[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
المحاضرة الثانية والعشرون، في: 1/11/1385هـ
وقوله تعالى: ((
وينزل من السماء من جبال من برد ...
)). ذكرت"مِن"هنا ثلاث مرات: فأما الأولى ـ في قوله ـ : ((
من السماء
)) فلا خلاف أنها لابتداء الغاية.. وأما الثانية ـ في قوله ـ : ((
من جبال
)) فالصحيح أنها لابتداء الغاية أيضاً، فتكون بدلاً من الأولى، ويكون المفعول به محذوفاً تقديره: وينزل من السماء من جبال فيها من برد، برداً.. ويجوز أن تكون تبعيضية، فيكون التقدير: وينزل من السماء بعض الجبال.. وأما كونها زائدة فليس بصحيح.. وأما الثالثة ـ في قوله ـ : ((
من برد
)) فهي لبيان الجنس.. وهذا يدل على أن الله تعالى جعل في السماء جبالاً من برد.. وهو تعالى ينبه خلقه على ما فيه نفعهم ليطمعوا فيه، وعلى ما فيه هلاكهم ليخافوا منه. فنبه على ما يطمعون فيه بالمطر، ونبه على ما يخافون منه بالبرد وهو شبيه بقوله تعالى: ((
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ
)). [الرعد:12]. وكون المراد بالسماء هنا المطر غير صحيح، وإن كان قد يطلق لفظ السماء في لغة العرب مراداً به المطر، كما قال الشاعر:
قوله تعالى: ((
فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء
)). اختلف في مرجع الضمير في قوله: ((
به
)) وفي قوله: ((
ويصرفه
)).. فقال جماعة: المرجع هو البرد، لأنه هو الأقرب للضمير.. وهذا هو الظاهر، فالإصابة به نقمة وصرفه نعمة.. وقال جماعة: يعود إلى الودق، فالإصابة به نعمة وصرفه نقمة، والذي يرجح هذا قوله تعالى: ((
يكاد سنا برقه
)) فإن الضمير في ((
برقه
)) يعود إلى الودق، لا إلى البرد، كما سيأتي.. وقد أشار الله تعالى إلى طمع الناس في الماء، بقوله: ((
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
)). [الروم:48]. قوله تعالى: ((
يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار
)). يكاد مضارع كاد، وهو فعل مقاربة، يدل على مقاربة اتصاف المبتدأ بالخبر، أي قارب ضوء البرق أن يذهب بالأبصار، ولكنه لم يذهب بها فعلاً.. والسنا مقصور، وهو الضوء، سواء كان ضوء البرق أو غيره.. وقال بعضهم: لا يطلق إلا على ضوء البرق، وهو غير صحيح، والدليل على إطلاقه على غير البرق قول الشاعر:
وقد اجتمع الإطلاقان في قول الشاعر:
ويطلق السنا بالقصر ـ أيضاً ـ على نبت معروف. [وهو ما يسمى في الحجاز الآن بسنا مكة يتداوى به من الإمساك ـ أي يبوسة البطن ـ فهو مسهل]. والسناء بالمد: الرفعة والشرف.. والضمير في قوله: ((
برقه
)) يعود إلى الودق، كما مر.. والبرق يكون أشد لمعاناً إذا كثر المطر.. والباء في قوله: ((
يذهب بالأبصار
)) باء التعدية، كالهمزة، فكما تقول: أذهب الأبصار، تقول: ذهب بالإبصار والمعنى واحد.. والمراد بذهابه خطفه إياها.. كما قال تعالى: ((
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
)). [البقرة: 20]. قوله تعالى: ((
يقلب الله الليل والنهار، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار
)). في المراد بتقليب الليل والنهار قولان: الأول: أنه تعاقبهما ومجئ إحدهما بعد الآخر.. الثاني: أن المراد زيادة أحدهما من الآخر ونقصه.. وكلاهما يدخل في تقليب الله لهما.. وهما آيتان عظيمتان من آيات الله، وقد نوه الله بشأنهما في عدة آيات، من ذلك قوله تعالى: ((
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ
)) [يس: 37]. وقوله تعالى: ((
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
)). [القصص: 71-73]. قوله تعالى: ((
إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار
)). أي إن في ذلك المذكور، من تسبيح من في السموات والأرض والطير له سبحانه، وإزجاء السحاب، وجعله فيه خللاً ينزل منه المطر وإنزال البرد من الجبال وإصابة من شاء بذلك وصرفه عمن يشاء، كل ذلك فيه عبرة لأولي الأبصار.. والعبرة من الاعتبار، وهو مأخوذ من العبر، وهو شاطئ النهر ومن قطع النهر فقد عبره، فكأن المعتبرين بآيات الله الدالة على قدرته عبروا من شاطئ السِّنَة والغفلة والجهل إلى شاطئ النور والانتباه والاتعاظ.. وقوله: ((
لأولي
)) أي لأصحاب، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه وهو يعرب إعراب جمع المذكر السالم. و((
الأبصار
)) جمع البصر، والمراد به البصر الحقيقي الذي هو البصيرة ويفهم من هذه الآية أن عُمْيَ الأبصار لا يستدلون بهذه الآيات على كمال قدرته ولا ينتفعون منها بشيء. قوله تعالى: ((
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
)). قرأ أكثر السبعة: ((
خلق
)) فعلاً ماضياً، وقرأ بعضهم: ((
خالق
)) اسم فاعل.. والدابة: اسم فاعل: دب، وهو كل ما يدب على وجه الأرض من الحيوان، والتاء للوحدة، كبقرة أو شاة.. قوله تعالى: ((
من ماء
)).. فيه ثلاثة أقوال: القول الأول: أن المراد به مني الذكور، فيكون من العام المخصوص وهو كثير، كقوله تعالى: ((
وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
)) [النمل: 23].. أي كل شيء صالح للملك، فيكون المراد به الدابة التي من شأنها التناسل، يُعرِّف الله تعالى خلقه بأنه أوجدهم من هذه النطفة المهينة التي ليست شيئاً يذكر، ثم ينقلها الله من طور إلى طور، حتى تصير إلى ما هو معلوم من كمال الخلقة في الخلائق، كما قال تعالى: ((
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ
)) [الواقعة:58-59]. وقيل: المراد به العنصر المعروف، وهو الماء، لأن له دخلاً في خلقة كل حيوان، فالنطف متولدة عن الأغذية، والأغذية كلها للماء في وجودها أهمية كبرى، كالألبان واللحوم والبقول وغير ذلك، وآدم عليه السلام، أصله من ماء وطين. وقيل: إن الله تعالى أول ما خلق الماء تحت العرش، وخلق منه بقية الأشياء، وهذا بعيد.. وقوله تعالى: ((
فمنهم من يمشي على بطنه
)).. الضمير في قوله: ((
فمنهم
)) راجع إلى الجماعة الذين يدبون على الأرض المعبر عنهم بدابة، لأنها اسم جنس، والتعبير بالضمير الدال على الجمع من باب تغليب العقلاء على غيرهم.. وقوله: ((
من يمشي على بطنه
)) كالحيات والحيتان والديدان.. وقوله: ((
ومنهم من يمشي على رجلين
)) كالإنسان والطير.. وقوله: ((
ومنهم من يمشي على أربع
)) كالبعير والشاة.. وهنا يرد سؤال وهو: أن بعض الحيوانات تمشي على أكثر من أربع، فلم لم تذكر؟ والجواب من أوجه: الوجه الأول: أن الواو حذفت مع معطوفها، أي ومنهم من يمشي على أكثر من أربع، واستدل لهذا الوجه بقراءة أُبيّ: (ومنهم من يمشي على أكثر من ذلك) وحذف الواو مع معطوفها أسلوب عربي معروف، وقد عقده ابن مالك بقوله:
الوجه الثاني: أن ما يمشي على أكثر من أربع قليل، فلم يتعرض له لقلته.. الوجه الثالث: أن المشي الرئيسي على أربع وإن كثرت الأرجل.. الوجه الرابع: أن الآية ذكرت أمثلة شهيرة ولم تحصر.. قوله تعالى: ((
يخلق الله ما يشاء
)).. أي ما يشاء خلقه من بدائع صنعه وغرائب فعله.. وقوله: ((
إن الله على كل شيء قدير
)).. أي لا يعجزه شيء، ومما يدل على كمال قدرته تعالى ما ذكره في هذه السورة من الآيات الكونية، وكذلك في غيرها من السور.. وهو تعالى إذا أراد شيئاً قال له : ((
كن فيكون
)).. (6) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.. قوله تعالى: ((
لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
)). قرئ ((
مبيَّنات
)) اسم مفعول، أي موضحات، وضحها الله تعالى تمام الإيضاح.. وقرئ: ((
مبيِّنات
)) اسم فاعل، قال بعضهم من بيَّن المتعدي والمفعول محذوف، أي موضحات كل ما يحتاج إليه الناس.. وقيل: من بَيَّن اللازم، أي واضحات، وهذا هو الأظهر، وعليه الأكثر، ويؤيده أن الله تعالى قال في أول هذه السورة: ((
سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بيِّنات
)).. ثم بين تعالى أن بعض خلقه مع وضوح آيات الله لا يهتدي إليها لعدم توفيقه إياه، وبعضهم يهتدي إليها، ويستفيد منها وهم من وفقهم الله، ولهذا قال تعالى: ((
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
)).. أي إلى طريق واضح لا عوج فيه، وهو دين الإسلام الذي ندعو الله تعالى أن يهدينا له كل وقت: ((
اهدنا الصراط المستقيم
)) [الفاتحة:6]. قوله تعالى: ((
ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا، ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك، وما أولئك بالمؤمنين
)).. قال بعض العلماء: نزلت في المنافقين، وقد ذكر الله تعالى في هذه السورة شيئاً من عيوبهم وأخلاقهم، وذِكر الطوائف الخبيثة في القرآن ليس تأريخاً فقط، وإنما هو تعليم للناس ليحذروا من شر تلك الطوائف، أي إن هؤلاء الناس يقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا الله والرسول، قولاً فقط، دون اعتقاد منهم لما يقولون.. قوله تعالى: ((
ثم يتولى فريق منهم
)).. على القول بأنها نزلت في المنافقين، وجه كون فريق منهم يتولون مع أنهم على ملة واحدة، وكلهم يوافق على التولي، هو أن بعضهم قد تقع بينه وبين خصمه منازعة، فيطلب الخصم منه التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيتولى، والباقون لا تقع منهم خصومة مع أحد، فلا يظهر توليه مثل الفريق الأول، ولو وقعت بينه وبين أحد منازعة وطلب منه التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لتولى أيضاً كما تولى الفريق الأول.. وقال بعض العلماء: الآية نزلت في عموم المؤمنين، سواء منهم من كان مؤمناً ظاهراً وباطناً، وهم المؤمنون الصادقون، أو كان مؤمناً في الظاهر، دون الباطن، وهم المنافقون، ثم أخرج منهم المنافقين، ووجه ذلك أنهم ادعوا الإيمان، كما ادعاه المؤمنون الصادقون، ثم تولوا عنه.. الفريق الطائفة، وقد يكون الناس فريقين، وقد يكونون أكثر من ذلك، كما قال الشاعر:
والقول إذا أطلق يكون المراد به القول باللسان، ويطلق على الاعتقاد بقرينة.. قوله تعالى: ((
وما أولئك بالمؤمنين
)).. الإشارة تعود إلى: ((
فريق
)).. من قوله تعالى: ((
ثم يتولى فريق منهم
)).. على أن الآية عامة، أي أولئك الفريق المتولي عن حكم الله ورسوله.. وتعود إلى القائلين على أن الآية في خصوص المنافقين، أي أولئك القائلون، من أظهر منهم التولي ومن لم يظهره، فتشمل الفريق المتولي.. وأل في ((
المؤمنين
)) للعهد، أي ليسوا بالمؤمنين الإيمان الحق وإن حكم لهم بالإسلام في الظاهر، لما يبدون من العمل لبعض أحكام الإسلام الظاهرة.. ومتعلق ((
يتولى
)) في قوله تعالى: ((
ثم يتولى فريق منهم
)).. محذوف يدل عليه ما قبله، أي يتولون عن الإيمان بالله والرسول وعن طاعة الله والرسول أي عن الذي قالوا: إنهم يؤمنون به.. [وسئل شيخنا المفسر عن مرجع الضمير في قوله: ((
ويقولون
))؟)] فقال: وأما مرجع الضمير فهم المنافقون، على القول بأنهم المراد ـ كما مضى ـ وإذا كان مرجع الضمير معلوماً فلا يحتاج إلى ذكر، وقد بينا ذلك في أضواء البيان عند قوله تعالى: ((
ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة..
