[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
كيف تقضي إجازتك
الرغبة الصادقة في عمل الخير، والإرادة الجازمة لذلك العمل، والجد الاجتهاد في اتخاذ الأسباب لتنفيذه هي أساس النجاح فيه. فقد أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالرغبة إليه، فقال:
{فإذا فرغت فانصب (7) وإلى ربك فارغب (8) }
[
1
]
والرغبة إلى الله هي الرغبة في عبادته وهي الرغبة في ملة إبراهيم، ولهذا نفى تعالى عن أهل الرشد والهدى الرغبة عنها، وحكم على من يرغب عنها بالسفه، فقال تعالى:
{ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين}
[
2
]
والأصل أن أمره تعالى لنبيه أمر لأمته، مالم يدل دليل على إرادة تخصيصه، لأن لهم فيه أسوة حسنة، كما قال تعالى:
{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}
[
3
]
ولهذا قال تعالى فيمن اعترضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم في قسمه الصدقات من المنافقين:
{ولو أنهم رضوا ما ءاتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون}
[
4
]
أي لو أنهم فعلوا ذلك كما فعل المؤمنون الصادقون الراغبون إلى الله، لكان خيرا لهم. [يراجع تفسير الآية في تفسير القرآن العظيم لابن كثير وغيره] فالرغبة إلى الله تعالى تيسر على العبد القيام بطاعته وترك معصيته... ولا بد مع الرغبة الصادقة من الإرادة الجازمة التي يترتب عليها القيام بالعمل الذي يرضي الله تعالى ويوصل إلى ثوابه... قال تعالى:
{وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين}
[
5
]
و قال تعالى:
{ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا}
[
6
]
الرغبةُ الصادقة في طلب العلم [أيِّ علمٍ ينفعه وينفع أمتَه] وإرادةُ الطالب الجازمة لهذا الطلب، والسعيُ الجاد في تحصيله، كلها تثمر فوزه ونجاحه فيه. ولهذا تجد الطالب الذي توافرت فيه هذه العناصر الثلاثة [الرغبة والإرادة والتنفيذ] يدير وقته إدارة من يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا، ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا] وقد كان سلف هذه الأمة من العلماء والمتعلمين، يقضون أوقاتهم في التعليم والتعلم والعمل، فحققوا لأنفسهم وللعالم السعادة بعمارة دنياهم وإقامة دينهم. وكانوا يقصدون بتعلمهم وتعليمهم وعملهم وجه ربهم الذي بعونه أمدهم، وبتوفيقه أعانهم، فاستسهلوا بذلك الصعاب، وخفت على أجسامهم الأتعاب، واستنارت بضياء هداه الألباب. ثم تتابعت بعدهم الأجيال، وتغيرت فيهم الأحوال، فقلت الرغبة والإرادة وضعف الإخلاص الاجتهاد، وانتشر الجهل والغفلة بين العباد، وصار طلب العلم لمتاع الدنيا وسيلة، ولم تعد له عند كثير من الطالبين ذلك القَدْر وتلك الفضيلة. فثقل طلب العلم على كثير من المتعلمين والمتعلمات، وبرم بالتعليم كثير من المدرسين والمدرسات، وأصبحت النفوس تتمنى كثرة العطل والإجازات، فتحققت للجميع تلك الأمنيات... وكذلك العاملون من سلف هذه الأمة في الوظائف العامة أو الخاصة، كان الإحسان الذي قال الله تعالى في أهله: ((
إن الله يحب المحسنين
)) في أكثر من آية، منها الآية (134) من سورة المائدة. وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
[
7
]
وهو الذي كتبه الله تعالى على كل شيء، كما جاء في حديث شداد بن أوس قال اثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته)
[
8
]
وغيره. والإحسان كما يقول العلماء، هو إتقان الشيء والإتيان به على أكمل وجه. هذا هو شأن المسلم، معلما ومتعلما، وموظفا عاما أو خاصا، يجتهد في إحسان عمله في كل أحواله، في حال سره وعلنه، لأن السر والعلن إنما يكونان مع المخلوقين، أما الخالق فالسر والعلن عنده سواء...
{ والله يعلم ما تسرون وما تعلنون}
[
9
]
وقد وضعت لكل العاملين أنظمة إجازات يتمتع كل منهم فيها بمدة معينة، بعيدا عن عمله، قد يكون فيها مسافرا في داخل بلده أو خارجها، وقد يكون مقيما بين أهله وأسرته. وكثير من الناس يعتبرون هذه الإجازات أوقات فراغ عن العمل الجاد فيها، لأن وقت العمل قد حدد في غيرها... فيمضون أيامها ولياليها في نوم وكسل، أو لهو وخطل. وهو اعتبار غير سليم وتصرف لا يخلو من سفه ذميم، لأن الأصل في كل لحظة من حياة الإنسان أن يستثمرها فيما يعود عليه وعلى أسرته وأمته بالربح والخيرات، وينجيه من الخسران والحسرات. قال تعالى:
{سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}
[
10
]
وقال تعالى:
{ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير}
[
11
]
وقال تعالى:
{لكن الرسول والذين ءامنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون}
[
12
]
وقال تعالى :
{وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين}
[
13
]
ولعظمة الوقت وحرمته وكونه عمر الإنسان الذي يتعاطى فيه كل تصرفاته، أكثر تعالى من القسم به، وذكر أجزائه في مواضع متفرقة من كتابه، ليلفت نظر عباده إلى اغتنامه وعدم تفويت شيء منه في غير فائدة، أو استغلاله فيما يعود عليهم بالضرر في الدارين، وهذه أمثلة لذلك: فمما ذكر تعالى الليل والنهار و الصبح و الضحى و بكرة والإبكار والظهيرة و
14
و العشي و الأصيل واليوم و الشهر والأشهر و الشهور و السنة والسنين والعام و الدهر و الساعة والحين والغسق والشمس والقمر،،،، وكثير منها تكرر كثيرا وقد ربط الله كثيرا من الأحكام الشرعية العبادية والعادية بأوقات محددة، كالصلاة والصيام والحج ... وعِدد الطلاق، ومدة الحمل والرضاع... وغيرها ويكفي أن نذكر ثلاثة أمثلة تدل على أهمية الوقت في حياة الإنسان: المثال الأول: قوله تعالى:
{و
14
إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}
[
14
]
فقد أقسم تعالى ب
14
ـ سواء كان الدهر كله، أو وقت
14
، أو صلاة
14
التي تؤدى فيه ـ ثم أتبع القسم بالإخبار بخسارة كل إنسان يوجد على ظهر الأرض، وأكد تلك الخسارة بثلاثة تأكيدات: التأكيد الأول: القسم في قوله:
{و
14
}
والتأكيد الثاني: حرف "إن" وهي من المؤكدات في اللغة العربية. والتأكيد الثالث: بحرف لام الابتداء الداخلة على خبر "إن" في قوله
{لفي}
وهي من المؤكدات كذلك. فالخسران ثابت لهذا الإنسان الذي يتقلب في هذا الزمن، ثباتا مؤكدا لا شك فيه، بمجرد ان يخبر الله تعالى به، لأن تخلف المخبر به لا يحصل إلا إذا جاز على من أخبر به الكذب، أو جاز العجز على من ينشئ المخبر به... والله تعالى منزه عن الأمر، فقوله صدق لا يعتريه الكذب:
{ومن أصدق من الله قيلا}
وهو تعالى لا يعجزه شيء، لأنه على كل شيء قدير، وهو إنما يقول للشيء
{كن فيكون}
ومع ذلك أكد حصول الخسران على كل إنسان بهذه التأكيدات، رحمة منه بهذا الإنسان ليأخذ الخبر مأخذ الجد، ويهتم بحماية نفسه من هذا الخسران. ولا يحميه منه إلا الخصال الأربع التي استثنى الله تعالى أهلها في قوله:
{إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}
وكلها إنما تحدث في أول المؤكدات الثلاثة، وهو الزمن "
14
" والتقصير فيها أو في بعضها إنما يحصل فيه كذلك...وهذا يدل على أن الإنسان العاقل يحرص على استغلال الوقت في الأعمال النافعة، ويتجنب فيه الأعمال الضارة، لينجو من الخسران، وأن مَن نقص عقله يخرج عن هذا السبيل، فيملأ أوقاته بما يضره أو يضر غيره، أوبما لا فائدة له فيه. المثال الثاني: قوله تعالى:
{والليل إذا يغشى (1) والنهار إذا تجلى (2) وما خلق الذكر والأنثى (3) إن سعيكم لشتى (4)}
[
15
]
فقد أقسم تعالى بالليل والنهار [وهما ظرفان لسعي البشر] كما أقسم بنفسه، وهو الذي يحاسب على تصرفات المخلوقين، أقسم على إخباره تعالى بأن سعي الناس مختلف، منهم من يملأ أوقات عمره بالطاعات التي تقربه إلى الله، ومنهم من يملأها بالمعاصي التي تبعده عن خالقه... ثم فصل ذلك في بقية آيات السورة كما هو واضح. المثال الثالث:
{وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير}
[
16
]
