﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي

تواضع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم اقتداءً به..
وقد تبعه خلفاؤه الراشدون وبقية الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، فتواضعوا مع رعاياهم اقتداء به، وقد رفعهم الله سبحانه وتعالى بذلك وخلد ذكرهم وأعزهم وأنزل المحبة لهم في قلوب الناس في حياتهم وبعد مماتهم. ولنذكر بعض الأمثلة لتواضع بعض خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فمن تواضع أبو بكر رضي الله عنه ما ذكرته عنه ابنته عائشة رضي الله سبحانه وتعالى عنها وعن أبيها.. قالت: "كان منزل أبي بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة، فأقام هنالك ستة أشهر، بعد ما بويع له وكان يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما يركب فرسه فيصلي بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى السنح. [1]. وكان إذا غاب صلى بالناس عمر، وكان يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع وكانت له قطعة غنم تروح عليه، وربما خرج هو بنفسه فيها، وربما رعيت له وكان يحلب للحي أغنامهم. فلما بويع بالخلافة قالت جارية منهم: الآن لا يحلب لنا منائح دارنا فسمعها فقال: "بلى لعمري لأحلبنها لكم، وإني لأرجو أن لا يغير بي ما دخلت" فيه فكان يحلب لهم. [2]. أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يغدو إلى المدينة ليحل مشكلات رعيته بهم على رجليه. أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب إلى السوق، ليبيع ويبتاع مثل أفراد رعيته ليكسب لقمة عيشه. أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرعى غنمه بنفسه. أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلب منائح رعيته بعد أن كان خليفة لهم. ويقول: "وإني لأرجو أن لا يغير بي ما دخلت فيه"..أي أنه يرجو من ربه أن يوفقه للتواضع مع رعيته وهو خليفتهم كما كان متواضعاً معهم وهو مثل فرد من أفرادهم. هذه هي الأصالة أن لا يغير سلوكَ المسلم الحسنَ منصبُه وجاهه! وكان السبَّاقَ إلى الخير من رعية أبي بكر وزيرُه عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه، ولكن أبا بكر كان يسبقه في أعمال الخير الاجتماعية.. فقد كان – عمر - يتعهد عجوزاً كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل، فيسقي لها ويقوم بأمرها، فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت.. فجاءها غير مرة كي لا يُسبق إليها، فرصده عمرُ فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها - وهو يومئذ خليفة - فقال عمر: أنت هو لعمري". [3]. خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعهد امرأة عجوزاً عمياء كبيرة السن، ويسبق غيره من رعيته إلى خدمتها. إنه تواضع من يشعر بالمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى. ومن تواضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما ذكره عنه أسلم – مولاه - قال: "وخرج عمر إلى حرة واقم وأنا معه، حتى إذا كنا بصرار إذا نار تسعر فقال: انطلق بنا إليهم، فهرولنا حتى دنونا منهم. فإذا بامرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة على نار وصبيانها يتضاغون.. فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، وكره أن يقول يا أصحاب النار.. قالت: وعليك السلام.. قال: أدنو؟ قالت: أدن بخير أو دع.. فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: من الجوع.. قال: وأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ما لي ما أسكتهم حتى يناموا، فأنا أعللهم وأوهمهم أني أصلح لهم شيئاً حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر.. قال: أي رحمك الله ما يدرى بكم عمر.. قالت: يتولى أمرنا ويغفل عنا..! فأقبل عليَّ وقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق فأخرج عدلاً فيه كبة شحم.. فقال: احمله على ظهري قال أسلم: فقلت: أنا أحمله عنك مرتين أو ثلاثاً، فقال أخر ذلك: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة لا أم لك..! فحملته عليه فانطلق وانطلقت معه حتى انتهينا إليها، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً فجعل يقول لها: ذري علي وأنا أحرك لك.. وجعل ينفخ تحت القدر وكان ذا لحية عظيمة، فجعلت انظر إلى الدخان من خلال لحيته حتى أنضج ثم أنزل القدر فأتته بصحفة فأفرغها فيها ثم قال: أطعميهم وأنا أسطح لك فلم يزل حتى شبعوا، ثم خلا عندها فضلُ ذلك، وقام وقمت معه. فجعلت تقول: جزاك الله خيراً أنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين.. فيقول: قولي خيراً فإنك إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاء الله. ثم تنحى ناحية ثم استقبلها وربض مربض السبع، لا يكلمني حتى رأى الصبية يضحكون ويصطرعون ثم ناموا وهدأوا فقام وهو يحمد الله.. فقال: يا أسلم الجوع أسهرهم وأبكاهم فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت منهم". [4]. إن تفقد ولي أمر المسلمين رعيته أمر طبيعي، وقد يكون فرضا عليه وإن قضاءه حاجاتهم أمر طبيعي، وهو من وظائفه التي كلفه الله إياها.. لكن ذلك التفقد المقترن بالتواضع الذي جعل خليفة المسلمين عمر بن الخطاب يباشر الأعمال التي يمكنه أن يكلف غيره القيام بها، هو الذي يبرز رفعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. يحمل الدقيق ولا يرضى أن يحمله عنه مولاه. ويطبخ للمرأة وينفخ النار تحت القدر حتى يتخلل الدخان لحيته العظيمة، وكان يكفي أن يوصل إليها الدقيق الذي حمله. يفرغ الطعام لها من القدر في الصفحة ويطلب منها أن تطعم صبيانها وهو يسطح لها الطعام في الصفحة، ليكون ذلك أسرع لبرودة الطعام وتغذية الأطفال. ثم يسمع منها الطعن في أمير المؤمنين، ولا يزيد أن يأمرها بأن تقول خيراً ويشير لها من بُعد أنه هو حتى لا تفهم ذلك خشية من إبطال عمله. ولابد هنا من الإشارة إلى أمر مهم جداً أشارت إليه تلك المرأة، وهي من أفراد رعية عمر رضي الله عنه، وهو إنه لا يستحق أن يلي أمور المسلمين من غفل عن قضاء حاجاتهم، وإنما يصلح لذلك من اهتم برعيته وتفقد أحوالهم وتواضع معهم.. فقد قالت المرأة في أول لقاء عمر بها: " الله بيننا وبين عمر " فلما سألها ومن يدري عمر بها وبأولادها؟ قالت: "يتولى أمرنا ويغفل عنا".. ثم قالت بعد أن قضى حاجتها: " أنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين".. أي بسبب تفقدك أحوال الناس وقضاء حاجاتهم وتواضعك معهم، فأقرها عمر على ذلك. فإذا أراد ولاة أمور المسلمين، أن ينالوا محبة رعاياهم وثناءهم عليهم والتفافهم حولهم، فليتواضعوا معهم وليتفقدوا أحوالهم، وليقضوا حاجاتهم، كما كان يفعل خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم... ولا يشترط في ذلك التواضع وذلك التفقد، أن يباشروه بأنفسهم كما كان يفعل أبو بكر وعمر، لأنهم قد لا يستطيعون ذلك، بسبب اتساع البلدان وكثرة الأعمال... بل يكفي أن يشرفوا على ذلك ويكلفوا ذلك وزراءهم فمن دونهم. وكم في البلدان الإسلامية من فقراء وأيتام وأرامل ومرضى ومعوقين، وذوي حاجات، لا يجدون من يهتم بهم ممن تولوا أمرهم من قمتهم إلى قاعدتهم؟ فلا تواضع ولا تفقد ولا سؤال ولا قضاء حاجات!
1 - السُّنْح، بضم السين وسكون النون: موضع بعوالي المدينة، فيه منازل بني الحارث، وهو على ميل من المسجد النبوي، وقد بلغ أبا بكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنزله فيه، انظر كتاب وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى لنور الدين علي بن أحمد السمهودي (4/1237)
2 - انظر تاريخ الأمم والملوك للطبري (3/432) والكامل لابن الأثير (2/424)
3 - تاريخ الخلفاء للسيوطي صفحة 80
4 - انظر تاريخ الأمم والملوك (4/205-206) والكامل في التاريخ (3/57-58)



السابق

الفهرس

التالي


Error In Connect