﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي

هل يجوز الاتفاق على عدم استرقاق الأسرى بميثاق ملزم؟
إذا كان بقاء الرق في الإسلام، معقول المعنى، وهو معاملة الأعداء الذين كانوا يسترقون الأسرى، بالمثل، فهل يجوز للمسلمين الاتفاق مع المحاربين من غيرهم، على ميثاق يلغي الرق من الجانبين؟ بحيث لا يسترق الكفار الأسرى من المسلمين، ولا يسترق المسلمون الأسرى من الكفار؟ الذي يظهر لي أن ذلك جائز يجوز للأسباب الآتية: السبب الأول: أن الاسترقاق جائز وليس بواجب، والدليل على عدم وجوب الاسترقاق، قوله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}. [محمد: 4]. وقد رأى بعض العلماء، أن هذه الآية منسوخة، بآية السيف، وهي قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. [التوبة: 5]. وحكى ابن كثير عن بعض العلماء عكس ذلك، وهو أن آية محمد هذه نسخت آية التوبة فيما يتعلق بالأسرى. [1]. والصحيح أن كلتا الآيتين محكمتان، ولا نسخ في أي منهما؛ لأن الأصل عدم النسخ، ولا يلجأ إليه إلا عند عدم إمكان الجمع بين النصين، وليس بين الآيتين تعارض؛ لأن آية التوبة فيها الأمر بقتل المشركين، أنى وجدوا، وأخذهم، وحصرهم، وسورة محمد فيها هذا المعنى وزيادة، وهو تخيير المسلمين بعد الإثخان في العدو ـ بين ثلاثة أمور، وهي: الأمر الأول: قتل الأسير إذا كانت المصلحة في قتله. الأمر الثاني: المن عليه كذلك، أي إطلاق سراحه، بدون أخذ فداء منه، وعدم استرقاقه. الأمر الثالث: إطلاق سراحه بفداء، من مال يؤديه للمسلمين، أو عمل يقوم به، أو إطلاق سراح أسرى للمسلمين عند أعدائهم. قال القرطبي رحمه الله: الخامس أن الآية محكمة والإمام مخير في كل حال، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقاله كثير من العلماء منهم ابن عمر والحسن وعطاء وهو مذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأبي عبيد وغيرهم، وهو الاختيار لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فعلوا كل ذلك. قتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث يوم بدر صبراً، وفادى سائر أسارى بدر، ومنَّ على ثمامة بن أثال الحنفي وهو أسير في يده، وأخذ من سلمة بن الأكوع جارية ففدى بها أناساً من المسلمين. وهبط عليه عَليه السلام قوم من أهل مكة فأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم ومنَّ عليهم، وقد منَّ على سبي هوازن. وهذا كله ثابت في الصحيح وقد مضى جميعه في الأنفال وغيرها. قال النحاس وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما، وهو قول حسن؛ لأن النسخ إنما يكون لشيء قاطع، فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول بالنسخ، إذا كان يجوز أن يقع التعبد إذا لقينا الذين كفروا قتلناهم، فإذا كان الأسر جاز القتل والاستراق والمفاداة والمن، على ما فيه الصلاح للمسلمين. وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد وحكاه الطحاوي مذهباً عن أبي حنيفة، والمشهور عنه ما قدمناه وبالله عز وجل التوفيق". [2]. ومعلوم أن خلاص أسرى المسلمين واجب، سواء كان خلاصهم بمال أو بأسرى من الأعداء، لما في ذلك من إنقاذهم من استرقاق الكفار وما ينالهم من فتنة. وفي الاتفاق مع الأعداء على عدم الاسترقاق من الجانبين، وقاية من استرقاق المسلم ابتداء، وهو خير من تخليصه من الرق بعد وقوعه. والله تعالى أعلم. وها نحن اليوم نرى أبناءنا يأسرهم الصليبيون بدون أن يثبتوا عليهم ـ حتى في محاكمهم الظالمة ـ أي جريمة اقترفوها، نراهم يهانون ويعذبون ويهان دينهم وقرآنهم في "غوانتنامو" وغيرها من البلدان، ولا قلب ينبض في أجسام القادرين على فكاكهم يرحمهم ويعمل على فك رقابهم، مع أن الاسترقاق العادي أهون وأخفَّ مما هم فيه بآلاف المرات.
1 - تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (2/338)
2 - الجامع لأحكام القرآن (16/228)



السابق

الفهرس

التالي


Error In Connect