يمنح الله تعالى الناس أزمانا يعيشون فيها في الدنيا، وهي أعمارهم التي يكلفهم فيها طاعته واجتناب معصيته، ثم يحاسبهم على أعمالهم يوم القيامة، فمن آمن به وأطاعه أدخله الجنة، ومن كفر به وعصاه أدخله النار... وفي هذه الآية ذكر الله تعالى أن الكفار عندما يدخلون النار ويذوقون عذابه الشديد، ينادون بأصوات مرتفعة مستغيثين من ذلك العذاب، نادمين على الأوقات التي قضوها في معصية الله في الدنيا، طالبين الرجوع إليها، ليتداركوا ما فاتهم من العمل الصالح.. ولكن الله تعالى يبكتهم، ويذكرهم بأنه قد منحهم من الأوقات في الدنيا ما كان كافيَهم للتذكُّر والتوبة إلى الله والطاعة له، والإقلاع عن الكفر به ومعصيته، إنه العمر الذي يحاسب الله تعالى عليه صاحبه على ما قدم:
{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره(8)}
[
17
]
ولقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم، الناس كلهم، من حساب الله تعالى لهم، على أعمارهم فيم أفنوها، وبخاصة أيام شبابهم التي يكتمل فيها نشاطهم وقوتهم الجسمية والعقلية. كما في حديث أبي برزة الأسلمي، قَال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)
[
18
]
وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قَال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه)
[
19
]
فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين، أن الله يسأل خلقه يوم القيامة، عن كل ما أتوه في أوقات حياتهم، وهي أعمارهم، عن علمهم وعملهم، وعن ما اقترفته أعضاؤهم، وعن أموالهم من أين اكتسبوها وفيم أنفقوها...فابن آدم مسئول عن عمره كله. فلا يظنن امرؤ أنه مطلق الحرية في تصرفاته في جميع أوقاته، وبخاصة أوقات فراغه، بعيدا عن منهج الله، بل يجب أن يعلم أن أوقات الفراغ التي لا يستغلها فيما ينفعه في دينه ودنياه، هي أشد غبنا وندامة عليه من غيرها، وبخاصة من أنعم الله عليه فيها بالصحة والغنى الذي قد يتمكن به من تعاطي كثير من المعاصي التي لا يقدر على تعاطيها الفقراء كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَال قال النبي صلى الله عليه و سلم : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ)
[
20
]
بل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، الإنسان باغتنام الفرص التي يمنحه الله تعالى في أوقات عمره، قبل أن يفقدها، فيندم على عدم اغتنامها، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قَال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)
[
21
]
وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وإن من أهم ما يورد الإنسان موارد الهلاك، الغفلة والإعراض واللهو واللعب، التي تنسي صاحبها اغتنام الفرص المتاحة لاستثمار حياته في عمل الخيرات وترك المنكرات، والإعراض عن ذلك كما قال تعال:
{اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون (1) ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون (2) لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون (3)}
[
22
]
بل إن هذه الغفلة لتعطل على صاحبها أدوات استقبال التوجيه الإلهي التي من الله تعالى بها عليه، حتى يصير بذلك التعطيل أحط من الحيوانات العجماء، كما قال تعالى:
{ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم ءاذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}
[
23
]
وقد نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم – ونهيه له نهي لأمته – أن يطيع من أغفل الله قلبه عن ذكره فقال:
{ولا تُطِعْ من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، واتَّبع هواه، وكان أمرُه فُرُطاً}
[
24
]
. قال ابن تيمية رحمه الله: "فالغفلة والشهوة أصل الشر، قال تعالى:
{ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً}
"
[الفتاوى (14/289) والآية في سورة
24
]
. وعزا ابن القيم رحمه الله الزهد عن الحياة - العليا حياة
22
والرسل وأتباعهم - إلى أصلين: أحدهما ضعف الإيمان. والثاني جثوم الغفلة على القلب. وقال في هذا الأخير: "السبب الثاني: جثوم الغفلة على القلب، فإن الغفلة نوم القلب، ولهذا تجد كثيراً من الأيقاظ في الحس نياماً في الواقع..."
