[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
المبحث الأول: المنهج المحقق للهدف من التعليم والتربية في الإسلام، والملائم لمستويات الطلبة.
وفي هذا المبحث فرعان: الفرع الأول: بيان الأهداف المطلوب تحقيقها في المدرسة: إن الهدف العام للتعليم في الإسلام، هو رضا اللّه سبحانه وتعالى بعبادته التي خلق الخلق من أجلها، وعمارة الأرض بتطبيق شريعته التي تسعد البشرية كلها في ظلها بالعدل والإحسان والسلام. كما قال تعالى:
{وَمَا خلَقت الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِيعْبُدُونِ}
. [الذاريات: 56]. وقال تعالى:
{قُل إن صلاتي ونسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّه رَبّ الْعَالَمِينَ لاشَرِيك لَهُ وَبذَلِك أمرت وَأنا أوَّلُ المسلمين}
. [الأنعام: 62ـ63]. فعبادة الله تعالى شاملة لنشاط الإنسان كله: نشاط قَلبه من قصد وتصديق، ومحبة وإنابة وغيرها، ونشاط جوارحه من أداء شعائر تعبدية، كالصلاة والصيام والحج والزكاة والجهاد وغيرها، ونشاط لسانه، كالنطق بالشهادتين والذكر وقراءة القران، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغيرها. وبهذا الشمول عرف شيخ الإسلام ابن تيمية العبادة في الإسلام، فقال رحمه الله: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه اللّه من الأقوال والأفعال الباطنة والظاهرة".
[
1
]
. إذا عُلم هذا، وجب أن يكون هذا الهدف ـ وهو رضا اللّه تعالى بتحقيق عبادته ـ هو الأساس الذي تدور حوله جميع الأهداف الفرعية، وكل الوسائل الموضوعة للتعليم والتربية في المدرسة، بل وفي غيرها من مناشط الحياة. وهناك أهداف فرعية مرتبطة بهذا الهدف العام ومحققة له، ومنها: تثبيت الإخلاص للّه سبحانه وتعالى في عبادته، بحيث يكون قصد العبد وجه اللّه والتجرد له تعالى، لا يشوب قصده شيء من الأشياء، لا جاه، ولا مال ولا منصب، ولا سمعة تحقيقاً لقول اللّه تعالى:
{وَما أمِرُوا إلا ليَعْبُدُوا اللّه مُخلِصِينَ لَهُ الدِيّنَ حُنَفَاَءَ وَيقيموا الصلاةَ وَيُؤتُوا الزّكَاةَ وَذَلِك دِينُ القَيّمَة}
. [البينة: 5]. وقوله تعالى:
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحا وَلا يُشْرك بِعِبَادَةِ رَبّهِ أحَدا}
. [الكهف: 110]. وقوله تعالى في الحديث القدسي: ((
مَنْ عَمِلَ عَمَلا أشْرَكَ مَعي فِيهِ غَيْري تَرَكتهُ وَشِركَه
)).
[
2
]
. ومنها: تحقيق الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، الذي تتحقق به محبة اللّه ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم. كما قال تعالى:
{قل إنْ كُنْتُمْ تحِبُّونَ اللهّ فَاتبعُونِي يُحْبِبْكمْ اللهّ ويغَفِرْ لَكُمْ ذنوبَكُمْ وَاللهّ غَفُور رَحِيم}
. [آل عمران: 31]. ومعنى تحقيق الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، أن لا يختار قول أحد يعارض قوله، ولا يقدم على شريعته أي قانون أرضي يخالفها، وأن يجعل هواه تابعاً لأمره. كما قال تعالى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ ولا مُؤمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّه وَرَسولُه أمْراً أنْ يكون لَهُمُ الخِيْرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ، ومَنْ يعصِ اللهّ وَرَسُولَه فَقد ضَلَّ ضَلالاً مُبيناً}
. [الأحزاب: 36]. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((
لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت
)).
