﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي

المبحث الثاني: مسؤولية التعليم
إن للتعليم أهميته التي لا يجحدها أحد، والذي ينقص المسلمين في التعليم أمور: الأول: عدم إسناد مسؤوليات التعليم إلى من هو أهل لها في كثير من البلدان الإسلامية، حيث تسند إلى أشخاص ناقصي الخبرة وفاقدي الأمانة والقوة والتنفيذ، ليس للإسلام في نفوسهم احترام ولا اهتمام، بل كثير منهم يحاربون بطرق وأساليب ماكرة. والجهل والخيانة والضعف أمراض فتاكة تقتل الشعوب وتمنع الخير. الثاني: عدم العناية بوضع المناهج التعليمية المفيدة في الدين والدنيا.. الثالث: أن من أهم الأسباب في قصور المناهج عما يجب أن تكون عليه، إطلاق العمل بتوجيهات أعداء الإسلام الأجانب في وضع مناهج التعليم، لكل المستويات من المدارس الابتدائية إلى أعلى أقسام التخصص، متذرعين بأن للقوم خبرة وتجربة يجب أن يستفاد منهما ولا شك أن الاستفادة من ذوي التجربة مطلوبة ولو كانوا غير مسلمين. ولكن يشترط في ذلك العلم بأن ما نأخذه منهم فيه فائدة، وليس فيه مضرة على المسلمين في دينهم ودنياهم، وذلك يقتضي التمحيص والتدقيق في الأمور التي تعرض لأخذها وتطبيقها في بلاد الإسلام. أما أن تطلق أيدي الآثمين من أعدائنا فتخطط كما تشاء مما نعلم يقيناً أنه من مصالحها هي ومن مضارنا نحن.. فهذا لا يرضاه مسلم يؤمن بدينه وحقوق أمته. ولهذا نجد هؤلاء المخططين من أعدائنا اغتنموا الفرصة عندما أمناهم على أعظم سبيل لنجاحنا، اغتنموا الفرصة وأقصوا علوم الدين من تلك المناهج في أكثر المدارس، والمدارس التي بقي للدين فيها أثر فصفحات معدودة لا تسمن ولا تغني من جوع. وأخذوا يدسون على تاريخ الأمة الإسلامية بالطعن على خلفائها وقوادها ومفكريها، وإلصاق التهم بهم، وفي نفس الوقت أخذوا يرفعون رؤساء وقواداً من أعداء الدين بالمدح والثناء عليهم وعلى أفكارهم. حتى أصبح الناشئون من أبناء الإسلام يُجِلون ويُكبِرون قادة الأفكار الهدامة من أمثال (ماركس ولينين وهتلر وغاندي وماو) وغيرهم من ساسة الكفار أكبر وأعظم من إجلالهم لأمثال (أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وعبد الله بن رواحة) وغيرهم من حملة راية الإسلام.. رضي الله عنهم أجمعين.. كما أخذوا في غمط علماء الإسلام ووصفهم بعدم المعرفة وفقدان الأفكار النافعة، ووصفها بـ"الظلامية والرجعية" ورفعوا منازل فلاسفة الغرب واعتمدوا على أفكارهم وآرائهم في التربية وعلم النفس بل حتى في فهم الدين الإسلامي وتاريخه. وإنك لتجد المؤلف المسلم ـ كما يعرف ـ من اسمه ـ يؤلف كتاباً يتكون من ثلاثة مجلدات أو أكثر.. كل مجلد يحتوي على مئات الصفحات في التربية وعلم النفس وطرق التدريس، ولا تجد فيه مثالاً واحداً من الأمثلة الإسلامية للتزكية الربانية التي أساسها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، التي تأخذ في تربية الشخص من مولده بوساطة وليه إلى بلوغه. ثم تأخذ في توجيهه مباشرة في كل مجالات حياته، عقيدة وعبادة، وسلوكاً ومعاملة وشريعة ونظاماً، في الحرب والسلم، داخلياً وخارجياً إلى أن يموت، والأمثلة من القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح، في التربية وعلم النفس كثيرة جداً. لا.. بل إن موضوع القرآن والسنة لهو النفس الإنسانية بجميع جوانبها، وكل ما يذكر فيها فإن محوره الأساسي النفس.. وخالق النفس أعلم بها: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}. [الملك:14].. ولكن أولئك المؤلفين لا يلقون لهما بالاً. أقول: لا تجد هؤلاء المؤلفين ـ المسلمين ـ يذكرون شيئاً من الأمثلة التربوية الإسلامية بل يملئون كتبهم بأسماء علماء الغرب، وذكر نظرياتهم والمقارنة بينها وترجيح بعضها على بعض، مفتخرين بها، ناسين ما في تراثهم الإسلامي من ثروة عظيمة، كان من الواجب عليهم أن يدرسوها وينقلوها للناس ليخرجوهم بها من