[
26
]
ووصف سيد قطب رحمه الله أصحاب الغفلة واللهو في كتابه [في ظلال القرآن] في مطلع سورة
22
فقال: "مطلع قوي يهز الغافلين هزاً، والحساب يقترب وهم في غفلة، والآيات تعرض وهم معرضون عن الهدى، والموقف جد وهم لا يشعرون بالموقف وخطورته، وكلما جاءهم من القرآن جديد، قابلوه باللهو والاستهتار واستمعوه وهم هازلون يلعبون
{لاهية قلوبهم}
والقلوب هي موضع التأمل والتدبر والتفكر. إنها صورة للنفوس الفارغة التي لا تعرف الجد، فتلهو في أخطر المواقف، وتهزل في مواطن الجد وتستهتر في مواقف القداسة، فالذكر الذي يأتيهم، يأتيهم ((
من ربهم
)) فيستقبلونه لاعبين بلا وقار ولا تقديس. والنفس التي تفرغ من الجد والاحتفال بالقداسة، تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال، فلا تصلح للنهوض بعبء، ولا الاضطلاع بواجب، ولا القيام بتكليف، وتغدوا الحياة عاطلة هينة رخيصة، إن روح الاستهتار التي تلهو بالمقدسات روح مريضة، والاستهتار غير الاحتمال، فالاحتمال قوة جادة شاعرة، والاستهتار فقدان للشعور واسترخاء"
[
27
]
. وقد تعرض الغفلة للمسلم أحيانا، فيقع في معصية أو ترك طاعة بوسوسة من عدوه الشيطان، ولكن تقواه تدفعه إلى ذكر ربه فيتوب إليه اقتداء بأبيه آدم الذي عصى ثم تاب. كما قال تعالى:
{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}
[
28
]
وهذا هو العلاج الناجع للغفلة عندما تعرض للمسلم، وهو ذكر الله وتقواه. وهما اللذان يفقدهما غير المسلم، ولهذا لا ينفعه إنذار ولا تذكير، كما قال تعالى في الكفار:
{إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)}
[
29
]
وقال تعالى في المنافقين:
{ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون(9) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10)}
[
30
]
وقال عنهم كذلك:
{إذا جاءك
31
قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون (1) اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون (2) ذلك بأنهم ءامنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (3)}
[
31
]
فعلى المسلم أن يكون يقظا حريصا على وقاية نفسه من وسوسة عدوه، وهواه وغفلته التي تسبب له الخسارة: الرغبة إلى الله الإرادة الجازمة لعمل الخير اغتنام الفرص قبل فواتها: 1-الشباب قبل الهرم 2-الفراغ قبل الشغل 3-الصحة قبل المرض 4-الغنى قبل الفقر 5-الحياة قبل الموت
1
- سورة الشرح
2
- البقرة:130
3
- الأحزاب:21
4
- التوبة : 59
5
- آل عمران : 145
6
- الإسراء : 19
7
- البخاري، برقم (4499) ومسلم، برقم (8)
8
- مسلم، برقم (1955)
9
- النحل : 19
10
- الحديد:21
11
- البقرة : 148
12
- التوبة :88
13
- الأنبياء : 73
14
- العصر
15
- سورة الليل
16
- فاطر : 37
17
- الزلزلة
18
- الترمذي، برقم (2417) و قال: "هذا حديث حسن صحيح"
19
- الترغيب والترهيب،برقم (5444) وقال: رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح واللفظ له.
20
- البخاري، برقم (6049)
21
- الحاكم في المستدرك، برقم (7846)
22
- الأنبياء
23
- الأعراف : 179
24
- الكهف: 28
25
- الفتاوى (14/289) والآية في سورة الكهف: 28
26
- مدارج السالكين (3/284)
27
- في ظلال القرآن (17/2367) طبع دار الشروق
28
- الأعراف :201
29
- البقرة : 6
30
- البقرة
31
- المنافقون
الفهرس
Error In Connect