[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
المبحث الثاني: الإيمان هو الواقي من الجرائم
إن الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان، والخالق ـ كما مضى أعلم بمن خلق ـ قد ربط بين الإيمان والعمل الصالح والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.. وقد أوضح ذلك في كتابه وفى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أتم إيضاح وأكمله. فكتاب الله تعالى الذي أنزله لهداية خلقه، لا يهتدي به إلا المتقون، والتقوى هي فعل ما أمر الله به من الخير وترك ما نهى عنه من الشر، ولا تقوى بدون إيمان.. والمؤمن يؤدي ما عليه من حقوق لله ولخلقه، ولا يعتدي على حقوق الله ولا على حقوق خلقه، وبذلك يتحقق له الفلاح في الدنيا والآخرة. قال تعالى:
{الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
. [البقرة: 1-5]. فهذا الكتاب هدى لمن التزم التقوى وهي فعل الأمر وترك النهي، والمتقون هم المؤمنون بالغيب المثمر للعمل الصالح.. ويترتب على الإيمان والعمل الصالح الفلاح والفوز والسعادة. ومما يدل دلالة واضحة على أن الإيمان هو السبب الأساسي للطاعة والقيام بحقوق الله وحقوق عباده، وعدم الاعتداء عليهما، كما قال تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
. [المؤمنون:1-11]. فقد بين سبحانه وتعالى أن الإيمان سبب لفعل الطاعة لله، وأداء حقوق خلقه، كالصلاة والزكاة وحفظ الأمانة والعهد.. وهو كذلك سبب لترك معصية الله بارتكاب ما نهى عنه، سواء ما هو من حقه، أو ما هو من حقوق عباده، وتظهر السببية من وصف المؤمنين بما ذكر بعد من الصفات أي أن الإيمان لا بد أن يثمر ذلك. وبين سبحانه وتعالى أن الأصل في الناس الذين تختلط مصالحهم أن يبغي بعضهم على بعض، والبغي هو الاعتداء على الحقوق، واستثنى من ذلك المؤمنين الذين يحملهم إيمانهم على العمل الصالح وترك العمل السيئ، ومنه البغي.. فقال تعالى
{.. وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..}
. [ص:24]. وبين سبحانه وتعالى أن من صفات عباده المؤمنين الاجتهاد في طاعته، طمعاً في مغفرته ورحمته، والبعد عن معصيته، خوفاً من غضبه وعقابه، وأنهم يتواضعون ولا يتكبرون، يصبرون على الجاهل ولا يقابلون إساءته بمثلها، وإنما يقابلون الإساءة بالإحسان. ويعمرون أوقاتهم بكمال عبوديتهم لربهم، وينفقون أموالهم في وجوه الخير بدون إسراف ولا تبذير، ويبتعدون عن عبادة غير الله والإشراك به، اللذين هما أساس كل شر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ويحفظون حرمات الله وضرورات الحياة، فلا يزنون، لما في ذلك من الاعتداء على النسل الذي أمر الله بحفظه، وكذلك يحفظون العرض وهو شرف الإنسان الذي يؤذيه ويؤذي أسرته وقبيلته انتهاكُه. ويحفظون للناس حقوقهم فلا يعتدون عليها بشهادة الزور التي تهدر بها كل الحقوق: الدماء والأعراض والأموال وغيرها.. وهذه الأمور كلها يقتضيها الإيمان الذي يكون الإنسان به عبدَ الله حقاً.. لذلك قال تعالى:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}
. [الفرقان: 63-72]. وبين سبحانه وتعالى أن المؤمن الحق، لا يختار غير ما اختاره الله وقضاه؛ لأن اختيار غير ما اختاره الله وقضاه، ينافي الإيمان، والإيمان يقتضي اختيار ما أختاره الله وقضاه.. فمن اختار غير ما اختار الله، ليس هو المؤمن الحق؛ لأن اختيار غير ما اختاره الله وقضاه ضلال واضح ومعصية بينة يتنـزه عنهما المؤمن.. قال تعالى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}
. [الأحزاب:36]. والآية واضحة في أن الإيمان يقتضي الطاعة والخير.. فإذا أقدم الإنسان على المعصية، فسبب ذلك فقد إيمانه أو ضعفه، ومن الأدلة الواضحة في أن الإيمان هو أساس الخير، وهو الواقي من الجريمة.. قول الله تعالى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأ..}
[النساء: من الآية92]. فالإيمان يمنع صاحبه أن يتعمد ارتكاب الجريمة.. وإذا حصل منه ارتكاب ما لا يجوز، فالأصل أن يكون ذلك غير متعمد منه، فإذا تعمده دلَّ ذلك على فقده الإيمان، أو على ضعفه في نفسه عندما ارتكب الجريمة. والمؤمن الصادق الإيمان قد يرتكب الجريمة أحياناً، ولكنه يندم على ما فعل ويسرع إلى التوبة من ذنبه، فيتركه ويعزم على عدم العود إليه، اقتداء بأبيه آدم الذي أغراه إبليس بالمعصية، فندم وتاب إلى الله تعالى؛ لأن إيمانه يذكره بربه الذي آمن به، ويذكره بعدوه الذي حذره الله منه، كما قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }
. [الأعراف: 201]. والإيمان يوسع دائرة فعل صاحبه للخير، حتى يشمل الناس كلهم، ولا تقتصر على المؤمنين فقط، بل إنه يشمل حتى الأعداء الذين يخالفونه في دينه ويحاربونه، فإن الإيمان يقتضي منه أن يعاملهم بالعدل ولا يظلمهم.. كما قال تعالي:
{.. وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
