﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي

خطوات مقترحة للتدريس ينبغي أن يتبعها الأستاذ مع طلابه:
إن الأستاذ الناجح هو الذي يشتاق طلابه لحضور دروسه باستمرار، ولا يملون في حلقات درسه، لما يمتاز به من إتقان مادته، وقدرته على إيصال المعلومات إلى عقول طلابه بالأساليب السهلة المرغوبة، واستعماله لوسائل الإيضاح العصرية التي تلفت انتباه طلابه وقت إلقائه دروسه فلا يشغلهم شاغل عنه، بل تكون عقولهم حاضرة معه كأجسامهم، فلا يملون من دروسه ولا يتذمرون. وهذه الخطوات يحتاجها الأساتذة كلهم لينجحوا في تدريس طلابهم، ولكن المقصود بها هنا أساتذة الشريعة الإسلامية وطلابهم؛ لأنهم معنيون أساساً بنشر التعليم الإسلامي، وبالتزكية الربانية، والدعوة إلى الله تعالى بين المسلمين وغيرهم. وهذه الدروس تناسب الأساتذة والطلاب في الحلقات المسجدية، ومعاهد تحفيظ القرآن الكريم ومدارسه وغيرها كالكتاتيب المنتشرة في البلدان الإسلامية؛ لأن أوقاتها تتسع لهذه الخطوات ونحوها، لعدم تقيدها بوقت معين ومواد معينة، يصعب معها التوسع في العلوم الإسلامية وأرى أن يتبع الأستاذ الخطوات التالية: 1- قراءة بعض آيات القرآن يعينها لكل درس لاحق أحد الحاضرين في الدرس السابق. ويُكَلَّف آخرُ تحضيرها من كتب التفسير (كتفسير ابن كثير، أو تفسير السعدي، أو في ظلال القرآن) ليفيد زملاءه بها باختصار، واختيار حديث ـ بعد ذلك ـ من الأحاديث لقراءته وشرحه كذلك باختصار، حرصاً على ربط الطلاب بالقرآن الكريم والسنة النبوية. وينبغي أن تكون الآيات والأحاديث مناسبة للمقام، فالترغيب ـ مثلاً يناسبه آيات الوعد والثواب وصفة الجنة وصفات المؤمنين، والترهيب يناسبه ذكر الوعيد وصفات النار وأعمال الكافرين ـ وهكذا يقال في الإنفاق والجهاد والصبر والصدق والأمانة والعلم والعمل وغيرها. 2- مناقشة عامة لما مضى في الدرس الماضي، بذكر ما تم كما ينبغي، وما لم يتم، مع ذكر العوائق التي اعترضت الطالب ومناقشة حلها ـ وعلى المقصر أن يعترف بتقصيره إن حصل دون جدال، ويعتذر ويعد بعدم التقصير مستقبلاً، وعلى الأستاذ وبقية الطلبة قبول عذره وعدم التأنيب، فإن تكرر فليعالج بالحكمة والأسلوب المناسب في الزمان والمكان المناسبين. 3- البدء في دراسة الموضوع الجديد، وينبغي تنوع الدراسة، تنوعاً يحقق ضبط الدرس من جميع الطلاب وفي الإمكان اتباع ما يأتي: ( أ ) يذكر الأستاذ النقاط الرئيسة للدرس الجديد، ويطلب من كل طالب الكلام على جزئيات كل نقطة على حدة، أو يطلب من كل طالب ذكر بعض النقاط الرئيسة، ثم يقسم الجزئيات على الطلبة كل واحد منهم يتولى الكلام على بعضها. وعلى الأستاذ تتبع التلخيص أو الإجابة على الجزئيات، ليعلق في آخر الأمر على ما يراه يستحق التعليق، وللأستاذ أن يكلف أحد الطلبة القيام بالتدريس إذا رآه أهلاً لذلك، ليمرن طلبته على التدريس، ويصحح لهم ما يقعون فيه من خطأ. وعليه أن يبرز الجوانب المقصودة من الدراسة بشكل واضح حتى يتعود طلبته على فهم مقاصد الدراسة والتدريس. (ب) على كل طالب أن يحضر النقاط التي أشكلت عليه في كراسته، ولا يبدأ بالسؤال عنها، بل ينصت ويناقش إلى أن ينتهي الأستاذ من البحث الذي فيه نقطة الإشكال، فإن فهم من خلال المناقشة فبها وإلا سأل أستاذه. وعلى الأستاذ أن يجيب بوضوح إن كان عنده علم بذلك، وإلا طلب التأجيل ليبحث، وإذا كان عند بعض طلبته علم، فعليه أن يمكنه من إبداء ما عنده ليحصل التعاون بينه وبين طلبته. وعلى الأستاذ أن يحضر أسئلة