﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي

الدليل الأول:
قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ....} وقتل المرتد يؤدي إلى الإكراه في الدين، وهو مخالف لهذه الآية. والجواب أن الاستدلال بعموم الآية على منع قتل المرتد غير صحيح؛ لأن هذا العموم قد خصص بأدلة أخرى في أحكام كان الأصل فيها أن تدخل في هذا العموم لولا تلك الأدلة الخاصة، ومعلوم عند علماء الأصول أن العام يبقى على عمومه إذا لم يوجد ما يخصصه، وقد وجد هنا ما يخصصه وهو الأدلة الثابتة في قتل المرتد، وكذلك من لم تقبل منهم الجزية التي لا تقبل إلا من أهل الكتاب. وقد نص على ذلك الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله، حيث ذكر أقوال المفسرين في معنى الآية، ثم قال مرجحاً رأيه كما هي عادته في تفسيره: "وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية فـي خاص من الناس، وقال: عنى بقوله تعالى ذكره: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} أهل الكتابين والمجوس، وكل من جاء إقراره علـى دينه الـمخالف دين الـحق، وأخذ الجزية منه. وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخاً. وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال فـي ذلك بـالصواب لما قد دللنا علـيه فـي كتابنا كتاب «اللطيف من البـيان عن أصول الأحكام» من أن الناسخ غير كائن ناسخاً إلا ما نفى حكم المنسوخ، فلم يجز اجتماعهما. فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي وباطنه الخصوص، فهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل. وإذ كان ذلك كذلك، وكان غير مستحيل أن يقال: لا إكراه لأحد ممن أخذت منه الجزية في الدين، ولم يكن في الآية دليل على أن تأويلها بخلاف ذلك، وكان المسلمون جميعاً قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، أنه أكره علـى الإسلام قوماً، فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتدّ عن دينه دين الحقّ إلـى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين علـى الإسلام بقبوله الـجزية منه، وإقراره علـى دينه البـاطل، وذلك كأهل الكتابـين، ومن أشبههم؛ كان بـينا بذلك أن معنى قوله: {لا إِكْرَاهَ في ?لدِّين} إنـما هو لا إكراه فـي الدين لأحد مـمن حل قبول الـجزية منه بأدائه الـجزية، ورضاه بحكم الإسلام. ولا معنى لقول من زعم أن الآية منسوخة الحكم بالإذن بالمحاربة". [1] وحمل بعض المفسرين قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ في ?لدِّينِ} على الإكراه على الباطل، لا الإكراه على الحق، ذكر ذلك ابن العربي رحمه الله في تفسيره الآية، فقال: "قَوْله تَعَالَى: {لا إكْرَاهَ}: عُمُومٌ فِي نَفْيِ إكْرَاهِ الْبَاطِلِ؛ فَأَمَّا الإِكْرَاهُ بِالْحَقِّ فَإِنَّهُ مِنْ الدِّينِ؛ وَهَلْ يُقْتَلُ الْكَافِرُ إلا عَلَى الدِّينِ؛ قَالَ ‘: {أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إلَهَ إلا اللَّهُ}. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} وَبِهَذَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ضَعْفِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ جَازَ الإِكْرَاهُ بِالدِّينِ عَلَى الْحَقِّ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُكْرَهِ أَنَّهُ لا يَعْتَقِدُ مَا أَظْهَرَ؟. الْجَوَابُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ‘ يَدْعُو الْخَلْقَ إلَيْهِ، وَيُوَضِّحُ لَهُمْ السَّبِيلَ، وَيُبَصِّرُهُمْ الدَّلِيلَ، وَيَحْتَمِلُ الإِذَايَةَ وَالْهَوَانَ فِي طَرِيقِ الدَّعْوَةِ وَالتَّبْيِينِ، حَتَّى قَامَتْ حُجَّةُ اللَّهِ، وَاصْطَفَى اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ، وَشَرَحَ صُدُورَهُمْ لِقَبُولِ الْحَقِّ؛ فَالْتَفَّتْ كَتِيبَةُ الإِسْلامِ، وَائْتَلَفَتْ قُلُوبُ أَهْلِ الإِيمَانِ، ثُمَّ نَقَلَهُ مِنْ حَالِ الإِذَايَةِ إلَى الْعِصْمَةِ، وَعَنْ الْهَوَانِ إلَى الْعِزَّةِ، وَجَعَلَ لَهُ أَنْصَارًا بِالْقُوَّةِ، وَأَمَرَهُ بِالدُّعَاءِ بِالسَّيْفِ؛ إذْ مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَكَانَ مِنْ الْإِنْذَارِ مَا حَصَلَ بِهِ الإِعْذَارُ. جَوَابٌ ثَانٍ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ أَوَّلاً كُرْهًا، فَإِذَا ظَهَرَ الدِّينُ وَحَصَلَ فِي جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَمَّتْ الدَّعْوَةُ فِي الْعَالَمِينَ حَصَلَتْ لَهُمْ بِمُثَافَنَتِهِمْ وَإِقَامَةِ الطَّاعَةِ مَعَهُمْ النِّيَّةُ؛ فَقَوِيَ اعْتِقَادُهُ، وَصَحَّ فِي الدِّينِ وِدَادُهُ، إنْ سَبَقَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى تَوْفِيقٌ، وَإِلا أَخَذْنَا بِظَاهِرِهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ". انتهى. وقال الإمام الجصاص في كتابه "أحكام القرآن" في تفسير الآية نفسها: "فإن قال قائل فمشركو العرب الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بقتالهم وأن لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف قد كانوا مُكرهين على الدين، ومعلوم أن من دخل في الدين مُكرهاً فليس بمسلم، فما وجه إكراههم عليه؟ قيل له: إنما أُكرهوا على إظهار الإسلام لا على اعتقاده; لأن الاعتقاد لا يصح منا الإكراه عليه; ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله). فأخبر صلى الله عليه وسلم، أن القتال إنما كان على إظهار الإسلام، وأما الاعتقادات فكانت موكولة إلى الله تعالى. ولم يقتصر بهم النبي صلى الله عليه وسلم، على القتال قبل أن يقيم عليهم الحجة والبرهان في صحة نبوته، فكانت الدلائل منصوبة للاعتقاد وإظهار الإسلام معاً; لأن تلك الدلائل من حيث ألزمتهم اعتقاد الإسلام فقد اقتضت منه إظهاره والقتال لإظهار الإسلام، وكان في ذلك أعظم المصالح: منها: أنه إذا أظهر الإسلام وإن كان غير معتقد له، فإن مجالسته للمسلمين وسماعه القرآن ومشاهدته لدلائل الرسول ‘ مع ترادفها عليه، تدعوه إلى الإسلام وتوضح عنده فساد اعتقاده. ومنها: أن يعلم الله أن في نسلهم من يوقن ويعتقد التوحيد، فلم يجز أن يقتلوا مع العلم بأنه سيكون في أولادهم من يعتقد الإيمان". انتهى. وحمل بعض المفسرين معنى قوله تعالى {لا إِكْرَاهَ في ?لدِّينِ} على أن المراد به وضوح الأدلة على صحة هذا الدين وقوة براهينه التي لا تحتاج إلى إكراه أحد على الدخول فيه، وأن كل عاقل عرف حقيقة الإسلام يعلم ذلك علماً لا يخالجه شك في أن هذا الدين حق يلجئه ببراهينه على الدخول فيه لو أنصف. فقال الإمام البقاعي رحمه الله في تفسيره "نظم الدر" في آخر سورة البقرة: "ثم جعل ختام توجه المؤمنين إلى ربهم الدعاء بثمرة الولاية فقال: {فانصرنا} باللسان والسنان، وأشار إلى قوة المخالفين حثاً على تصحيح الالتجاء والصدق في الرغبة بقوله: {على القوم} وأشار إلى أن الأدلة عليه سبحانه في غاية الظهور لكل عاقل بقوله: {الكافرين} أي الساترين للأدلة الدالة لهم على ربهم المذكورين أول السورة، فتضمن ذلك وجوب قتالهم وأنهم أعدى الأعداء، وأن قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ في ?لدِّينِ} ليس ناهياً عن ذلك، وإنما هو إشارة إلى أن الدّين صار في الوضوح إلى حد لا يتصور فيه إكراه، بل ينبغي لكل عاقل أن يدخل فيه بغاية الرغبة فضلاً عن الإحواج إلى إرهاب، فمن نصح نفسه دخل فيه بما دله عليه عقله، ومن أبى أدخل فيه قهراً بنصيحة الله التي هي الضرب بالحسام ونافذ السهام." انتهى. لقد تعمدت الإكثار من النقل عن العلماء رحمهم الله تعالى في تفسير معنى الإكراه الذي نهى الله تعالى عنه، ليعلم أن النصوص الدالة على العموم ينبغي لمن يستدل بها على حكم من الأحكام أن يبحث في ذلك العموم هل هو على عمومه أو قد دخله التخصيص بنصوص أخرى، وعن أقوال أهل العلم في الحكم وأوجه استدلالاتهم، وليعلم أهل كل عصر مذاهب من سبقهم من علماء الأمة؛ لأنهم بذلك يتبين لهم الراجح من المرجوح، ولا يطلقون الأحكام مهملين تحقيقات أسلافهم التي قد تبصرهم في أبحاثهم.
1 - تفسير ابن جرير (3/10) دار المعرفة.



السابق

الفهرس

التالي


Error In Connect