[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
علامات تأثير الذكر في نفس الذاكر
وإن من علامات تأثير الذكر في نفس الذاكر، حضور تقوى الله تعالى في قلبه، عندما يهم بترك طاعته أو فعل معصيته، فيفعل الطاعة ويكف عن المعصية، أما من يذكر الله بلسانه، عشرات المرات، أو مئاتها، أو ألوفها، وهو يجاهر الله بترك الفرائض والواجبات، وبفعل الفواحش والمنكرات، فليس هو من الذاكرين الله والذاكرات عند الله، وتأمل قول الله تعالى، في ثمرة الصلاة، التي يجتمع فيها ذكر الله، من تلاوة كتابه، وما فيها من أذكار تحريمها وتحليلها، وما بينهما من أذكار القيام والركوع والسجود والقعود، وغيرها، أقول: تأمل قوله عز وجل في ثمرتها:
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)}
[العنكبوت] قال القرطبي رحمه الله عند تفسير هذه الآية، بعد أن ذكر أقوال العلما، في معنى:
{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}
: "وعندي أن المعنى ولذكر الله أكبر على الإطلاق، أي هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، فالجزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك، وكذلك يفعل في غير الصلاة، لأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر الله مراقب له، وثواب ذلك أن يذكره الله تعالى؛ كما في الحديث (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم) والحركات التي في الصلاة لا تأثير لها في نهيٍ، والذكر النافع هو مع العلم وإقبال القلب وتفرغه إلا من الله، وأما ما لا يتجاوز اللسان ففي رتبة أخرى" انتهى. وإن عدم ذكر المرء لله المشروع في كتبه، ومنها القرآن الكريم، أو ذكره باللسان، والقلب لاه عنه، لجدير صاحبه بقسوة قلبه، وإذا قسى القلب، ذهب حبه ورغبته إليه وخشيته وخوفه منه، كما قال الله تعالى:
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}
[البقرة]. وقد نهى الله تعالى عباده المؤمنين، أن يكونوا مثل من سبقهم من أهل الكتب السابقة، الذين قست قلوبهم، بغفلتهم عن ذكره، لمدة طويلة، فقال تعالى:
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)}
[الحديد] نقل ابن كثير، رحمه الله في تفسير هذه الآية، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قوله: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الاَية
{ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}
الاَية، إلا أربع سنين، كذا رواه مسلم في آخر الكتاب". وقال سيد قطب رحمه الله، عند كلامه على هذه الآية: "إنه عتاب مؤثر من المولى الكريم الرحيم، واستبطاء للاستجابة الكاملة من تلك القلوب التي أفاض عليها من فضله، فبعث فيها الرسول يدعوها إلى الإيمان بربها، ونزّل عليه الآيات البينات ليخرجها من الظلمات إلى النور، وأراها من آياته في الكون والخلق ما يبصّر ويحذّر، عتاب فيه الود، وفيه الحض، وفيه الاستجاشة إلى الشعور بجلال اللّه، والخشوع لذكره، وتلقي ما نزل من الحق بما يليق بجلال الحق من الروعة والخشية والطاعة والاستسلام، مع رائحة التنديد والاستبطاء في السؤال:
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ؟ ..}
وإلى جانب التحضيض والاستبطاء، تحذير من عاقبة التباطؤ والتقاعس عن الاستجابة، وبيان لما يغشى القلوب من الصدأ حين يمتد بها الزمن بدون جلاء، وما تنتهي إليه من القسوة بعد اللين حين تغفل عن ذكر اللّه، وحين لا تخشع للحق:
{وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ، فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ..}
وليس وراء قسوة القلوب إلا الفسق والخروج. إن هذا القلب البشري سريع التقلب، سريع النسيان، وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور، ويرف كالشعاع، فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلد وقسا، وانطمست إشراقته، وأظلم وأعتم! فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع ، ولا بد من الطرق عليه حتى يرق ويشف ولا بد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة." انتهى. الذكر يعين المسلم على الثبات والرضا. إن المسلم يحتاج في قيامه بما كلفه الله تعالى في شرعه في ذات نفسه، من عبادة ربه العبادة الشاملة، من الإيمان الصادق الذي يسكن في قلبه، فيجعله ذاكرا له خائفا منه، يزداد بتلاوة كتابه يقينه، متعلقا به، متوكلا عليه، مطيعا له، متقيا له، محافظا على الأعمال الصالحة بجوارحه، التي يحفظها الله من ملامسة ما يغضبه تعالى، مصاحبا لتقواه التي تحقق له رضاه عنه في الدنيا والآخرة:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْالمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}