)).. من سورة النحل:61، [قال شيخنا رحمه الله في كتابه أضواء البيان (3/289):"قوله: ((
ما ترك عليها من دابة
)) الضمير في عليها راجع إلى غير مذكور، وهو الأرض، لأن قوله: ((
من دابة
)) يدل عليه، لأن من المعلوم أن الدواب إنما تدب على الأرض، ونظيره قوله تعالى: ((
ما ترك على ظهرها من دابة
))..قوله: ((
حتى توارت بالحجاب
)) أي الشمس، ولم يجر لها ذكر، ورجوع الضمير إلى غير مذكور يدل عليه المقام كثير في كلام العرب، ومنه قول حميد بن ثور:
فقوله: صهباء منها، أي من الإبل وتدل له قرينة"كالسفينة مع الإبل لم يجر لها ذكر، ومنه أيضاً قول حاتم الطائي:
فقوله:"حشرجت وضاق بها"يعني النفس، ولم يجر لها ذكر، كما تدل قرينة:"وضاق بها الصدر"ومنه أيضاً قول لبيد في معلقته:
فقوله:"ألقت"أي الشمس، ولم يجر لها ذكر ولكن يدل عليها قوله:"وأجن عورات الثغور ظلامها"، لأن قوله:"ألقت يداً في كافر"أي دخلت في الظلام.. ومنه أيضاً قول طرفة في معلقته: على مثلها أمضي إذا قال صاحبي....ألا ليتني أفديك منها وأفتدي فقوله:"أفديك منها"أي الفلاة، ولم يجر لها ذكر، ولكن قرينة سياق الكلام تدل عليها"].. وأما الواو فهي عاطفة لجملة على جملة، والذي سوغ ذلك هو أن الجملة التي عطفت لها صلة قوية بالجملة السابقة المعطوف عليها، وهي قوله تعالى: ((
لقد أنزلنا آيات مبينات...
)). لأن هذه دالة على النور الإلهي الذي حث الله الناس على اتباعه بعد وضوحه، ولا ينتفع به كل الناس، وممن لم ينتفع به هؤلاء المنافقون.. قوله تعالى: ((
وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون
)). حدف الفاعل لعدم توقف الفائدة على ذكره، أي إذا دعاهم خصمهم.. قيل: إن سبب نزول هذه الآية أن منافقاً اسمه بشر وقعت بينه وبين يهودي خصومة، وكان اليهودي محقاً والمنافق مبطلاً، وكل منهم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحكم إلا بالعدل، فدعا اليهوديُّ خصمَه المنافقَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فامتنع المنافق وقال: إن محمداً يحيف في حكمه.. وقيل: نزلت في المغيرة بن وائل من بني أمية.. وقعت بينه وبين علي رضي الله عنه خصومة، فطلب منه علي أن يتحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فامتنع وقال: إن محمداً يبغضني.. وذكر الله تعالى للتعظيم وبيان أنه المشرع للأحكام، والرسول صلى الله عليه وسلم هو المباشر للحكم في الحقيقة، ولهذا أفرد الضمير في قوله: ((
ليحكم
)) أي يحكم بما أنزل الله.. وإذا في قوله تعالى: ((
إذا فريق منهم
)) هي الفجائية، واختلف فيها: فقال بعض النحويين: هي حرف، وقال آخرون: هي اسم، أي ظرف زمان، أو ظرف مكان، أي إذاكان في ذلك الزمان أو المكان، أعرض فريق منهم.. نكتة نحوية: قاعدتان مشهورتان عند النحويين: أحداهما: لا بد أن تنخرم بهذه الآية.. القاعدة الأولى: أن العامل في إذا الشرطية هو جزاؤها لا شرطها والجواب هنا وقعت فيه إذا الفجائية، فالتقدير: يقع منهم الإعراض حينما يدعون إلى الله ورسوله.. القاعدة الثانية: أن ما بعد إذا الفجائية لا يعمل فيما قبلها، و"معرضون" الذي هو الجزاء واقع بعدها.. والمعروف من صنيع النحويين أنهم عندما يقعون في مثل هذا المضيق يقدرون عاملاً آخر، يكون محذوفاً من جنس الجواب، أي أعرضوا إذا دعوا، والأظهر أن نفس"معرضون" هنا عامل في إذا الشرطية، وهو دال على أن ما بعد إذا الفجائية قد يعمل فيما قبلها.. والإعراض: الصدود والتولي من العرض وهو الجانب، فكأن المعرض يولي من أعرض عنه جانبه، كما قال تعالى: ((
ثَانِيَ عِطْفِهِ
)).. [الحج: 9]. قوله تعالى: ((
وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين
)).. أي إذا عرفوا أنهم ظالمون امتنعوا عن التحاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما مر.. وإذا عرفوا أن الحق لهم أقروا وانقادوا وأسرعوا إليه وخضعوا له صلى الله عليه وسلم، لأنهم ينالون بحكمه حقهم، فطاعتهم له صلى الله عليه وسلم ليست تبعاً لعيدة وإيمان صادقَين، وإنما هي تبع أغراضهم الشخصية، كما قال تعالى: ((
كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ
)) [البقرة: 20] على أحد التفسيرين في الآية.. قوله تعالى: ((
أفي قلوبهم مرض، أم ارتابو، أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله، بل أولئك هم الظالمون
)). قال بعض العلماء: إن"بل" للإضراب الانتقالي، وقال بعضهم: للإضراب الإبطالي.. والتحقيق أن ما قبل"بل" قسمان: القسم الأول: واقع لا يتوجه إليه الإبطال، وهو كونهم في قلوبهم مرض، وكونهم ارتابوا، لأن النصوص كثيرة في إثبات ذلك.. كما في قوله تعالى: ((
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
)) [البقرة:10]. وقال تعالى: ((
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
)). [التوبة: 45]. فالاستفهام الداخل على هذين الوصفين للتوبيخ والتقريع.. والقسم الثاني: يتوجه إليه الإبطال، وهو قوله: ((
أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله
)) فإنهم لا يخافون ذلك لعلمهم أنه صلى الله عليه وسلم في غاية الإنصاف والعدل، ولكن إعراضهم لظلمهم، ولهذا قال تعالى قبل ذلك: ((
وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين
)). والحيف الجور، وعدم العدل، تقول العرب: حاف الحاكم حيفاً إذا جار وظلم، والريب والشك. وقوله تعالى: ((
بل أولئك هم الظالمون
)). أي ليس إعراضهم لشيء سوى الظلم، فإنهم يحبون الجائرين ليحكموا لهم على خصومهم. قوله تعالى: ((
إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
)). قول الأول خبر مقدم لكان على حد قول ابن مالك: وفي جميعها توسط الخبر...أجـــز ...... والمصدر المنسبك من أن وما بعدها اسم كان، أي قول المؤمنين الصادقين في إيمانهم هو قولهم سمعنا وأطعنا.. وقد يقال: إن المبتدأ والخبر شيء واحد والمغايرة بينهما واجبة. والجواب: أن المبتدأ عام والخبر خاص مقيد أي قول المؤمنين قولهم: سمعنا وأطعنا، فحصلت المغايرة. [هكذا هو في الكراسة عندي، والذي يظهر هو أن يقال: إن المبتدأ خاص، وهو قوله: ((
أن يقولوا سمعنا وأطعنا
)) لأنه هو اسم كان والخبر عام وهو قوله: ((
إنما كان قول المؤمنين
)) لأنه خبر كان وعلى هذا، فإما أن يكون ما في الكراسة سبق قلم مني، وهو الأصل عندي في كل خطأ يحصل، وإما أن يكون شيخنا ذكر قراءة لغير الجمهور، كما في البحر المحيط (6/468) وهو أن المبتدأ هو القول الأول والخبر هو الثاني، وهذا أيضاً بعيد، وإما أن يكون سبق لسان من فضيلة الشيخ لم أنتبه له في حينه والله أعلم]. قوله: ((
إذا دعوا
)) أي إذا دعاهم خصومهم. وقوله: ((
سمعنا
)) أي أجبنا، فالسمع هنا بمعنى الإجابة، مثل قوله: ((
سمع الله لمن حمده
)).. قوله تعالى: ((
وأولئك هم المفلحون
)) أي أولئك المنقادون الذين يقولون إذا دعوا إلى الله ورسوله: سمعنا وأطعنا، ((
هم المفلحون
)). للفلاح إطلاقان: الإطلاق الأول: بمعنى الفوز بالمطلوب الأكبر. والإطلاق الثاني: بمعنى البقاء الأبدي في النعيم. ومنه ((
حي على الفلاح
)) وفسر بالأمرين، ولا شك أن من أطاع الله ورسوله نال الأمرين معاً. وجوب إجابة المؤمن إذا دعي إلى حاكم مسلم عدل والانقياد لحكمه أحكام متعلقة بقوله تعالى: ((
ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا...