الظلمات إلى النور مع الاعتزاز بها؛ لأنها فخر آبائهم وأجدادهم قبلهم، وسبب بقاء مجدهم وعزهم في حاضرهم ومستقبلهم. وما قد يوجد في الشؤون التربوية من نافع يفتخرون به في كتب علماء الغرب، يوجد في الإسلام ما هو أكثر نفعاً منه وأقرب تناولاً وأعظم فائدة. والفاسد الذي في كتبهم يوجد في الإسلام ما يبين فساده أو فساد أشباهه مع إقامة الحجج والبراهين على ذلك. والسبب في كل ما مضى من فساد الأنظمة المنهجية وإقصاء الدين عن الناشئين من أبنائه وإزاحة التربية الإسلامية، أو تحجيمها إلى درجة تجعل الطالب أقرب إلى الجهل بدينه، هو عدم الاختيار الموفق للمسؤولين عن التعليم من أعلى موظف إلى أصغر موظف، ولو أحسن الاختيار، لكانت النتائج حسنة مرضية، ولكان الجيل قوياً قائماً بأعباء مسؤولية الوقت.. ولكن القوم سلكوا للعزة ـ إن كانوا أرادوها ـ غير مسلكها، وأخذوا لبابها مفتاحاً غير مفتاحه. فكانوا كما قيل:

ومما يجب التنبيه عليه بهذه المناسبة أمران هامان: الأمر الأول: تباين مناهج التعليم في معظم الشعوب الإسلامية، حيث تدرس في بعض هذه المؤسسات مواد دينية ولا تعطى العلوم الأخرى فيها حظاً، كالحساب والهندسة والجغرافيا ومبادىء الطب وأشباهها، من العلوم التي يسمونها بالعلوم العصرية، وطلاب هذه المؤسسة في حاجة إلى تلك العلوم. وتُدَرَّس العلوم العصرية في مؤسسة أخرى، وليس للعلوم الدينية فيها نصيب، فيظهر طلابها طلاب مادة لا قيمة للغذاء الإيماني عندهم.. وتدرس في مؤسسة ثالثة العلوم العسكرية دون سواها، فيظهر طلابها بمظهر الوحوش الضارية على شعوبهم، ليس لهم هم سوى الفتك والبطش، وعندئذ يحصل التصادم بين هذه الفرق؛ فتصير كل فرقة حزباً له مبادئه الخاصة، يناضل عنها ويحاول تحطيم مبادئ الآخرين و{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}. [الروم:32]. إذ ليس لهم غاية مشتركة، ولا هدف موحد يجمع نشاطهم ويوحد سلوكهم. ولا أريد من هذا أن أدعو إلى إلغاء تخصص كل طائفة في علم خاص بل أريد إيجاد قاسم مشترك يوحد أبناء المسلمين، ثم يتخصص كل فيما يشاء. الأمر الثاني: بعث طلاب من أبناء الشعوب الإسلامية إلى البلدان الأجنبية الكافرة شرقية كانت أم غربية، وهم حديثو الأسنان غير فاهمين دينهم فهماً جيداً، ولم يتمكن الإيمان الصادق من قلوبهم تمكناً يؤمن معه ضلالهم، بل الكثير منهم لا يؤدي شعائر العبادة الظاهرة، وهو في بلاده بين آبائه وأجداده، كالصلاة والصيام والحج.. هؤلاء الأحداث، وللحداثة أهميتها في تلقي أي مبدأ، الجهال بدينهم، وللجهل أهميته كذلك، ينصاعون بسرعة إلى أي فكر هدّام. أقول: لو أن هؤلاء الأحداث الذين يرسلون إلى البلدان الأجنبية، لأخذ حظ وافر من العلوم المفيدة التي لا يوجد في بلدانهم تخصصات فيها، كبعض العلوم الطبية والهندسية وعلم طبقات الأرض والتدريبات الحربية والعسكرية والاقتصاد وغيرها. [1] لو أنهم أخذوا حظاً وافراً قبل إرسالهم، من الفقه في الدين، وزُكُّوا تزكية ربانية بالعبادة، وتمكنت في نفوسهم الأخلاق الإسلامية، لكان في ابتعاثهم فائدة عظيمة لبلدانهم؛ لأن تلك العلوم من فروض الكفاية التي يجب على المسلمين أن يقوم بها من يكفيهم فيها، ويأثمون بعدم من يقوم بها قياماً كافياً؛ لأن خلو الشعوب الإسلامية من هذه العلوم معناه الاستسلام للأعداء، حيث يتقدمون في كل مجالات الحياة وهم باقون على ضعفهم، وجهلهم بما يهمهم معرفته، وهذا أمر مذموم لا يقره الإسلام، بل يأمر بالقوة والأخذ بأسباب العزة من علوم الدين والدنيا جميعاً.. وحسبنا أن أول آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكبر مفتاح للمعرفة والسعادة في الدارين هي: "القراءة" في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. [العلق:1]، ثم امتن بعد ذلك على الإنسان بأعظم وسيلة لحفظ ما يُقرأ لجميع الأجيال ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وهي: "الكتابة" كما قال تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}. [العلق:3]. كما أشار إلى نعمة تعليم الإنسان ـ أي إنسان ـ ما يجهل على وجه العموم فقال: {عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ}. [العلق:5]. وفي ذلك ما فيه من حض هذا الإنسان على التطلع إلى المعرفة وعلم ما يجهل وأولى الناس بذلك المسلم؛ لأن كتابه أمره بذلك في شخص نبيه صلى الله عليه وسلم في أول آية نزلت منه. ومن أعظم الآيات الدالة على ذلك ـ أي حث المسلم على القوة ـ آية الحديد التي ذكر الله فيها أنه أرسل رسله إلى الناس بالكتب والبينات، وأنزل بجانبها الحديد الذي وصفه بوصفين عظيمين هما: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}. [الحديد:25]. وهل يستطيع أحد حصر بأس الحديد ومنافعه الآن؟ وهل كانت هاتان الصفتان واضحتين للناس عند نزول القرآن، كما هو الحال الآن؟ وهل هناك شريعة من الشرائع السابقة أشارت هذه الإشارة الموجزة الجامعة كما أشارت إليه هذه الآية؟ لا أظن ذلك.. ومن عنده علم بالإيجاب فليتفضل علينا بعلمه. ومما يؤسف له أن كثيراً من الأمم ـ وبخاصة ـ في عصرنا هذا، قد اتخذت الحديد وسائل للبأس الظالم والإضرار بالناس، بدلاً من استعماله في البأس العادل والمنافع التي أرادها الله لخلقه في الأرض. ومن الآيات الدالة على أنه يجب على المسلم أن يكون قوياً القوة التي تقف في وجه عدوه وتخضعه حتى يخشى أن يمس الإسلام وأهله بسوء، قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}. [الأنفال:60]. والآيات كثيرة جداً في هذا المعنى وفيما ذكر كفاية. [2]. وكذلك الأحاديث النبوية الصحيحة تحث المؤمن على القوة وتبين أنه أهل لأن يكون أحب إلى الله من سواه من المؤمنين الضعفاء، وإن كانوا من أهل طاعته في غير تلك الصفة التي أهلها أحب إليه تعالى. كما قال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير.. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)).. رواه مسلم. [3]. فالمؤمنون وإن كانوا مشتركين في الخير بسبب الإيمان وبعض الطاعات، يتفاضلون بالقوة، فمن كان أكثر قوة في إيمانه وفي الأسباب المؤدية إلى حماية الدين ونصرته فهو خير وأحب إلى الله تعالى.. فالطبيب المسلم الذي يؤدي شعائر دينه ويقوم بمداواة المسلمين من الأمراض الضارة والجروح الناجمة عن المعارك الواقعة بينهم وبين أعدائهم أفضل من غيره في ذلك.. والمسلم القوي في بدنه الذي يبذل نفسه للجهاد في سبيل الله خير من ضعيف البدن الذي لا يستطيع ذلك، وإن كتب الله له أجر نيته الحسنة. والمسلم الغني الذي يبذل ماله في مصالح المسلمين من بناء مساجد وتأسيس مدارس وإنشاء مستشفيات وتجهيز الغزاة في سبيل الله خير من الفقير الذي لا يستطيع ذلك.. والمسلم الذي يصنع السلاح للمجاهدين في سبيل الله، ويشاركهم في ذلك بالتدرب عليه واستعماله عند الحاجة، أفضل ممن ليس كذلك. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين على الرمي وأشار إلى أنه هو القوة، وقد ذم من رمى ونسي الرمي وأن معرفة الرمي نعمة من نعم الله تعالى.. ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن القوة الرمي.. ألا إن القوة الرمي.. ألا إن القوة الرمي..)). [4]. وفي صحيح البخاري: ((ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً)). [5]. وفي صحيح مسلم أيضاً: ((ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا)). [6].. وفي رواية: ((فهي نعمة جحدها)). [7]. ومن حرص الإسلام على قوة المسلم ولا سيما في السلاح المتخذ ضد العدو، جعل الرسول صلى الله عليه وسلم صانع السلاح في سبيل الله ومن جهز به غازياً مثل الرامي به.. فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، والممد به)). رواه أهل السنن. [8]. كما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على