعليم والقضاء وغيرهما على نظريات البشر المضطربة التي اعترف أهلها بقصورها وعدم القطع بصحتها، بل بتناقضها. لذلك يجب على المسلمين أن يعودوا إلى الله، لأخذ هديهم من كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وإذا رجعنا إلى الخالق، لنسأله عن السبب الرئيس في عمل الخير والطاعة، فلا بد أن يدلنا على ذلك.. لأنه تعالى أمرنا بالخير والطاعة، ومن المحال أن يتركنا بدون دلالة على أساسهما، فما هو ذلك الأساس.
الفهرس
Error In Connect