على النقاط الصعبة، لتنبيه الطلبة على فهمها، وأن يسرع بالإجابة أو المساندة عليها، إذا أحسَّ عجز الطالب أو الطلبة عن الإجابة؛ لأنه لا يقصد بالأسئلة التعجيز، وإنما هي تنبيه على الفائدة. كما يجب أن يكون غرض الجميع الإفادة والاستفادة، مع التواضع وعدم الترفع على الآخرين. (ج ) على الأستاذ أن يعوِّد طلبته في ختام الدرس على الإدلاء بما سمعوه، من الأخبار المهمة المتعلقة بالعالم الإسلامي أو غيره، وذكر المجلات الإسلامية، التي ينبغي اقتناؤها.[1] حتى يكون الطلبة على علم بالأحداث التي تهم المسلمين، ثم قراءة ما ورد في ختم المجلس. ( د ) لا ينبغي أن يضن الأستاذ أو طلبته بالوقت للدراسة، فخير الأوقات ما استغل في طاعة الله، لا سيما ما يعود نفعه لعامة المسلمين. { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً}. [2] (ه) وهناك أمر يجب التنبيه عليه، وهو أن على الأستاذ أن يكون ملماً إلماماً كافيا بالدروس التي يلقيها لطلبته، متمكناً من فهم مسائلها تمكناً كاملاً أو قريباً منه، وأن يتوسع في المراجعة في الكتب المناسبة، ليكون متميزاً في علمه وثقافته عن طلابه؛ لأن ذلك هو الذي يؤهله ليكون أستاذاً لهم، وإلا فما الفرق بينه وبين طلابه إذا ساووه أو زادوا عليه في ذلك. وينبغي أن يحرص كل الحرص على عدم ظهوره بمظهر المتردد في فهم المسائل، حتى لا تضعف ثقة طلابه به، وحتى لا يكون قدوة لهم في عدم إتقان مادة الدرس. كما أن عليه ألا يتردد عن قول: (لا أدري) فيما لا يعلم، لئلا يقع في مثل قوله: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}. [3] أمور مهمة ينبغي للأستاذ أن يمرن طلبته عليها: ـ الجد في الأمور والبعد عن الهزل والهازلين. ـ الحرص على فهم عقيدة السلف الصالح من كتبهم، وبالأخص كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.[4] ـ التعمق المستمر في فهم كتاب الله وسنة رسوله، عن طريق قراءتهما المباشرة والتدبر وقراءة التفسير وعلومه والحديث وعلومه. ـ حفظ قواعد النحو والصرف التي لا غنى عنها، ليتمكن بها من فهم كتاب الله وسنة رسوله، وأخذ حظ مناسب من الشعر الجاهلي والإسلامي، وبعض القطع الأدبية المفيدة، في الحكم والأمثال، والنصائح ونحوها، لتكون عنده ثروة من غريب اللغة العربية... ـ البُعد عن التعصب الذي وقع فيه المقلدون الجامدون، فالحق أحق أن يتبع، وليس أحد من الناس معصوماً إلا من عصمه الله، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجب رد ما اختُلف فيه إلى الله ورسوله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.[5] ـ تطهير المجالس من أقذار الغيبة والنميمة، وتجريح الأفراد والجماعات، فالوقت يجب أن يستغل في بناء الطالب وتعويده على الالتزام بالأدب الإسلامي، والتنفير عن الوقوع في أعراض الناس، وفي تذكر الإنسان عيوب نفسه ما يغنيه عن التفكه بعيوب الآخرين، وهذا لا يمنع من ذكر السلبيات التي تؤثر على سير الدراسة أو الدعوة، التي يقع فيها بعض الأساتذة أو الطلبة، ويقدر ذلك بقدره، على أن يكون المقصود التحذير من الوقوع فيها. ـ عدم تضييع الوقت فيما لا ينفع أو فيما هو مهم على ما هو أهم، فضلاً عن تضييع الوقت فيما يضر، وما أكثر ما يضيع طلبة العلم أوقاتهم في الكلام اللغو الذي لا فائدة فيه، إذا سلموا من الكلام الذي يجلب عليهم الإثم. ومن صفات المؤمنين: { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً }. [6] وأمرهم الله تعالى: بالقول النافع المفيد فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}. [7] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت). [8] واستعذاب الكلام فيما لا يفيد دليل فقدان الروح العلمية والخلقية، فليحذر المسلم ذلك كل الحذر، ولا يحملنه استعذاب مخالفيه للطعن فيهم، أن يقتدي بهم في ذلك، فقد يكون الطاعن فيه ممن هيأه الله لنشر فضائله وهو لا يدري. وإذا أراد الله نشر فضيلة طُوِيَت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود ثم إن الطاعن في أهل الحق، فارغ وأهل الحق مشغولون بحقهم، والمثل العربي يقول: "ويل للشجي من الخلي، وويل للعالم من الجاهل". والشجي هو المشغول، والخلي هو الفارغ. والذي يغتابك أو يظلمك بأي نوع من أنواع الظلم، يكون سبباً في أخذك من حسناته، أو تحمله بعض سيئاتك يوم القيامة، فقد روى أبو هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (أتدرون ما المفلس؟) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: (إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار). [9] وإنا ننصح من تعوَّد على غيبة الناس، وبخاصة العلماء والدعاة، أن يلجأ ـ إذا حدثته نفسه بغيبة أحد ـ إلى أقرب لحم حلال، ليأكل منه، من الأنعام التي امتن الله تعالى بها على الناس، بدلاً من أكل لحوم إخوانه، فإنه يجمع بذلك خيرين: الخير الأول: تغذية جسمه بما أحل الله له. الخير الثاني: نجاته من الوقوع في هذا التأنيب الرباني: { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ }. [10] عوامل تقدم الطلبة في دراستهم وارتقائهم: من عوامل تقدم الطلاب في دراستهم، ما يأتي: ( 1 ) أن يكون أستاذهم قدوة حسنة في التقدم والارتقاء. ( 2 ) أن يفهموا دروسهم ـ المنهج المقرر ـ أولاً بأول، فهماً دقيقاً شاملاً مع التطبيق العملي لما درسوه، فالتطبيق العملي يثبت العلم وعدمه يسبب النسيان. ( 3 ) الاهتمام بقراءة كتاب معين في كل علم، قراءة دقيقة من أوله إلى آخره، مع الفهم وحفظ القواعد والنصوص اللازمة، حتى يكون هذا الكتاب بمنزلة المتن لهذا الفن. ( 4 ) إعداد موضوعات وبحوث مناسبة لمراحل الدراسة، وتكليفهم إعدادَ شيء من ذلك. ( 5 ) تعيين بعض الكتب للمطالعة المستمرة وأخرى للتلخيص. ( 6 ) أن يكونوا على صلة بما يجدُّ من الكتب والموضوعات والمجلات والجرائد المناسبة والحوادث المعاصرة. ( 7 ) تنمية روح المسؤولية فيهم والاستقلال، لا التبعية والتقليد، مع ترسيخ التواضع فيهم والاعتراف بالفضل لأهله. ( 8 ) متابعتهم متابعة دقيقة، ووضع كل منهم في مكانه المناسب، في الوقت المناسب. ( 9 ) أن يقبل الأستاذ كل استفسار أو استشكال أو شبهة أو نقد أو اقتراح، ويحاور من تقدم بذلك محاورة هادئة موضوعية مقنعة، ويسلم لصاحب الحق ويشكره على ذلك.[11] (10) تشجيعهم على القيام بجولات مستمرة للدعوة العملية. (11) تمرينهم على البدء بالأهم فالمهم، اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم. (12) اختيارهم الأسلوب السهل عند دعوة غيرهم أو تعليمهم، حسب المقام والأشخاص. (13) مساعدة الطالب في نقله من البيئة الفاسدة إلى البيئة الصالحة، حتى يتمكن من السير في صراط الله، ويصبح هو أيضاً قادراً على نقل غيره كما نقل هو. (14) إقناعهم بالاعتصام بحبل الله، والتعاون مع إخوانهم المسلمين في كل أنحاء الأرض، من أجل رفع راية (لا إله إلا الله) والقضاء على خطط رؤوس الفتنة والضلال من أعداء الله، والتذكير بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بـ"التمسك