علم الطب، وبين قبل أربعة عشر قرناً أنه ليس هناك مرض في الأرض إلا أوجد الله له دواء معيناً علمه من علمه، وجهله من جهله، ولا شك أن الطبيب المسلم الذي يكون أكثر علماً في الطب أفضل ممن هو دونه؛ لأنه أقوى منه، والأقل علماً في الطب أفضل ممن يجهله في هذا الباب. كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما أنزل الله من داء، إلا وقد أنزل له شفاء، وفي ألبان البقر شفاء من كل داء)). [9]. وفي حديث آخر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل الله من داء، إلا وقد أنزل معه شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله)). [10]. ولا تزال الاكتشافات الطبية تظهر معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع، حيث يُجمع كبار أطباء العالم اليوم أن مرضاً ما.. لا دواء له، ثم يظهر غداً على يد بعضهم دواء يستأصل ذلك المرض. فسبحان خالق هذا الكون، وصلى الله على من أرسله رحمة للعالمين. ومن أوضح الأمثلة على أن الدين الإسلامي دين قوة وعمل، وأنه يحث المسلم أن يعمل عملاً يعود نفعه إليه في حياته ويبقى يدر عليه الحسنات بعد مماته، قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به)). [11]. ومن تأمل هذه الأمور الثلاثة حق التأمل، عَلِمَ عِلْمَ اليقين أن ديننا ليس دين كسل وخمول، ولكنه دين حركة ونشاط، وحيوية وعمل. فهو صلاة في المسجد وتعليم وتعلم في المدرسة، وجهاد ومجالدة في المعركة وبيع وشراء في السوق، وصناعة في المصنع، بل إن النوم الذي يأخذ الإنسان به راحته يعتبر عبادة عند خُلص المؤمنين.. كما قال معاذ رضي الله عنه: "أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي". [12]. ولننظر الآن في كل من الأمور الثلاثة التي نص عليها الحديث الشريف: أولاً: ((صدقة جارية)): والمراد بها ما يوقفه الإنسان من الأموال لصرفها في بعض أوجه البر كأن يبني مسجداً للصلاة، أو مدرسة للتعليم النافع، أو مستشفى لمعالجة المرضى، أو بيتاً يأوي إليه من لا مسكن له من المحتاجين كالطلاب والمهاجرين والفقراء، أو تمهيد طريق عام يسلكه الناس، أو حبس أرض تصرف غلتها في سبل نافعة كتجهيز الغزاة. وما أعظم شخصاً رزقه الله مالاً، فجمع بين هذه الأمور وأشباهها، فإنه يتسبب في كثرة سبل الخير النافعة لإخوانه المسلمين، وفي الوقت نفسه يتسبب في كثرة الحسنات التي يضاعفها الله له في حياته وبعد مماته. نعم، الإسلام يحث المسلم أن يكون من عمله صدقة جارية، وأحب الأعمال إلى الله أدومها، فكلما كانت الصدقة أدوم وأكثر، كانت أحب إلى الله وأعظم أجراً.. وهل يستطيع المسلم أن يخلف صدقة جارية بدون عمل منه وكدح في سبيل جمع المال؟ إن الفقير لا يستطيع ذلك، وإنما الغني هو الذي يستطيع، فالإسلام إذن يحث المسلمين أن يكونوا أغنياء، لينفقوا من أموالهم في السبل النافعة، فالمؤمن الغني أقوى من المؤمن الفقير، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. ثانياً: ((أو ولد صالح يدعو له)): والولد الصالح لا يأتي بدون سبب، بل لا بد من بذل جهود كثيرة لإيجاده، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتزوجوا الودود الولود ليتكاثر المسلمون حتى يكونوا قوة جبارة ضد أعدائهم، وهذا ما دعا الأعداء إلى أن ينادوا بتحديد النسل متذرعين بالخوف من عدم كفاية الأرزاق في المستقبل، وهم في الحقيقة يخططون مخططات بعيدة المدى، يهدفون من ورائها إلى إضعاف المسلمين في عددهم ومعنوياتهم، حتى تتسنى لهم السيطرة التامة عليهم، ولا يخشوا منهم غزواً ولا دفاعاً عن أنفسهم.. فوجود الولد من حيث هو متوقف على الزواج، وصلاح الولد يتطلب أموراً كثيرة منها: الأمر الأول: أن تكون أمه صالحة، وصلاحها يقتضي تعليمها كل ما تحتاج إليه للقيام بمهام بيتها وزوجها وأولادها تنظيفاً وتنظيماً، وتهذيباً وتوجيهاً وتربية وتمريضاً.