[
3
]
. والمقصود من الإخلاص والاتباع، هو تحقيق معنى الشهادتين: ((
شهادة أن لا إله إلا اللّه
)) التي يتحقق بها الإخلاص، وشهادة ((
أن محمداً رسول اللّه
)) التي يتحقق بها الاتباع. ومن الأهداف الفرعية تعليم كل فرد من أفراد المسلمين، فروض العين التي فرضها اللّه على الناس كلهم، بحيث لا تسقط عن أحد لقيام غيره بها، حتى يؤدي كل واحد ما فرض الله تعالى عليه عن علم وبصيرة؛ لأن شرط قبول العمل موافقته للشرع، والموافقة لا تتحقق إلا بالعلم بما يشرع الله فيه، كالصلاة والزكاة والحج والصيام التي فرضها الله سبحانه وتعالى فرضاً عاماً على كل مسلم، بلا سبب ظاهر بخلاف ما وجب لسبب، فإنه يجب على من وجد السبب في حقه كالكفارات والنذور ونحوها. ومنها فروض الكفاية، كإمامة الصلاة، وخطب الجمع، وكذا القضاء، والإفتاء، وإتقان بعض الصنائع التي يحتاج إليها الناس، كالبناء، والطب، والجغرافيا، وتعلم الفروسية إعداداً للمستطاع، لجهاد أعداء اللّه، وغيرها، كل ذلك من أجل القيام بعبادة اللّه وعمارة الأرض بطاعته معنوياً ومادياً، إذ لا يمكن أن يعبد الله في الأرض حق عبادته بدون ذلك، فعباد الله مأمورون بعبادته، والدعوة إليه، والجهاد في سبيله. وأعداء الله لا بد أن يصدوا أولياءه عن القيام بما فرض الله عليهم، وإذا لم يستكمل أولياء الله عدة الحياة في الأرض للسلم والحرب، فكيف يستطيعون أن يقوموا بما كلفهم الله إياه؟! وخلاصة القول أن أهداف التعليم والتربية في الإسلام، تقوم على أساس عبادة الله، والدعوة إليه، والجهاد في سبيله، وعمارة الأرض بما يرضيه، فيجب أن يكون منهج المدرسة الإسلامية ـ وهي شاملة لكل مراحل الدراسة ـ شاملاً لكل تلك الجوانب المحققة لتلك الأهداف، حتى يكون المسلمون قادة للناس في الدين والدنيا معاً، قيادة ناشئة عن جدارة وقوة. ذلك هو المنهج المطلوب للمدرسة الإسلامية. فإذا حصل قُصُور في أي جانب من جوانب المنهج، أثر ذلك في تحقيق الأهداف المطلوبة بمقدار ذلك القصور. الفرع الثاني: ملاءمَة المنهج لمستويات الدارسين: إن اللّه سبحانه وتعالى، لم يخلق الناس على مستوى واحد في كل شيء، وإنما خلقهم متفاوتين، منهم الذي يبلغ القمة في الذكاء، ومنهم من يتدنى إلى رتبة الغباء، ومنهم من هو بين الذكاء والغباء، وهى درجات متفاوتة، كما أن منهم من رزقه اللّه صفة الصبر التي تجعله يواصل العمل الشاق مدة طويلة، وهو مرتاح البال مسرور القلب، ومنهم من يفقد تلك الصفة، حتى ليضيق ذرعاً بما هو ميسور لسواه، فلا يستطيع أن يتحمل المشاق، ولا طول مدتها، ومنهم من رزقه اللّه قوة في الجسم التي تمكنه من الكد والقيام بالأعمال التي تحتاج إلى قوة الأجسام، ومنهم ضعيف الجسم الذي يعجز عن القيام بالأعمال الجسمية الخفيفة، وقد يكون أكثر علماً وفهماً وعقلاً من قوى الجسم، وقد يجمع اللّه القوتين في شخص واحد، فيكون قوي العقل كثير العلم، وقوي الجسم. قال تعالى:
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
. [البقرة: 247]. ثم إن الدارسين يتفاوتون في السن، فمنهم صغير السن الذي لا تمييز عنده، ولا ينفع معه إلا التلقين، أو الحركات، ومنهم من هو فوقه في الإدراك، ومنهم من كبر وبلغ وتمرن على تحصيل العلوم ما يسمع منها وما يقَرأ. وهذا الاختلاف في المستويات يقتضي أن يختلف المنهج باختلافها، لتتمكن كل فئة من استيعاب ما تدرسه من العلوم؛ لأن القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية أن لا يكلف أحد فوق طاقته، كما قال الله تعالى:
{فَاتَقوا الله مَا اسْتَطعتُم}
