﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي

زيارة القبور:
إن كثرة مشاغل الحياة وكدح الإنسان في تحصيل منافعه فيها ودفع ما يضره من عوارضها ونجاحه أو فشله فيها، واطمئنانه إلى ما يمنحه الله تعالى من نعم متوالية ورغد عيش حياة هانئة، ومن أهل يحيطون به وأولاد يطيعونه وأموال مغنية ومساكن مغرية، ومراكب جميلة، أو فقره وحرمانه وبؤسه وشقائه، ويأسه من التمتع كغيره بحياة راضية مطمئنة، وما يحدثه ذلك للفريقين من غفلة عن الموت وسكراته، وعن البرزخ وعذاباته، وعن الحساب وحسراته، وعن يوم القيامة وأهواله، كل ذلك يحتاج معه صاحبه إلى ما يذكره بالحياة الأخرى التي هي دار الخلود الحقيقية، إما في جنات النعيم مع 10 والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وإما في نار جهنم مع حزب الشيطان الرجيم. وإن زيارة المدن الصامتة التي يعلو ترابها رفات من سبقونا إلى عالم سكنى دار البرزخ، المجاورة لمدننا العامرة الصاخبة، لمن أعظم ما يذكرنا بالحياة الآخرة ويبعث فينا التفكر في اليوم الذي سننتقل إلى تلك الديار، مخلفين وراءنا الأهل والأولاد والأصدقاء والأحباب، وسرر النوم الرفيعة وفرشها اللينة المريحة التي كنا نتقلب عليها غافلين عن النعوش التي سنحمل عليها فوق أكتاف المودعين دون حراك، وقد التفت منا الساق بالساق، إلى ربنا يومئذ المساق. وسيضعوننا في تلك الحفر الضيقة فراشنا التراب ولحافنا اللبن والطين، فيتسابقون على إهالة التراب علينا، ويرفعون أيديهم إلى السماء داعين لنا بالمغفرة والرحمة، ثم يرجعون بالنعوش التي كانوا عليها حملونا والأغطية التي بها سترونا. يرجع أهلنا وأولادنا تنهمر دموعهم لفراقنا، يستقبلون الأصدقاء والأحباب الذين يفدون إليهم يعزونهم فينا، ونحن قد أدَّينا الامتحان عندما زارنا الملكان وعرف كل منا مصيره إما إلى جنات عدن وإما إلى جحيم النيران، أعاذنا الله منها. وهناك تتجمع الحشرات والدود لتلتهم غذاءها من أجسامنا في تلك الشقوق واللحود، وهناك نبقى رقوداً في تلك القبور إلى يوم الجزاء والحشر والنشور: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ (5)}.[1] يتصور الزائر لأي مقبرة في العالم أن هذه القبور وكل قبر في هذا العالم من عهد آدم عليه السلام، إلى أن تقوم الساعة، ستبعثر في ذلك اليوم، ويخرج أهلها كلهم كالفراش المبثوت، وهو إحدى تلك الفراشات، ما حجمه بينها وكيف ستكون حاله في المحشر وما ذا ينتظر من الحساب والجزاء؟ {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)}. [2] {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)}. [3] {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)}. [4] وهل سيكون من زمر الذين اسودت وجوههم الذين غضب الله عليهم من زمر أهل النار؟ {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)}. [4] أو سيكون من زمر الذين ابيضت وجوهم وشملهم الله بمغفرته ورحمته ورضاه؟ قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(74)}. [4] وهل سيكون ممن ثقلت موازين أعمالهم الفائزين المفلحين، أو ممن خفت موازينهم الظالمين الخاسرين: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) [7] {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)}. [8] إن زيارة القبور وتذكر الانتقال إليها، وتصور ما يحدث للزائر فيها من أنه سيفارق ما ألفه في حياته من المساحات الواسعة التي يتمتع بها في سفره وحضره وفي يقظته ومنامه، وأنه سينتقل ليكون في شق صغير من حفر هذه المقابر الموحشة التي لم يعد يجد من يؤنسه من الأهل والأقارب والأصدقاء، ويعلم كذلك أن الانتقال إلى هذه المدينة الصامتة إنما هو مجرد محطة زيارة كما قال تعالى: {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ (2)}. [9] يعقبها ما ذكر الله تعالى في قوله: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)}.