ولقد عرف أعداء الإسلام أهمية المرأة في البيت، وأنها إذا أعدّت إعداداً حسناً، وبقيت في بيتها أَعَدّت جيلاً يعجز الأعداء أن يصرفوه عن دينه أو أن يقوموا في وجهه. فأخذوا يصرخون وينوحون على تلك المرأة، ويدّعون أنها مظلومة يجب نصرها، بإخراجها من البيت إلى المصنع والسوق والمكتب والمسرح، والمدرسة المشتركة، وغيرها لتختلط بالرجال ويختلطوا بها، في خلواتهم وجلواتهم، لتفسدهم ويفسدوها فيفسد بذلك المجتمع. واستجاب لهم أعداء الدين المنافقون المذبذبون من أبنائه فكتبوا وأذاعوا مُنادين في شعوبهم بما نادى به الأعداء الصرحاء، وحصل ما أرادوا، فصارت المرأة مبتذلة تتخطفها الأيدي وقت طراوتها وشبابها، فإذا ذهبت الطراوة لفظوها كما تلفظ نواة التمرة. هكذا فعلوا بالمرأة.. وهكذا أرادوا لها.. خشية أن تربي أجيالاً صالحين لا يصلون إلى مصالحهم الاستعمارية مع وجودهم، ألا فلينتبه المسلمون. الأمر الثاني: أن يكون أفراد البيت صالحين، حتى يكتسب الولد الجديد منهم الصلاح وهذا يقتضي جهداً في تعليم كل أهل البيت وتأديبهم وتمرينهم على أفعال الخير، وتنفيرهم من أفعال الشر. الأمر الثالث: عناية الأب بالولد خارج البيت، وبذلك يقتضي منه مراقبته، بأن يكون اختلاطه بأهل الخير والصلاح، وأن يختار له معلماً، يكون له قدوة في سلوكه وعبادته ومعاملته.. وأن يختار له الْمَدرسة التي يغلب على ظنه خيرتها بالنسبة للمدارس الأخرى.. وهذه أمور شاقة على الأب، مما يدل على أن الإسلام يحض على التربية والتعليم وإعداد الصالحين من الأولاد، حتى يتسلموا من آبائهم زمام الحياة فيقودوها قيادة حكيمة ناجحة. ثالثاً: ((أو علم ينتفع به)): والمقصود من العلم قد يتبادر إلى الأذهان، أن المراد تعليم القرآن أو الحديث أو الفقه، وما شابه ذلك من علوم الدين، ولا شك أن هذه العلوم داخلة في العلم الذي ينتفع به دخولاً أولياً. ولكن العلم المنتفع به غير مقصور على ذلك، بل هو عام يشمل كل علم ينتفع به المسلمون في دينهم ودنياهم.. فيدخل في ذلك ما يأتي: ا- تعليم الناس علوم الدين على اختلاف طبقاتهم تدريساً ووعظاً وإرشاداً. 2- تأليف الكتب النافعة في ذلك وفي غيره من العلوم التي لها صلة بالدين كعلوم العربية والتاريخ وغيرها. 3- تعليم المسلمين الصناعات النافعة، على اختلاف أنواعها، وكذلك طرق الكسب والتجارة، وعلوم الطب والعلوم العسكرية والخطط الحربية التي تفيدهم ضد عدوهم في داخل البلاد وخارجها.. كل هذه الأمور إذا بذلها العالم لإخوانه المسلمين وبقيت متوارثة بينهم، فإنها تبقى بعده تدر عليه الخير والحسنات، وكلما كثر المستفيدون منها ولو بالواسطة تضاعفت تلك الحسنات.. وذلك يقتضي من المسلمين أن يلموا بكل العلوم النافعة في دينهم ودنياهم وأن يعلم بعضهم بعضاً، وهو دليل قاطع على أن الإسلام يدعو المسلمين إلى العلم النافع مطلقاً وإلى نشره بينهم ليبقى إلى يوم القيامة. ولا أريد أن أطيل بكثرة الأمثلة من الوحيين للحث على قوة المسلمين في كل المجالات وإنما أريد أن أشير فقط إلى ذلك.. ومن أراد الوقوف على صحة ما قلت فليتجرد من الهوى وليدرس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بتعمق