)) إلى قوله: ((
وأولئك هم المفلحون
)). أولاً: أنه يجب على المؤمن إذا دعاه أحد إلى حاكم من حكام المسلمين أن يجيبه ويأتي إليه. ثانياً: يلزمه الانقياد لحكمه، وأن يقول: سمعنا وأطعنا، لأن الله تعالى ذم من أعرض وتولى، ومدح من أطاع وأجاب، قال بعض العلماء: وهذه الآية نص صريح في الأمرين. ثالثاً: شرط وجوب الإجابة والانقياد أن يكون القاضي عالماً عادلاً لأنه وارث النبي صلى الله عليه وسلم، فالتولي عنه حرام. أما إذا كان القاضي متبعاً لهواه جائراً في حكمه، يأخذ الرشوة فلا أثم على من امتنع عن التحاكم إليه.. قوله تعالى: ((
ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون
)). يذكر أن عظيماً من عظماء الروم، جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فوقف على رأسه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فسأله عمر عن سبب إسلامه، فقال: إنه قرأ التوراة والإنجيل وكثيراً من الكتب السماوية، وصادف أن كان عندهم أسرى من المسلمين، فقرأ بعضهم هذه الآية، وفيها ثمرة الكتب كلها، وفسرها بأن معنى: ((
ومن يطع الله
)) أي في فرائضه، ((
ورسوله
)) أي في سننه، ((
ويخش الله
)) أي فيما مضى من ذنوبه، ((
ويتقه
)) أي فيما يستقبل من عمره، قال: فعلمت: أن هذا من كلام الله تعالى، وهو تفسير عجيب.. قوله: ((
ومن يطع الله
)) أي بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.. قوله: ((
ورسوله
)) أي فيما بلغه عن ربه، وهما متلازمان.. قوله: ((
ويخش الله
)) أي يخافه.. قوله: ((
ويتقه
)) بأن يجعل بينه وبين ربه وقاية بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.. ومعنى قوله: ((
الفائزون
)) أي الظافرون بمطلوبهم الأكبر.. وفي قوله تعالى: ((
ويتقه
)) أربع قراءات، كلها سبعية: القراءة الأولى: بكسر القاف وكسر الهاء مشبعة.. القراءة الثانية: بكسر القاف وكسر الهاء مع اختلاس.. ولا إشكال على هاتين القراءتين، فإن الفعل مجزوم بحذف الآخر والهاء يجوز فيها الإشباع والاختلاس.. القراءة الثالثة: ويتقه بسكون القاف.. ومن أساليب اللغة العربية أنه إذا اعتلت اللام، وسقط حرف العلة للبناء أو الجزم تخيل ما قبل الحرف الساقط كأنه آخر الكلمة ومن شواهده:
ومعنى مؤتاب أنه يأتي أوبة بعد أوبة، ومنه قراءة بعضهم: ((
أرْنا مناسكنا
)) [البقرة: 128]. وقول الشاعر: أرنا إداوة عبد الله نملأها..... من ماء زمزم إن القوم قد ظمئوا وقول الآخر:
الفهرس
Error In Connect