موقع الروضة الإسلامي

هل تقرأ؟

الحمد لله الرحمن الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وأهله لقراءة ما سطرته الأمم بأقلامها في صحفها في جميع الأزمان، و خص أولياءه بالعمل بما قرءوه مما أنزله على أنبيائه ورسله من الزبر والفرقان، وصلى الله وسلم على النبي الأمي الذي قرأ بعد أن لم يكن يقرأ. القدرة على القراءة نعمة من نعم الله، كغيرها من الوسائل التي آتاها الله ابن آدم، وإذا أردت أن تعرف هذه النعمة العظيمة فما عليك أيها القارئ، إلا أن تقارن بين نفسك وبين من لا يقرأ من أقاربك أو أصدقائك، لترى الفرق الهائل بينك وبينهم.. فأنت تنظر إلى الحروف المترابطة التي تتكون منها الكلمات، والكلمات المتتابعة التي تتكون منها الجمل المفيدة، والجمل المفيدة التي تتكون منها الموضوعات الكاملة، التي قد تثمر كتباً أو مجلدات، وأنت تتابعها حرفاً حرفاً، وكلمةً كلمة، وجملةً جملة، وسطراً سطرا، وموضوعاً موضوعا، وكتاباً كتابا، ومجلداً مجلدا.. تغذي بمعانيها عقلك، الذي لا يزال ينمو ويترقى في سلم أعالي العلوم والمعارف بشتى أنواعها وهي التي تستحثك بقراءاتك المتكررة، لشتى أنواع الثقافة، إلى أن يكون (العقل) ميزاناً لما ينفعك من التصرفات، فيشعل لك بذلك سراج الهداية لتستضيء به في مسير حياتك للتشبث بكل نافع مفيد، وميزاناً لما يضرك من النشاطات.. فيرفع لك مَعْلَمَ التحذير من سلوك سبل الباطل التي تحرضك على سلوكها نفسك الأمارة بالسوء، والهوى المردي والشيطان الرجيم. فيتعاون العقل السليم والفطرة النيرة والوحي المبين، على قيادتك إلى ربك لتحقيق ما ترضيه به في دنياك وآخرتك. القراءة تصل القارئ بالعصور الغابرة من التاريخ، بما فيها من خير وشر، وتجعله ـ إذا دوَّن أفكاره ـ متواصلاً مع الأحقاب اللاحقة، ينقل للأجيال القادمة أحداث عصره، وعادات جيله، وتاريخ أمته، كاشفاً لهم تجارب عصره، بما فيها من إيجابيات يدعو لاقتفائها، وسلبيات، يحذر من الوقوع فيها. أما من لم يقدر له الله أن ينال هذه النعمة ـ نعمة القراءة ـ فلا تراه يفرق بين المكتوب والمرسوم، واللعب والجد، والحق والباطل، مما يسطر في صفحات الكتب والجرائد والمجلات، والألواح والصخور، إلا بأن هذا لون وذلك لون صوَّرتْه له الرؤية، لا يعلم من محتواه شيئاً، ولا يدري من مضمونه عرفاً ولا نكراً، يرى الحروف والكلمات والجمل والسطور، رؤية قد يعجبه جمالها، دون أن يعرف ما تحمله في أحشائها من جواهر وأصداف، أو ما أثقلت به صنوانها الدانية وأغصانها من ثمار لذيذة يانعة. لا فرق بينه وبين صبي خرج لتوه من رحم أمه، أو مجنون فقد عقله، فكلهم حرُم من التمتع بنعمة القراءة، إلا أن الصبي والمجنون معذوران بسقوط التكليف عنهما، وينتظر أن يتعلم الصبي إذا كبر، والمجنون إذا عقل، وهو إذا بقي على حاله لا يدري ما القراءة،وما يجب عليه لربه ولغيره من البشر، إلا ما قد يأخذه من غيره، سماعا أو تقليدا، وهو من المؤهلين للتكليف العيني والواجب الكفائي في أمور دينه ودنياه.