بالجماعة وأن (من شذّ شَذّ في النار). [12] ويُستعان على ذلك بما يأتي: ( أ ) التذكير بالأوضاع الكافرة التي أحدثت للعالم كله القلق والاضطراب، ومكنت للظلم والظالمين. (ب) التذكير بحالة المسلمين التي نزلت بهم في هذا العصر، من الجهل والفقر، وعدم تطبيق شرع الله في حياتهم، والتنازع الذي أدى إلى الفشل، وتسلط أعدائهم على ضرورات حياتهم، من الدين والنفس، والنسل، والعقل، والمال، واحتلال أرضهم ونهب ثرواتهم، وفقد حريتهم التي منحهم الله تعالى، بعبادته وحده، والكفر بالطاغوت. (15) التذكير بصفات الطائفة المنصورة، التي تبدأ بالإيمان وتنتهي بالجهاد وطلب الشهادة، من أجل تحقيق رفع راية الإسلام. (16) التذكير بحقيقة الجهاد الشامل، جهاد النفس وجهاد المال وجهاد التعليم وجهاد الدعوة وجهاد أعداء الله المعتدين على ضرورات حياة المسلمين، وينبغي أن يعينه بذكر الكتب والمراجع التي تفيده في هذا الباب وغيره، ليسير على النهج الصحيح. (17) تقوية الجانب العبادي، على ضوء ما مر في تقوية الصلة بالله. (18) وعلى الجميع أن يحاسبوا أنفسهم، كل بمفرده كل ليلة قبل النوم، لمعرفة ما وقع فيه من الأعمال التي لا تليق بالمسلم، والتوبة إلى الله منها، لينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). [13] وفي الرحلات استجمام ومقاصد: الدراسة مهما كانت مشوقة ومفيدة، يحرص عليها الجادون من الأساتذة والطلاب، لما فيها من غذاء للعقول بمعانيها المتنوعة، واطمئنان إلى ذكر الله وعبادته، وتطهير للقلوب من أدران المعاصي ووساوس الشيطان، مهما كانت كذلك، فإن أصحابها يحتاجون إلى تغيير في نمط حياتهم، وتنوع في تغير أجواء نشاط أجسادهم وتفكير عقولهم. ومن أهم ما يمكنهم من ذلك التغيير وذلك التنوع الرحلات، التي ينتقلون فيها من مكان طال مقامهم به ولم يعودوا يتفكرون في شيء فيه ولو كان ـ في الأصل من آيات الله في الكون ـ كالجبال والبحار والأنهار والحيوانات إلى مكان آخر لم تطل إقامتهم فيه، ولم يألفوا النظر إلى مخلوقات الله التي يضمها المكان الجديد. إنهم سيحسون في المكان الذي انتقلوا إليه بأحاسيس جديدة ويشعرون بتفكر غريب؛ لأن ألفتهم للأول تفقدهم تلك الأحاسيس وتنسيهم ذلك التفكير. وعلى سبيل المثال: إذا كنت تسكن في منطقة جبلية، تضم جبالاً شاهقة، وطرقاً مكسوة بالأشجار السامقة تتخللها جداول صغيره من المياه التي ترويها، ويكسو قممها بساط أخضر من الجليد في الشتاء، تتجمع بينها بحيرات من المياه، تحيط بها الغابات ذات الأشجار المتنوعة المغروزة بين الأعشاب. إنك لكثرة رؤية هذه الآيات العظيمة التي تدل على كمال القدرة الإلهية، ستفقد التفكر فيها، وتنسى هيبتها الدالة على عظمة من أوجدها؛ لأنك قد ألفتها ألفة أورثتك الغفلة عن تلك العظمة. فإذا انتقلت إلى سواحل البحار والمحيطات، ورأيت أمواجها المتلاطمة كل موجة تتبع أختها في تسابق مدهش، يتصاعد رشاشها بالأمتار في السماء، ورأيت الأسماك بألوانها المختلفة وأحجامها المتنوعة، وغير ذلك من عجائب البحر، كطحالبه وأشجاره وكهوفه، وما تجري فيه من المراكب والسفن العملاقة الحديثة، إذا انتقلت إلى هذه السواحل وبحارها، تجدد عندك الإحساس بعظمة الله في الكون حتى لتشعر أحياناً بأنك ولدت هذه اللحظة التي أحسست فيها هذا الإحساس، وشعرت هذا الشعور. وقس على ذلك الذي يعيش في مدينة تناطح عماراتها السحاب، وتتلألأ فيها أنوار الكهرباء، وتصم الآذان فيها أصوات السيارات ومحركات المصانع، وتشغل فيها الفضائيات ذات