[الأنفال]. كما يحتاج إلى عون الله تعالى له على الثبات والصبر على هداية غيره من البشر بدعوة غير المسلمين إلى الدخول في الإسلام، وأمر المسلمين بالمعروف ونهيهم عن المنكر، لأنه في كلا الأمرين سيواجه من الكفار نفرة ومعارضة شديدة، حيث ألفوا الكفر وأصبح منهجا لحياتهم، فهم يحمونه بالقول والفعل والسياسة، والمال والسلاح، ويرون أن الواجب الثبات عليه، ومحاربة كل من يريد منهم تركه، والتخلي عنه، واتباع أي دين سواه، كما هو معروف من مواقف الأمم من الرسل التي جاءتهم بالهدى الذي أرسلهم الله به، من عهد نوح إلى عهد خاتم رسله، محمد صلى الله عليه وسلم. وتأمل كيف بلغ بهم شدة عنادهم لما عارض كفرهم، كيف يدعون على أنفسهم، بهذا الدعاء، إن كان ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله حقا:
{قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)}
[الأنفال]. وكيف يتعجبون من الدعوة إلى التوحيد، الذي يبطل الآلهة المتعددة، وما ينصحهم به قادتهم وكبراؤهم لأتباعهم، أن يثبتوا ويصبروا على عبادة آلهتهم، ولا يستجيبوا للدعوة إلى عبادة الإله الواحد، كما قال تعالى عنهم:
{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)}
[ص]. أضف إلى ذلك، حرب المنافقين للإسلام والمسلمين في صفوف الكفار، وهم يدعون أنهم مسلمون، ويتآمرون عليهم وهم يتمتعون مثلهم بأحكام الإسلام، كما قال تعالى عنهم:
{وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ و وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) إلى قوله تعالى:
{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)
{ [البقرة] والآيات القرآنية في مواقفهم من الإسلام والمسلمين، معلومة في كثير من سور القرآن الكريم. ولا تزال هذه الفئات من غير المسلمين، من أهل الكتاب، والمشركين الوثنيين، والمنافقين، ممن يدعون الإسلام، في جبهة واحدة، وإن اختلفوا فيما بينهم، يحاربون الإسلام والمسلمين إلى اليوم، بل إن حربهم في هذا العصر أشد ضرواة، لكثرة ما يملكون من وسائل متنوعة، لم يحرزوها من قبل، مع قلة المسلمين الصادقين وضعفهم، وقلة إمكناتهم المادية. ولكن عندهم – المسلمين - مع قلتهم وضعفهم المادي قوة لا توجد عند أعدائهم أولئك كلهم، وهي التي تكون كفتهم بها راجحة، بشروط ثلاثة: الشرط الأول: أن يتخذوا الأسباب التي تقوي إيمانهم بالله تعالى، بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، في كل أمر ونهي يردان في القرآن والسنة، وقد أجمل الله تعالى ذلك في آيتين من كتابه، مع وجود آيات كثيرة في كتابه الكريم:
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55)}
[الحج] فقوله تعالى، بعد أمره بطاعته وطاعة رسوله:
{وإن تطيعوه تهتدوا}
وهو كما ترى شرط وجوابه، إذا تحقق الشرط تحقق الجواب، والهداية تشمل كل ما يعلم الله لهم مصلحتهم فيه، ومنها أن يثبتهم ويفرغ عليهم النصر، في دعوتهم إلى الإسلام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ويدفع عنهم أذى أعدائهم، وغير ذلك، ومما يدل على هذا المعنى، ما رجاه موسى من ربه عندما اضطر للهجرة خوفا من فرعون وقومه، كما قال تعالى عنه: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)}
[القصص] فهداه ربه إلى الرجل الصالح في مدين، الذي حكى الله تعالى عنه خطابه له:
{قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)}
[القصص] وموسى نفسه، الذي قال له أصحابه الذين كان فرعون وجنده يطردونهم، ليوقعوا بهم:
{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)}
:
{قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)}
هداه ربه، ففلق له ولأصحابه البحر، فنجاهم بذلك، وأغرق أعداءه:
{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (66)}
[الشعراء] الشرط الثاني: أن تجتمع كلمتهم على الحق، استجابة لأمر مولاهم الذي سجله لهم في كتابه، ولا يتفرقوا فيما بينهم، كما قال تعالى:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}
[آل عمران] الشرط الثالث: اتخاذ الأسباب المادية التي أمر الله بها لمحاربة أعدائهم، كما قال تعالى:
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)}
[الأنفال] فما هي تلك القوة؟ إنها التزكية، إنها ذكر الله تعالى الشامل من تسبيحه تحميده والثناء عليه بما هو أهله، والتقرب إليه بالصلاة بكل ما فيها من ذكر، من القرآن وغيره في كل حركة وسكنة فيها، والصبر على البلاء الذي يعين عليه ذكر الله:
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)}
[البقرة]. قال سيد قطب رحمه الله، عند كلامه على هذه الآية: "إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة، والعبادة فيه ذات أسرار، ومن أسرارها أنها زاد الطريق، وأنها مدد الروح، وأنها جلاء القلب، وأنه حيثما كان تكليف، كانت العبادة هي مفتاح القلب، لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر .. إن اللّه سبحانه حينما انتدب محمدا - صلى اللّه عليه وسلم - للدور الكبير الشاق الثقيل ، قال له:
{يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا .. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}
.. فكان الإعداد للقول الثقيل ، والتكليف الشاق، والدور العظيم هو قيام الليل وترتيل القرآن .. إنها العبادة التي تفتح القلب، وتوثق الصلة، وتيسر الأمر، وتشرق بالنور، وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والاطمئنان." انتهى. إنها عبادة الله في كل لحظة من لحظات الحياة، وتلك هي التي أرشد الله إليها رسوله – وكذلك جميع رسل الله - عندما يناله شيء من الأذى، ويضيق صدره بها، فيشرح الله بها صدره، فيصبر عليها مطمئنا راضيا، كما قال تعالى:
{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)}
[طه] قال سيد قطب، رحمه الله عند كلامه على الآية: "فاصبر على ما يقولون من كفر واستهزاء وجحود وإعراض، ولا يضق صدرك بهم، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، واتجه إلى ربك، سبح بحمده قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، في هدأة الصبح وهو يتنفس ويتفتح بالحياة، وفي هدأة الغروب والشمس تودع، والكون يغمض أجفانه، وسبح بحمده فترات من الليل والنهار .. كن موصولا باللّه على مدار اليوم .. «لَعَلَّكَ تَرْضى » .. إن التسبيح باللّه [بحمد الله] اتصال. والنفس التي تتصل تطمئن وترضى. ترضى وهي في ذلك الجوار الرضي وتطمئن وهي في ذلك الحمى الآمن. فالرضى ثمرة التسبيح والعبادة ، وهو وحده جزاء حاضر ينبت من داخل النفس ويترعوع في حنايا القلب." انتهى. وأسوق ما في معنى الآية السابقة من الآيات التي أرشد الله رسوله وغيره من الرسل قبله، صلى الله عليهم وسلم، إلى ذكره، عندما يضيق صدره، من أذى قومه له واستهزائهم به وبالقرآن الذي أنزله الله عليه، ليثبت ويرضى: قال تعالى:
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}
[الحجر] وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)}
[الزمر]
{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)}
[ق]
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)}
[الطور]
{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8)}
[المزمل] ولا بأس أن أنقل بعض ما قاله سيد قطب رحمه الله، عما يحدثه ذكر الله تعالى عند القيام بتكليفات الله وما يصاحبها من الشدائد والمحن وهو يتحدث عن بعض من آيات المزمل هذه:
{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}
. قال: "هو هذا القرآن وما وراءه من التكليف .. والقرآن في مبناه ليس ثقيلا فهو ميسر للذكر، ولكنه ثقيل في ميزان الحق، ثقيل في أثره في القلب :
{لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}
فأنزله اللّه على قلب أثبت من الجبل يتلقاه .. وإن تلقي هذا الفيض من النور والمعرفة واستيعابه، لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل، وإن التعامل مع الحقائق الكونية الكبرى المجردة، لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل. وإن الاتصال بالملأ الأعلى وبروح الوجود وأرواح الخلائق الحية والجامدة على النحو الذي تهيأ لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل. وإن الاستقامة على هذا الأمر بلا تردد ولا ارتياب، ولا تلفت هنا أو هناك وراء الهواتف والجواذب والمعوقات، لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل. وإن قيام الليل والناس نيام، والانقطاع عن غبش الحياة اليومية وسفسافها والاتصال باللّه، وتلقي فيضه ونوره، والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه، وترتيل القرآن والكون ساكن، وكأنما هو يتنزل من الملأ الأعلى وتتجاوب به أرجاء الوجود في لحظة الترتيل بلا لفظ بشري ولا عبارة واستقبال إشعاعاته وإيحاءاته وإيقاعاته في الليل الساجي .. إن هذا كله هو الزاد لاحتمال القول الثقيل، والعبء الباهظ والجهد المرير الذي ينتظر الرسول وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل! وينير القلب في الطريق الشاق الطويل، ويعصمه من وسوسة الشيطان، ومن التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير." انتهى. إن هذه الآيات، وما ذكره العلماء والدعاة إلى الله، تظهر أن القائمين بالدعوة إلى الله، والطاعة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والحكم بما أنزل الله، بدلا من الحكم القوانين البشرية، المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله، يحتاجون إلى زاد دائم وطاقة قوية تثبتهم وتصبرهم، على ما يتعرضون له من الأذى والمحن، من أعداء الإسلام، وأن أعظم ما يثبتهم على ذلك، ويمدهم بالصبر، هو قوة الاتصال بالله تعالى، بذكره الذي لا يكلون منه ولا يملون، فليفقه ذلك الدعاة إلى الله بأي وسيلة مشروعة، ليصابروا أعداءهم، حتى ينصرهم الله.
الفهرس
Error In Connect