﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي

تمهيد:
إن محور أمن الأمة الظاهر واستقرارها أو خوفها واضطرابها، هم الجند الذين بأيديهم السلاح على اختلاف أنواعه؛ إن حملوه لحراسة البلاد وأهلها، مع حكمة وحزم وتصرف شريف، كان الناس في غاية من السعادة والرخاء، حيث ينصرف كل منهم إلى قضاء حوائجه والاشتغال بمهماته من تجارة وصناعة وتعمير، وتعلم وتعليم، وغير ذلك من مرافق البلاد.. لاطمئنان كل منهم وأمنه على نفسه وأهله وعرضه وماله، فتزدهر بذلك البلاد وتنال مرادها، من الرقي والقوة في كل مجالاتها. وإن حملوه لإراقة الدماء ووثوب طائفة منهم على أخرى، للسيطرة على كراسي الحكم، حصل بذلك ضرر عظيم، من قتل للنفوس المقاتلة والمسالمة، وسفك للدماء ونهب للأموال وتخريب للبيوت، وعم الروع جميع المواطنين، وتوقفت عجلة القوة المادية من زراعة وتجارة وصناعة وغيرها، والمعنوية من تعلم وتعليم وتأليف وكتابة، وتفكير في المصالح العامة.. وبذلك تتحول البلاد إلى حمام من الدم، ويحيق بأهلها كل أنواع البلاء، من فقر ومرض وخوف وظلم، حتى يصبح من أحب الأمور إلى أغلب سكان البلاد مفارقتها إلى غيرها، ليطمئنوا على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم. إذا عرفنا هذا علمنا أهمية العناية بجند المسلمين، لنصل بهم إلى الغاية المنشودة للبلاد الإسلامية وأهلها من أمن واستقرار، وقوة مادية ومعنوية، حتى تزدهر البلاد ويقف أهلها في وجه العدو الخارجي المتربص بها. لا أريد أن أتحدث عن العناية بالجند من حيث التدريب على اختلاف أنواعه مدنياً كان أو عسكرياً؛ لأن وظيفتهم تحتم عليهم ذلك؛ ولأن ذلك ليس من اختصاصي. [1]. وقد سبق أن الإسلام يوجب على أهله أن يكون جندهم من القوة في المستوى الذي يرهب عدوهم، فلا يعتدي عليهم. كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}. [الأنفال:60]. ولكل زمانٍ قوتُه المناسبة له من الأمور التي يجب الاعتناء بتحقيقها في الجيش الإسلامي. أقول: لا أريد أن أتحدث عن ذلك هنا، وإنما أذكر بما يجب العناية به في أمور دينهم الذي يجب أن يكونوا أنصاراً له، بأن يربوا تربية إسلامية شاملة... وذلك بالأمور التالية: ا- تثبيت الإيمان الصادق في نفوسهم، لكي لا يتزحزحوا عنه عندما يحاول أعداء الإسلام تشكيكهم في دينهم؛ لأن الإيمان هو الأساس الذي ينطلق منه صاحبه إلى الحياة الصالحة. ومعلوم أن أي عقيدة اقتنع بها صاحبها، كان عمله صادراً عنها، سواء كانت حقاً أم باطلاً، وحامل السلاح المسلم من أولى الناس بتثبيت العقيدة الإسلامية في نفسه؛ لأنه سيحمل سلاحه من أجلها، وإذا لم يغرس في نفسه الاعتقاد الصحيح فسَيُغرس أعداء الدين في نفسه الاعتقاد الفاسد، وسيكون حرباً على الإسلام والمسلمين. 2- تمرينهم على السلوك الحسن، بحيث يُجعل جزءً من تدريبهم العسكري حتى يكونوا متحلين بكل خلق فاضل من عفة ونزاهة، وشجاعة وإقدام، وحزم وحكمة وحلم وصبر، ورحمة وشفقة.. ويبتعدوا عن كل الخصال السيئة من خسة ودناءة، وجبن وإحجام، وفسق وظلم، وطيش وعجلة، وقسوة وعنف، وغير ذلك من الرذائل والمعاصي. فالمرء كلما كان أكثر تحلياً بالسلوك الحسن، كان أكثر صلاحاً للقيام بواجبه بأمانة وتنفيذ، وكلما كان أكثر ابتعاداً عن الأخلاق الحسنة، واقتراباً إلى الأخلاق السيئة، كان أقرب إلى الفساد والإفساد، وأكثر استجابة للشر وأهله. واستجابة الجند لأهل الفساد أعظم فساداً من استجابة الآخرين؛ لأن في ذلك إسناداً للفساد بالقوة التي لا يقف أمامها إلا ما يماثلها. والجندي إذا لم يعتن بتزكيته تزكية إسلامية وتعويده على الأخلاق الحسنة