البرامج المختلفة والأهداف المتنوعة السكان في داخل غرف نومهم، فيرحل من مدينته تلك إلى الأرض الفضاء المكسوة بالعشب والمراعي، تنتشر فيها قطعان الأنعام الثمانية، تسرح حيث تشاء، يشعر من يراها بجمال منظرها، المتنوع في الصغر والكبر والألوان، وكلها من آيات الله العظيمة، والهدوء التام يخيم على المنطقة والهواء الطلق يهب في جنباتها، إذ يتغلغل الأكسجين إلى الجسم صافياً سليماً من شوائب دخان المركبات والمصانع التي تملأ المدن وأجواءها. رحلات مشاعر العبادة: ومن الأمكنة التي يشعر الأساتذة والطلاب المسلمون بتغيير الأجواء فيها تغييراً يملأ القلب بالطمأنينة والنفس بالبهجة والراحة، مشاعر العبادة التي تفوق أي موقع في الأرض، وليتصور الأستاذ وطلابه أنهم انتقلوا من مسجد صغير في حيهم يؤمه عدد قليل من المصلين، إلى أكبر جامع في مدينتهم يؤمه الآلاف من المصلين، بل ليتصوروا أنهم انتقلوا من الجامع الأموي في دمشق إلى المسجد الأقصى، ثم انتقلوا من الأقصى إلى المسجد النبوي ونالوا حظهم من جوار قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، في الروضة ما بين منبره وبيته الذي أصبح قبراً له ولصاحبيه، فيتذكرون في لحظات نزول جبريل صباح مساء في هذه البقعة المباركة، ويتذكرون تلك الحلقات التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يعقدها لأصحابه ليتلو عليهم فيها الآيات التي نزل بها جبريل عليه السلام، من السماء جديدة طرية، ويعلمهم هناك الكتاب والحكمة ويزكيهم، كما أمره الله. كما يتصورون ألوية رجال الدعوة الذين كان صلى الله عليه وسلم، يرسلهم لنشر دين الله بين الرعاة والرعية في البلدان المجاورة للمدينة وللجزيرة العربية جضاً لهم إلى الدخول في دين الله، وكذلك يتذكرون ألوية الجهاد التي كان يعقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لجحافل أصحابه مباشرة، لتأديب أئمة الكفر الذين يقفون سدوداً ضد البلاغ المبين الذي أمر الله به رسوله الأمين. ثم انتقلوا إلى المسجد الحرام فطافوا وسعوا وجاوروا الكعبة المشرفة التي كانوا يستقبلون جهتها، فأصبحوا يستقبلون عينها، ويتذكرون ما لاقاه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، من الأذى والفتنة من صناديد قريش الذين حاولوا بكل ما أوتوا من قوة لحماية 360 صنماً بجوار الكعبة من تأثير (لا إله إلا الله محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم، فيجدون الكعبة قد طهرت من تلك الأصنام وحماتها، ولم يبق فيها إلا كلمة الله التي يرفعها المؤذنون في المسجد الحرام والآيات التي يتلوها أئمته في صلواتهم الخمس.
1 - أو مواقع الشبكة العالمية "الإنترنت" المفيدة.
2 - الفرقان 62
3 - النحل 116
4 - مثل كتاب العبودية، والعقيدة الواسطية، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وكذلك شرح الطحاوية لابن أبي العز.
5 - يراجع في هذا كتاب "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" لابن تيمية، وكتاب أسباب الخلاف لولي الله الدهلوي.
6 - الفرقان 72
7 - الأحزاب 70
8 - البخاري (7/78ـ89).
9 - صحيح مسلم (4/1997). فهذا المعتدي ينفعك ويضير نفسه فدعه وما يقترف.
10 - الحجرات 12
11 - مع ملاحظة أن لا يكون همّ الفرد هو مجرد النقد أو القدح وإنما مراده المصلحة والوصول إلى الحق.
12 - البخاري (8/92ـ93) ومسلم (3/1475ـ1476) والترمذي (4/465ـ467).
13 - البخاري (6/20) ومسلم (1/37).



السابق

الفهرس

التالي


Error In Connect