. [التغابن: 16]. وإذا وضع منهج واحد لجميع الدارسين، فلا يخلو من أحد أمور ثلاثة: الأمر الأول: أن يراعي فيه الفئة الأقوى، فيحصل الضرر على الفئة المتوسطة والفئة الدنيا. الأمر الثاني: أن تراعي فيه الفئة المتوسطة، فيتضرر بذلك الفئة الأقوى، والفئة الأضعف. الأمر الثالث: أن تراعي فيه الفئة الأضعف، فتتضرر بذلك الفئة الأقوى والفئة الوسطى. أي إما أن تخسر طاقاتٌ قوية، بسبب ضعف المنهج بالنسبة لها، وإما أن تخسر طاقات ضعيفة، بسبب قوة المنهج بالنسبة لها، وخسارة أي فئة من الفئات، هي خسارة للأمة. والذي يبدو لي ـ أخذاً من القاعدة العامة التي دلت عليها الآية القرآنية السابقة وغيرها مما في معناها من القرآن والسنة ـ ومما أشار إليه علماء الإسلام، أن المنهج المطلوب يكون على قسمين. القسم الأول: منهج عام لجميع الدارسين، لا يُستَثنى منه أحد منهم: وهو ما يشتمل على فروض العين: من الإيمان باللّه تعالى إيماناً مبنياً على الأدلة العقلية والكونية والنصوص القرآنية والحديثية، والإيمان بملائكته، وكتبه ورُسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وكل ما أخبر الله تعالى به أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم مما يتعلق بأصول الإيمان، كالجنة والنار، والحشر والحساب، والصراط والميزان، وغيرها من أمور الغيب، إيماناً يصل إلى درجة اليقين الذي لا تزعزعه الشكوك، ولا تتطرق إليه الأوهام، وهو ما أجمله اللَه تعالى في قوله في أول صفات المتقين:
{ألَم ذَلك الْكتِابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدَىً لِلّمُتًقِينَ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالغيْبِ}
. [البقرة: 1ـ3]. وفصَّل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، أصول الإيمان بالغيب في حديث جبريل المشهور، حيث سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان، فقال: ((
أن تؤمن باللَه وملائكته وكتبه ورُسُله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره
)).
[
4
]
. وكذا يدخل في هذا القسم: التعرف على حق الله تعالى على العبد، وهو توحيده في ألوهيته، بأن يعلم أنه هو وحده تعالى المعبود الذي لا يعبد سواه، لا ملك مقرب ولا نبي مُرسل، فضلاً عن غيرهما من المخلوقات، من إنس وجن، وشجر وحجر ودواب، وغيرها. وأن يعلم أن حبه تعالى فرض على كل أحد، بأن يحبه حباً يدفعه إلى القيام بطاعته وترك معصيته، وأن يخشاه ولا يخشى أحداً غيره، وأن يصرف له كل نوع من أنواع العبادة التي أوجبها الله تعالى لنفسه، وأن صرْف أي نوع من أنواع العبادة لغيره من البشر يقدح في عبادته والإيمان الصادق بألوهية الله. كما يدخل في ذلك التعرف على أسماء اللّه تعالى وصفاته التي أثبتها لنفسه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أثبته لنفسه أثبته، وما نفاه عن نفسه نفاه، دون دخول في تعطيل أو تشبيه أو تأويل، وأن يدرس أسماء الله تعالى وصفاته، ليملأ قلبه إيماناً وخشية وإنابة إلى ربه وحباً وتعظيماً له، ليكثر من التقرب إليه، ويبتعد عن معصيته سبحانه وتعالى. ويدخل في ذلك أن يعلم أن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر المحي المميت، النافع الضار، الذي إذا أراد شيئاً قال له:
{ كُنْ فَيَكُونُ}
. وأن يعلم أن الحكم للّه، لا لسواه، فإذا حكم اللّه بحكم في أي في أمر من الأمور، فإن الواجب على كل أحد التسليم لحكمه، وأنه لا إيمان لمن أجاز لأحد أن يشرع من عند نفسه شرعاً لم يأذن به اللّه، ويدخل في ذلك الإيمان بأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، ولا نبي بعده، وأن حبه فرض على كل أحد، وأن دليل حبه إتباع ما جاء به من عند ربه. ويدخل في ذلك تعلم أركان الإسلام الخمسة، وهي شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، وأن يعلم تفاصيل ما يجب عليه في ذلك من صفة الصلاة، ولوازمها، ووقت الصوم ومفطراته وما يجب أن يجتنبه الصائم، وصفة الحج والعمرة، ومقدار الزكاة في كل نوع من أنواع المال والنصاب الذي تجب فيه، وهكذا معرفة ما يجب عليه وما يحرم من المآكل والمشارب، والمناكح، والملابس وغيرها، من الحقوق والمعاملات التي لا يخلو من ممارستها أحد في الغالب، فإنها فروض عين يجب أن يتعلمها كل مسلم. والذي يبدو لي أن مرحلة هذا القسم تستغرق ما يسمى بالقسم الابتدائي، والقسم المتوسط، بحيث