وتمحيص ليجد أن الأمر أعظم مما ذكرت.. وذلك يقتضي منا أن نتعلم من غيرنا ما نجهله، ولا يعارض الدين الإسلامي ذلك إذا لم يكن بين المسلمين من يغنينا عنهم، ولكن لا يجوز أن نجعل تعلمنا منهم سبباً لترك ديننا والتنكر له.. هذا ويجب التنبيه أن هذا الفضل شامل للرجال والنساء من المسلمين، فالمرأة كالرجل في الإيمان والعمل، ولا فرق بينهما في ذلك، كما قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ..} . [آل عمران (195)]. وهذا أمر معروف في نصوص الكتاب والسنة، وقد بين ذلك العلماء في كتبهم المتنوعة بياناً شافياً. [راجع على سبيل المثال كلام شيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي على قوله تعالى في سورة الفاتحة: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ...}]. هذا ما أردت بيانه فيما يتعلق بإرسال أحداث الأسنان الذين يجهلون دينهم إلى البلدان الأجنبية، فإن المفاسد التي قد يتعرضون لها في أنفسهم، وما تصاب به شعوبهم بعد رجوعهم، من الخروج على تعاليم الإسلام والعداء له ولأهله ولو كانوا آباءهم وأقرب المقربين إليهم، أعظم من المصالح التي تحصل من ذلك بكثير. وما قيمة طبيب أو عسكري أو اقتصادي، تعلم في الخارج ورجع ملحداً؟. [14]. ولذلك كانت المضار التي تحصل بسبب الابتعاث المذكور لا تحصى كثرة، ولا يعلم مدى خطرها في مستقبل أمة الشعوب الإسلامية إلا الله.. وإن كنا قد علمنا بعض تلك المضار، وهي قسمان: مضار تلحق المبتعث في البلاد الأجنبية قبل أن يرجع إلى بلاده، وأخرى تلحق مجتمعه وأهله ودينه، بعد رجوعه إلى بلاده، والأولى أساس الثانية.
1 - كانت هذه التخصصات قليلة في تلك الأيام في بعض البلدان الإسلامية
2 - راجع كتاب الجامع لأحكام القرآن (11/321) للإمام القرطبي رحمه الله
3 - مسلم (4/2052)
4 - مسلم (3/1522) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه
5 - البخاري (3/226-227) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه
6 - مسلم (3/1253) من حديث عقبة بن عامر
7 - أبو داود (3/28-29) والنسائي (6/24) والترمذي (4/174) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه
8 - نفس المصدر السابق
9 - المسند، برقم (3920) والحاكم في المستدرك، برقم (7423) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.."
10 - المستدرك أيضاً، برقم (7433)
11 - مسلم (3/1255) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
12 - الأثر في صحيح البخاري، أي إني أرجو أن يثيبني الله على نومي كما يثيبني على قيام الليل
13 - راجع على سبيل المثال كلام شيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي على قوله تعالى في سورة الفاتحة: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ...}
14 - كون الإسلام يعتبر جميع العلوم النافعة للمسلمين جزءً منه ويثاب عليها كما يثاب على أعمال الشعائر التعبدية إذا قصد بها وجه الله عز وجل أمر واضح، ولكن دعاة التحديث المريب من أذناب أعداء الإسلام يجهلون ذلك وهذا هو السبب في سوق بعض الأدلة في هذا الباب..



السابق

الفهرس

التالي


Error In Connect