﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي

المسألة الثامنة:
أن يهتم الوالد بتعليم ابنه بعض الحِرَف التي تكون سبباً لطرق كسبه كالتجارة والصناعة والزراعة وغيرها، حتى يكون معتمداً في كسبه وإنفاقه على ربه ثم على عمل يده، ولا يكون عالة على المجتمع يتكفف الناس. ولنا في أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام أسوة حسنة، فقد كان بعضهم نجاراً، كما صنع نوح عليه السلام السفينة التي كانت السبب المحسوس في نجاته ونجاة قومه. وكان زكريا عليه السلام نجاراً كما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم.. [1]. وكان داود عليه السلام يصنع الدروع. كما قال تعالى عنه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. [سـبأ:10-11]. ولقد فضل الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل أن يجمع الحطب ويحمله على ظهره ويبيعه وينفق على نفسه، ليستغني عن الناس ويتصدق منه، فضل له ذلك على تكفف الناس وسؤالهم. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق منه ويستغني به عن الناس، خير له من أن يسأل رجلاً أعطاه أو منعه)). [2]. وفي حديث طريف لأنس بن مالك رضي الله عنه توجيه عَمَلِيٌّ من الرسول صلى الله عليه وسلم، للمسلمين الذين يصيبهم الفقر، بأن يتخذوا الأسباب والوسائل التي تغنيهم عن مسألة الناس، مهما كانت زهيدة، فقد يبارك الله تعالى لهم فيها فتسرهم نتائجها. فقد روى رضي الله عنه، أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: ((أما في بيتك شيء؟)) قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء. قال: ((ائتني بهما)) فأتاه بهما. فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: ((من يشتري هذين؟)) قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: ((من يزيد على درهم)) مرتين أو ثلاثاً.. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري. وقال: ((اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأتني به))، فأتاه به. فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قال له: ((اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوماً)). فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع)). [3]. وفي الحديث فائدتان لهما صلة قوية بأولياء أمور الأمة ورعيتهم: الفائدة الأولى: أن للرعية الحق في اللجوء إلى ولي الأمر طلباً لحل ما يعترضهم من مشكلات، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصدونه شاكين إليه ما يحل بهم ومنها قصة الأنصاري هذا، وقصده الناس من خارج المدينة، ولا يجد أحياناً ما يعطيهم من عنده فيحث أصحابه على إكرامهم وسد حاجاتهم، أذكر من ذلك القصتين الآتيتين: القصة الأولى تضمنها حديث جرير رضي الله عنه، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}. [النساء (1)]. والآية التي في الحشر: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ?. [الحشر(18)] ((تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال: ولو بشق تمرة)). قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)). [4]. القصة الثانية: تضمنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه فقلن ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يضم أو يضيف هذا؟)) فقال رجل من الأنصار: أنا فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني. فقال هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يُريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين. فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما))، فأنزل الله {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}. [5] ومعلوم أن أولياء أمور المسلمين اليوم يملكون ما يسع ذوي الحاجات، وليسوا معدمين كما كان الحال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب عليهم أن يقضوا حاجات ذوي الفاقة من بيوت أموالهم. الأمر الثاني: أن ولي الأمر يجب أن يهتم برعيته ويحل مشكلاتهم في حدود قدرته، فإذا لم يكن عنده ما يحل به مشكلة من شكا إليه منهم، هيأ له عملاً يساعده على حل مشكلته، ومن ذلك إيجاد فرص عمل لمن قوي منهم عليه، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا الأنصاري. وأولياء أمور المسلمين اليوم عندهم من الفرص المتاحة لتوظيف من لا عمل له من رعاياهم الشيء الكثير لو عدلوا ولم يستأثروا عليهم بما وقع تحت تصرفهم. والأحاديث الصحيحة في ذم السؤال كثيرة جداً، فيجب أن يمرن الوالد ولده على الشهامة والمروءة وعزة النفس، والابتعاد عن الأمور التي تجعله ذليلاً أمام الناس.
1 - مسلم (4/1847)
2 - البخاري (2/129) ومسلم (2/721)
3 - أبو داود واللفظ له، والترمذي، وحسنه، وقال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لم يروا بأساً ببيع من يزيد
4 - مسلم (2/705)
5 - صحيح البخاري (3/1382) وصحيح مسلم (3/1624)، والآية من سورة الحشر: 9



السابق

الفهرس

التالي


Error In Connect