تكون المواد الدراسية في كلا القسمين ملائمة في كمها وكيفها لسن الدارسين، وأن أولى ما تنبغي العناية به في المرحلة الأولى، وهي مرحلة القسم الابتدائي، هو تحفيظ القرآن الكريم وتجويده، وتحفيظ جزء من الأحاديث النبوية المتعلقة بالآداب والسلوك والفروض، ويختار منها ما قصُر لفظه وعظُم معناه، وكذلك تعلم القراءة والكتابة، وشيء من مبادئ العلوم المتنوعة، كالتوحيد والفقه، والسيرة النبوية وكالحساب، وغيرها مما تمسُّ الحاجة إليه، على أن تراعى السهولة في التأليف، وتقصير المنهج، بحيث لا يكون سبباً في كُره الدارسين للدراسة، لعدم قدرتهم على الاستيعاب أو الحفظ، فإن الدارس إذا أحب الدراسة في هذه المرحلة استمر غالباً في دراسته، وإن كرهها انقطع عنها، وقد تكون بعض العلوم ليست فرض عين في حد ذاتها ولكنها وسيلة إلى معرفة فروض العين، فلا بد منها. وينبغي استعمال وسائل الإيضاح المعاصرة للدارس، مثل الفيديو والبروجكتر وغيرها. أما في المرحلة الثانية، وهى المرحلة المتوسطة، فإنه يمكن أن يتوسع في المنهج بتفصيل ما أُجمل في المرحلة الابتدائية لتوسع مدارك الدارس، وقدرته على استيعاب المعاني أكثر ويمكن أن يُزاد في المنهج ما لم يدرسه في المرحلة الأولى من الحلال والحرام وبعض المعاملات. وينبغي في هذه المرحلة أن يعتني باتجاهات الدارس ورغباته بالنسبة للعلوم، ما يميل إليه منها وما لا يميل إليه، ويمكن أن يدخل في المنهج بعض العلوم التي ليست من فروض العين، بصفة مبسطة وغير مرهقة، لمعرفة ميل الطالب إليها أو عدم ميله، ليوضع بعد ذلك في مكانه المناسب من فروض الكفاية. القسم الثاني: منهج تخصصي: بأن توجد في المدرسة أقسام متعددة، كل قسم يشتمل على علم من العلوم، يدرسه الدارسون الذين يرغبون فيه، وقد دلَّت القرائن على تلك الرغبة، ولا بأس أن توجد مع ذلك العلم علوم أخرى اختيارية، وليست إجبارية، يترك للدارس أن يختار منها ما يشاء ويترك ما يشاء، فإذا اختار علماً من العلوم الإضافية امتحن فيه، كالعلم الأساسي، ومنح الدرجة المناسبة، ولا يؤثر على نجاحه سقوطه فيه، بل يواصل دراسته في العلم التخصصي ويحاسب عليه دون غيره، حتى لا يكون ذلك عائقاً عن مواصلة دراسته. والعلوم التخصصية، التي هي من قسم فروض الكفاية، يجب أن تكون شاملة لكل ما تحتاجه الأمة في كل مجالات حياتها، فالذي يرغب في علوم الشريعة يتخصص فيها، وله أن يختار لتخصصه أي فرع منها، كالقرآن وعلومه، والحديث وعلومه والفقه وعلومه، والتاريخ الإسلامي، والذي يرغب في علوم اللغة له أن يختار أي فرع من فروعها، وهكذا بقية العلوم، كالطب، والفلك، والهندسة، والجغرافيا وغيرها من علوم الصناعة على اختلاف أنواعها. ولا يُلْزَم أحد في علوم فروض الكفاية بعلم لا يختاره إلا للضرورة، وهي أن يكون ذلك العلم محتاجاً إليه، ولا يوجد من يتقنه في الأمة، بحيث يكفي في القيام به، فإذا لم يوجد من يقوم به على وجه الكفاية، وجب على من يقدر على تعلمه أن يتعلمه ليسقط فرض الكفاية عن الأمة. وإذا لم يقم به أحد ألزم أولو الأمر من المسلمين من يرونه أصلح الموجودين بتعلمه، حتى يكفي الأمة في ذلك العلم. وقد نص علماء المسلمين على هذا التقسيم للمنهج في الجملة فقال ابن تيمية، رحمه اللّه تعالى: "ومن ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة ناس، مثل حاجة الناس إلى الفلاحة والنساجة، والبناية، فإن الناس لا بد لهم من طعام يأكلونه، وثياب يلبسونها ومساكن يسكنونها.. فإذا لم يجلب إلى ناس البلد ما يكفيهم احتاجوا إلى من ينسج لهم الثياب، ولا بد لهم من طعام إما مجلوب من غير بلدهم، وإما من زرع بلدهم، وهذا هو الغالب، وكذلك لا بد لهم من مساكن يسكنونها، فيحتاجون إلى البناء، فلهذا قال غير واحد من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل، وغيرهم، كأبي حامد الغزالي وأبي الفرج ابن الجوزي، وغيرهم: إن هذه الصناعات فرض على الكفاية، إلا أن يتعين، فيكون فرضاً على الأعيان".