[10] إن ذلك لجدير بتقوية صلتنا بربنا الذي إليه مرجعنا ومصيرنا، وجعلنا نتزود بزاد التقوى الذي يثقل عند الجزاء والحساب موازيننا. ولهذا حثنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، على زيارة القبور كما في حديث بريدة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها). [11] وبيَّن صلى الله عليه وسلم، في حديث آخر، أن زيارة القبور تُذكر الموت، فقد روى أبو هريرة قال: "زار النبي صلى الله عليه وسلم، قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: (استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت). [12] وبيَّن في حديث آخر أن زيارتها تُذكر الآخرة، روى ذلك أبو ذر رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زر القبور تذكر بها الآخرة...).[13] ولقد أظهر الله تعالى أهمية زيارة القبور والدعاء لأهلها، عندما أرسل جبريل عليه السلام، منادياً للرسول صلى الله عليه وسلم، آمراً له بزيارة أهل البقيع والدعاء لهم في وقت هدوء الليل وهجوع الناس، كما روت ذلك عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهـا، قالت: "ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إلى أن قالت: فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت فأخذ رداءه رويداً، وانتعل رويداً، وفتح الباب فخرج. ثم أجافه رويداً. فجعلت درعي في رأسي، واختمرت، وتقنعت إزاري. ثم انطلقت على إثره. حتى جاء البقيع فقام. فأطال القيام. ثم رفع يديه ثلاث مرات.. قال: (فإن جبريل أتاني حين رأيت. فناداني... فأجبته. فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم). قالت: قلت: كيف أقول لهم؟ يا رسول الله؟ قال (قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين. وإنا إن شاء الله، بكم للاحقون). [14] ولزيارة قبره صلى الله عليه و سلم مزية على سائر القبور: ولزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبيه ـ مزية لا توجد لمقابر أخرى من مقابر المسلمين، قال شيخنا محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "يوجد فرق بصفة إجمالية عامة بين زيارة عموم المقابر لعامة الناس وخصوص زيارة القبور الثلاثة، إذِ الغرض من زيارة عامة المقابر هو الدعاء لها وتذكر الآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة). أما هذه الثلاثة المشرفة فلها خصائص لم يشاركها فيها غيرها: أولاً: ومن حيث الموضوع ارتباطها بالمسجد النبوي أحد المساجد التي من حقها شد الرحال إليها. ثانياً: عظيم حق من فيها على المسلمين، إذ بزيارتهم لا يتذكر الآخرة فحسب، بل ويستفيد ذكريات الدنيا، وعظيم جهادهم في سبيل إعلاء كلمة الله، ونصرة دينه، وهداية الأمة، والقيام بأمر الله حتى عُبد الله وحده، وعُمل بشرعه فيما يثير إحساس المسلم، ووجوب تجديد العهد مع الله تعالى وحده على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهدي خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، وهذا ما يجعل الإنسان يتوجه إلى الله عقب السلام عليهم بخالص الدعاء أن يجزيهم على ذلك ما يعلم سبحانه أنهم أهل له. ثالثاً: عظيم الفضل من الله على من سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يرد الله تعالى عليه صلى الله عليه وسلم، روحه فيرد عليه السلام، وكل ذلك أو بعضه لا يوجد عند عامة المقابر وهذا مع مراعاة الآداب الشرعية في الزيارة لما تقدم". [15]
1 - القارعة
2 - الانفطار
3 - العاديات
4 - الزمر
5 - الزمر
6 - الزمر
7 - الأعراف
8 - المؤمنون
9 - التكاثر
10 - الأنبياء
11 - (صحيح مسلم (3/1563 دار إحياء التراث العربي/ بيروت).
12 - صحيح مسلم (2/671).
13 - أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (4/366).
14 - اختصرت المقصود من الحديث وهو في صحيح مسلم (2/670) دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
15 - أضواء البيان ج8، ص:350، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت.



السابق

الفهرس

التالي


Error In Connect