بدا وحشاً مفترساً لا يبالي من يكون صيدَه. ولست أريد بهذا، الحط من قدر الجندي، وإنما أريد أن أذكر الواقع الذي لا يستطيع إنكاره أحد لا سيما في هذا العصر، الذي قدم لنا شواهد كثيرة على ما ذكر. فكم مسجد هدمته الجيوش الشيوعية في روسيا والصين وغيرهما، وكم مصل قتل في تلك المساجد، وكذلك فعلت الصليبية في كل أنحاء العالم الإسلامي بل في بعض الدول العربية التي أغلب سكانها مسلمون، بل إن بعض حكومات الشعوب الإسلامية سلطت جنودها على أبناء شعبها وبخاصة العلماء ودعاة الإسلام، لتمنع الشعب من الاستماع إلى حقيقة الإسلام، ولتستبد بالأمر. [2]. والسبب في ذلك أن الجندي الذي حمل السلاح في تلك البلدان تشبع بعقيدة معادية للإسلام والمسلمين، فعمل بمقتضى عقيدته دفاعاً عنها، ولم يجد من يقف في وجهه حاملاً سلاحاً مثل سلاحه ذا عقيدة إسلامية ليدافع عنها. 3- ملاحظتهم في أداء الشعائر الدينية، كالصلاة والحج والصوم وغيرها؛ لأن هذه تعتبر من العقيدة بمنزلة الوقود للآلات. 4- حثهم على طاعة الرئيس في غير معصية الله، حتى يحصل بذلك الفرق بين جند الله المسلمين، وجند الشيطان الكافرين، فإذا أمرهم قائدهم صغيراً كان أو كبيراً بفعل فيه معصية الله تعالى، وجب أن يرفضوا الامتثال في ذلك الفعل. فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عندما أمرهم قائدهم بالدخول في النار ورفضوا طاعته، وأقرهم على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بل وشكرهم، بل هددهم بأنهم لو أطاعوه فدخلوها ما خرجوا منها. وهذا الرفض لا يجوز إلا حيث يكون الجند عالمين بأن ذلك الفعل معصية ظاهرة، كأن يأمرهم بأن يزنوا بنساء البلد أو يقتلوهن أو يقتلوا الشيوخ والأطفال بدون سبب يسوغ القتل، أو يأمرهم بشرب الخمر أو غير ذلك من المعاصي. أما الأمور التي لا علم للجند بأنها معصية، كالمسائل الاجتهادية الفقهية أو العسكرية فلا حق لهم في عصيان قائدهم فيها. 5- تذكيرهم باليوم الآخر وما أعد الله فيه للمحسنين والمسيئين، ليكونوا راجين ثواب الله خائفين عقابه، فإن الذي لا يؤمن باليوم الآخر لا يهمه إلا العاجل، الذي تشتهيه نفسه، في هذه الدنيا حلالاً كان أو حراماً. ومثل هذا لا يرجى منه أن يقدم نفسه وماله في سبيل الله، كما لا يتوقع منه أن يترك أي فرصة تسنح له بارتكاب أي جريمة تهواها نفسه؛ لأنه لا يطمع في ثواب الله ولا يخاف عقابه. 6- أن يختار لكل فئة منهم رئيس تتوافر فيه الصفات التي تحقق للجند الأمور المتقدمة. وذلك بأن تتوافر فيه هو الصفات الآتية: أ ـ الخبرة التامة بما يسند إليه من مهام عسكرية، حتى يؤدي عمله متقناً. ب ـ الأمانة التي يؤتمن من اتصف بها، حيث لا يخشى منه الخيانة لأتباعه أو رئيسه أو أميره أو أمته. ج ـ القوة التي تمكنه من تنفيذ ما يريد تنفيذه، حتى لا يوقع نفسه وأتباعه في مشاكل لا يستطاع حلها في الأوقات الحرجة، بسبب التردد وعدم التنفيذ، فإن الأمور المهمة تحتاج إلى اغتنام الفرص التي تمكن من القيام بأدائها سلباً أو إيجاباً، والمهام العسكرية أحوج إلى الحزم والبت في الأمور أكثر من غيرها. د ـ أن يكون متمسكاً بدينه متخلقاً بالأخلاق الحسنة؛ لأنه قدوة لأتباعه، إن أحسن أحسنوا وإن أساء أساؤوا، ولأنه لا يمكن أن يراقبهم في القيام بأمور دينهم إذا لم يكن مراقباً لربه في نفسه، وفاقد الشيء لا يعطيه. هـ ـ أن يكون حكيماً يضع الأمور في مواضعها، بحيث يعطي لكل وقت ما يناسبه، من إقدام وإحجام وتقدم وتأخر، فلا يكون متهوراً، يوقع جنده في مآزق لا يطيقون الخروج منها بسبب العجلة، ولا جباناً يفوت عليهم فرصة تسنح لهم بالتغلب على عدوهم. 