[
5
]
. وقال ابن القيم، رحمه الله وكلامه أكثر تفصيلاً في هذا الباب: ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره، ما كان مأذوناً فيه شرعاً، فإنه إن حمل على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك، جيد الحفظ واعياً، فهذه علامات قبوله وتهيؤه للعلم، لِيَنْقُشه في لوح قلبه، ما دام خالياً، فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه، وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه، وهو مستعد للفروسية وأسبابها، من الركوب والرمي بالرمح، وإنه لا نفاذ له في العلم ولم يخلق له، مكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها، فإنه أنفع له وللمسلمين، وإن رآه بخلاف ذلك، وأنه لم يخلق لذلك، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع، مستعداً لها، قابلاً لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناس، فليمكنه منها، هذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه، فإن ذلك ميسر على كل أحد، لتقوم حجة الله على العبد، فإن له على عباده الحجة البالغة، كما له عليهم النعمة السابغة".
[
6
]
. فكل علم مباح شرعاً، سواء ما تعلق بدين الناس أم بدنياهم، فللإنسان أن يتجه له ويتعلمه، وعلى أولي الأمر أن ييسروه له، ما دام الناس في حاجة إليه، ويجب أن يشمله منهج فرض العين، لئلا يفوت تعليمه، ويتضرر الناس بفقده، ولئلا تعطل الطاقات الراغبة فيه بإجبارها على ما لا ترغب فيه. وإن إجبار الدارسين على منهج واحد على اختلاف طاقاتهم وميولهم، لَمُوجب لانقطاع من لا يرغب فيه أو لا يقدر على استيعاب علومه كلها عن الدراسة، وإذا انقطع عن الدراسة خسر هو وخسرت أسرته ومجتمعه، وقد تكون الخسارة شديدة عندما يتشرد الدارس مع زمرة سوء فاشلة. وهنا أمر جدير بالتنبيه، وهو أنه ينبغي أن يراعي في المنهج الذي يوضع لدراسة الفتاة ما هي في حاجة إليه، بعد معرفتها فرض العين عليها، وهو ما يناسب طبيعتها، كالطب والتمريض، وتعليم الإناث، وتربية الأولاد، وتدبير المنزل وأن لا تكلف دراسة منهج موحد، مع البنين، قد لا تحتاج إليه ولا تستطيع ممارسة وظيفته في مجتمعها الذي يجب أن يضعها في مكانها اللائق بها شرعاً، بحيث لا تختلط بالرجال، أو لا تستطيع مزاولته لعدم ملاءمته طبيعتها الأنثوية وبسط الكلام لا يتسع له المقام هنا؛ لأن المقصود هنا الإشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه المنهج من قدرته على استغلال الطاقات البشرية، كل فيما ينفع فيه. ملحوظة: إن اقتراح أن تكون المرحلتان: الابتدائية والمتوسطة، مختصة بفرض العين هو من باب التقريب، قد تؤيده التجربة إذا عمل به، وقد تُثبت التجربة الحاجة إلى مدة أقل، ولكن الذي يجب أن يراعي هو السن الذي يعي صاحبه فيه الفرض الذي هو مكلف به، وسنه في المرحلة الأولى قد لا يتمكن معه من الاستيعاب، وهذا هو رأيي الخاص في الموضوع واللّه أعلم.
1
- العبودية ص38، طبع المكتب الإسلامي، بيروت
2
- مسلم، وهو في جامع الأحوال (4/545)
3
- الأربعون النووية، راجع جامع العلوم والحكم لابن رجب ص338
4
- مسلم، وهو في جامع الأصول (1/208)
5
- الفتاوى (28، 79ـ 80
6
- تحفة المودود في أحكام المولود ـ المكتبة العلمية بالمدينة المنورة ص144
الفهرس
Error In Connect