﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي

الفصل الثاني: حقوق الرعية على الإمام
وكما أن للإمام حقوقاً على رعيته، فإن للرعية حقوقاً عليه يجب أن يقوم بها خير قيام. وخلاصتها: أن يجتهد في تحصيل ما ينفعهم ودفع ما يضرهم، في دينهم ودنياهم، ويبتعد عن غشهم وخيانتهم.. ولا يتحقق له ذلك إلا بأمور: الأمر الأول: أن يختار لوظائف الدولة أحسن من يظن فيهم القيام بها، خبرة وأمانة، وقدرة وإخلاصاً وحكمة، ويحض كلاً منهم على اختيار الأصلح فالأصلح للوظائف التي تحت مسؤوليته. وهكذا يكون الاختيار ابتداءً من أكبر وزير وانتهاءً إلى أصغر موظف في الدولة، حتى يقوم كل منهم بواجبه الذي أسند إليه على أتم وجه وأكمله. الأمر الثاني: أن يختار لمجالسته أهل التقوى والخشية والعلم والورع والنصح، ليعاونوه على فعل الخير ويحسنوه له، وينصحوه بالابتعاد عن مقارفة الأمور التي تعود عليه وعلى رعيته بالسوء، ويقبحوا له ذلك حتى يصبح من طبعه فعل النافع واجتناب الضار. والنتائج المترتبة على اختيار جلساء الخير عظيمة جداً، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك وحذر من اتخاذ جلساء السوء، وأحرى الناس باختيار الجليس الصالح واجتناب جليس السوء هم ولاة الأمر؛ لأن خيرهم وشرهم لا يعودان على الرعية فقط، بل عليهم وعلى ولي الأمر كذلك في الدنيا والآخرة. ولهذا قرن النبي صلى الله عليه وسلم خلفاء المسلمين بالأنبياء، كما في حديث أبي سعيد وأبي هريرة: ((ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله)). [1]. ولقد ابتلى الله تعالى ولاة أمور المسلمين قديماً وحديثاً ببطانات السوء من منافقي هذه الأمة، فأحاطوا بهم من دون الصالحين من رعيتهم، فزينوا لهم الشر وقبحوا لهم الخير، فأفسدوا في الأرض مدعين أنهم مصلحون: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}. [البقرة: 11-12]. الأمر الثالث: أن يأخذ على أيدي السفهاء والفسقة، ويردعهم عن المعاصي والظلم والفوضى ومعارضة أهل الخير بالطرق المؤدية لذلك، كالقصاص والحدود والتعازير، فإن لم يجتهد في هذه الأمور الثلاثة، فقد غش رعيته واستحق وعيد الله الذي أجراه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) رواه الشيخان عن معقل بن يسار رضي الله عنه.. [2]. وهذه الأمور تعتبر أسساً لحقوق الرعية على الإمام إذا توافرت كانت النتائج حسنة، في كل مجالات الحياة. وإذا أردنا أن نفصل بعض التفصيل، فنذكر أن من حقوق الرعية على إمامها الأمور الآتية: الأمر الأول: إيجاد وسائل تبليغ الرعية حقائق الإسلام، بين كافة طبقات الناس، من مدارس لجميع المراحل التعليمية للمتفرغين لطلب العلم، ويجب أن يختار لكل مؤسسة من تتوافر فيه شروط الانتفاع منها، من علم وأمانة وقدرة وإخلاص. كما يجب على كل مسؤول أن يختار المدرسين الأكفاء الذين يقومون بتربية الطلاب تربية إسلامية شاملة، ومن هؤلاء يكون القضاة والمدرسون، والمرشدون وغيرهم من موظفي الدولة، كل يعطي ما يناسبه. أما من عداهم من عامة الناس الذين لا يتمكنون من التفرغ لطلب العلم، فيجب أن يُخَصِّصَ لهم مرشدين لتعليمهم ما يهمهم من أمور دينهم بحيث، يعرفون حقوق ربهم وحقوق بعضهم على بعض في المعاملات، حتى لا يقعوا في معاصي الله بترك واجباته وارتكاب محرماته ولا يعتدي بعضهم على حقوق بعض. الأمر الثاني: توفير أسباب أمن الرعية الداخلي والخارجي، [3]. متمشياً مع القواعد الشرعية العامة. [4]. ويحصل ذلك بإعداد رجال أمن داخلي مدربين تدريباً كافياً، ليسهروا على أمن البلاد وسلامتها بالوسائل التي تكفل الأمن الحقيقي والطمأنينة الصادقة للرعية، وليس كما تفعل كثير من الحكومات من إعداد أجهزة توصف بالأمن وهي تحدث فيهم الخوف والهلع بما تقوم به من تسلط ظالم على رقابهم بدون حق. كما يجب على من ولي أمور المسلمين إعداد الجيش الكافي المزود بالأسلحة المستطاعة، الرادعة لصد أي هجوم متوقع من خارج البلاد، بل الاستعداد للهجوم على الأعداء في ديارهم إذا خيف من عدوانهم على بلاد المسلمين، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، فإن الاستعداد للهجوم ولو لم يقع يرهب العدو، والعدو إذا لم ترهبه أرهبك. وإعداد العدة بالرجال والسلاح الرادع، هو تنفيذ لأمر الله تعالى في كتابه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}. [الأنفال:60]. والقوة المأمور بها هي التي ترهب العدو كما نصت على ذلك الآية الكريمة وهي في كل عصر بما يناسبه. الأمر الثالث: اتخاذ الأسباب التي توسع للرعية الحالة المعيشية والصحة البدنية. وهذه الأمور الثلاثة تقتضي تشجيع الحركة التجارية إيراداً وتصديراً، بأيسر السبل وأكثرها نفعاً، والحركة الصناعية والعلوم الكونية العامة والخاصة، لتستغني الرعية عن أعدائها، الذين قد يتحكمون فيهم بسبب حاجتها إلى ما عندهم، مع اتخاذ الوسائل التي تحمي هذه المؤسسات من عدوان الشركات الأجنبية التي تنافسهم منافسة تصيبهم بالخسائر الماحقة. وبالجملة فكل ما يجلب للرعية نفعاً أو يدفع عنها ضرراً في الدنيا والآخرة، فهو من حقوقها على الإمام ما دام يستطيع ذلك، فإذا قصر في شيء يقدر عليه فهو غاش لرعيته، مستحق للوعيد المتقدم الذكر.. ولا يتم أداء حق الراعي من قبل الرعية.. وحق الرعية من قبل الراعي.. إلا بالتعاون التام بينهم كلٌ يقوم بواجبه.. عملاً بقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. [المائدة: من الآية2].
1 - البخاري (8/121)
2 - البخاري (8/107) ومسلم (3/1460)
3 - الأمن الخارجي المقصود به الجهاد في سبيل الله، وقد أفردت له كتاباً يتكون من مجلدين كبيرين، بعنوان: "الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته"
4 - المقصود بالأمن هنا الأمن العسكري، أما الأمن المعنوي الشامل للفرد والأسرة والمجتمع، فقد تضمنه كتابنا "أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي"



السابق

الفهرس

التالي


Error In Connect