7- بث روح الجهاد فيهم، حتى يكون أحب إليهم من كل ملذات الدنيا وشهواتها وتوجيههم إلى الإخلاص حتى يكون قتالهم في سبيل الله ينالون به النصر في الدنيا والشهادة في الآخرة. 8- أن يصحب كل طائفة منهم مشرفون دينيون، يقومون بالأمور الآتية: أ ـ الإمامة في الصلاة: لا بد لهم من إمام يصلي بهم الصلوات في أوقاتها الخمسة جماعة، يتفقدهم وينصح من يتخلف منهم بغير عذر، وإذا تكرر ذلك من أحدهم بلغ به المسؤول العسكري الذي يجب أن يكون مزوداً بتعليمات وجزاءات رادعة في مثل هذه الأمور.. فإن الأمر بالمعروف واجب على كل مسلم أن يغيره باليد ثم باللسان ثم بالقلب كما هو معروف.. ولا شك أن القائد الجندي أعظم استطاعة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده ممن سواه.. ب ـ القيام بوعظهم وإرشادهم: ويجب أن يصحبهم عالم يزودهم بالنصائح المناسبة في أوقات مختلفة ويكون ملماً بالثقافة الإسلامية العامة، فاهماً للأفكار الهدامة المنتشرة في العصر، والشبه المخالفة للإسلام، حتى يتمكن من بيان تلك الأفكار والشبه وإظهار مساويها ومخالفتها للدين، لئلا تتسرب إلى الجند فتزعزع عقيدتهم، فيصبحوا حرباً على الإسلام وأهله، كما يقوم بالإجابة عن أسئلتهم المتعلقة بالحلال والحرام وكل ما يحتاجون بيانه من دينهم. ج ـ العناية بتدريسهم: وينبغي أن يصطحبهم كذلك مدرس خاص يعلمهم القراءة والكتابة والحساب، وما أشبه ذلك لئلا يكونوا أميين، فإن الأمي أسرع تأثراً بالدعوات الهدّامة، لعدم تمكنه من فهمها، وفهم ما تنطوي عليه من شر.. وفي ذلك أيضاً مساعدة لهم، على قراءة ما يرد عليهم من رسائل أهلهم، وكتابة ما يريدون من الرد على تلك الرسائل وأشباهها.. كما أن في ذلك توفيراً للوقت في قراءة النشرات والإعلانات التي يراد تعميمها، بحيث يتمكن كل واحد منهم من قراءتها لنفسه، وغير ذلك من الفوائد المعروفة. [3]. 9- ومع ذلك كله يجب أن تتوافر لهم وسائل عيشهم ومن يهمهم أمره حتى لا تعترضهم الشواغل بسبب نقص شيء من ذلك، وهم جديرون بتأمين تلك الوسائل لأنهم متفرغون لحماية الأمة وخدمتها في الداخل والدفاع عنها من أن يهجم عليها عدو من الخارج. هذه بعض الأمور المهمة التي أحببت التنبيه عليها، وهي إذا توفرت لجند المسلمين كان نجاحهم تاماً، وإذا عدمت كانت خسارتهم كاملة، وإذا نقصت فبمقدار نقصها تكون الخسارة. وعلى وزارات الجيوش في البلاد الإسلامية تقع هذه المسؤولية؛ لأنهم رعاة الأمنين الداخلي والخارجي، وفقنا الله وإياهم وكل المسلمين لكل خير. وبعد: فيا أخي المسلم كنت أريد أن أستقصي ما استطعت الكلامَ على المسؤوليات التي لموظفيها علاقة بالإمام.. ولكني رأيت أن ذلك يقتضي الإطالة.. فذكرت ثلاث مسئوليات هامة هي: ( أ ) مسؤولية الإعلام.. (ب) ومسؤولية التعليم.. (ج ) ومسؤولية الجيوش الإسلامية.. على سبيل المثال، للمسؤوليات الأخرى.. فيجب على كل مسؤول تتعلق به أي مسؤولية أن يخاف الله ويقوم بواجبه الذي أنيط به قدر استطاعته؛ لأن كلاً منهم يعتبر راعياً في مسؤوليته مسؤولاً عنها، ومن غش رعيته فقد حرم الله عليه الجنة كما مضى في الحديث الصحيح. [4]. وليعلم كل مسؤول أنه قدوة لمن تحته، فإن أحسن أحسنوا، وله مثل أجورهم وإن أساء أساؤوا، وعليه مثل أوزارهم.

1 - فصلت بعض ما يجب على القادة والجنود في كتابي "الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته
2 - يراجع كتابنا: دور المسجد في التربية
3 - عندما كتبت هذه السطور، كان كثير من الجيوش يفقد هذه الأمور
4 - ذكر الحديث سابقاً..



السابق

الفهرس

التالي


Error In Connect