. [المائدة: من الآية8]. والإيمان يقتضي من صاحبه أن يقوم بالعدل، ولو على أقرب المقربين إليه، بل ولو على نفسه، ولو حصل بذلك عليه وعلى قرابته ضرر، خوفاً من الله العليم بكل شيء، ومحاربةً للهوى المنافي للإيمان الذي يدفع صاحبه إلى فعل الشر والإجرام.. قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ والأقربين إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}
. [النساء:135]. ومما يدل على أن الإيمان يقتضى الطاعة لله ولرسوله، وفعل الخير وأداء حقوق العباد، والبعد عن المعصية والظلم والإجرام، تخصيص الله سبحانه المؤمنين ـ غالباً ـ بالنداء في سياق أمره ونهيه، مع أن أحكامه الشرعية وأوامره ونواهيه، نزلت للناس كافة. وسبب تخصيص المؤمنين أنهم هم الذين يطيعون أمر الله ونهيه، بخلاف الكافرين، فإنهم لا يمتثلون لله أمراً ولا يجتنبون له نهياً.. بل هم كما قال سبحانه وتعالى عنهم:
{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
. [البقرة:7]. ومثل الكفار الظاهرين المنافقون الكاذبون، وإن أظهروا الإيمان مخادعين.. كما قال تعالى عنهم:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}
. [البقرة:8-9]. أما الآيات التي يخاطب الله سبحانه وتعالى فيها المؤمنين خاصة فهي كثيرة وتكفي الإشارة إلى شيء منها للدلالة على غيرها.. من ذلك قول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}
. [النساء:59]. فنداء الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين، وأمره لهم بعد النداء بطاعته وطاعة رسوله ـ مع أن طاعتهما واجبة على الناس كافة ـ إشارة إلى أن المؤمن هو الذي ينفذ أمر الله ورسوله، والإيمان هو سبب ذلك التنفيذ، ولولا ذلك لما كان هناك فرق بين المؤمن وغيره، ولما كان لتخصيص المؤمنين بالنداء والأمر بعده معنى.. نعم قد يقال: إن في ذلك تحضيضاً للمؤمن أن يعمل بمقتضى إيمانه، وهذا جزء من معنى الآية الكريمة وليس هو المعنى المقصود فقط، ولو فرضنا أنه المعنى المقصود منها لكان أيضاً فيه دليل على أن الإيمان يقتضي ذلك؛ لأن تخصيص المؤمنين بالتحضيض، دليل على أنهم أولى بالاستجابة لهذا التحضيض. ومن ذلك قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
. [البقرة:183]. نادى الله سبحانه وتعالى المؤمنين وبين لهم بعد ندائه أن صيام رمضان فريضة عليهم، مع أن العبادات مفروضة على المؤمنين والكافرين، على الراجح، وإنما لم تقبل من الكفار لعدم وجود الأساس الذي هو الإيمان، فالإيمان أساس العمل الصالح ومقتضاه.. ومثل ذلك.. قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى..}
. [البقرة:178]. وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
[البقرة:278]. خص المؤمنين بالنداء والأمر بالتقوى وترك الربا؛ لأنهم هم الذين يطيعون الله في ذلك بمقتضى إيمانهم، وإن كان الربا محرماً على المؤمن والكافر، وفى قوله تعالى إن كنتم مؤمنين دليل على ذلك.. كأنه قال: إن كان إيمانكم بالله صادقاً فاتركوا الربا؛ لأن الإيمان الصادق يقتضى ذلك. ولكن تعاطي الربا الحاصل من المؤمن، يعتبر كبيرة من كبائر الذنوب، يتعرض متعاطيه لغضب الله وأليم عقابه، كما هو واضح من الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الربا، ولكن المسلم لا يخرج بذلك من الإسلام إلا إذا استحله، كبقية المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة. وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}
. [الحجرات:11-12]. إن هذه الصفات الذميمة التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها المؤمنين بعد ندائه إياهم في الآيتين، هي محرمة عليهم وعلى غيرهم من الكافرين، ولكنه خص المؤمنين بالنداء والأمر والنهي؛ لأن الإيمان يقتضي فعل ما أمروا به وترك ما نهوا عنه.. وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ..}
. [النور:21]. والنهى عن اتباع خطوات الشيطان ليس خاصاً بالمؤمنين، بل هو لكل الناس، مؤمنهم وكافرهم، بدليل قوله تعالى:
{يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}
. [الأعراف:27]. وفتنة الشيطان إنما هي باتباع خطواته، وإنما خص المؤمنين بالنداء قبل النهي لأنهم حريصون بمقتضى إيمانهم على اجتناب ما نهى الله عنه. وفى قوله تعالى في سورة الأعراف:
{..إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}
. [الأعراف: من الآية27] ما يدل على أن عدم الإيمان سبب في اتباع خطوات الشيطان وفتنته، ومن هناك ينشأ الإجرام.. دلالة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم على ما دل عليه كتاب الله سبحانه وتعالى: هذا، وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما دل عليه القرآن الكريم، من أن الإيمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وباليوم الآخر، سبب في فعل الطاعة وفعل الخير، والبعد عن المعصية والشر والإجرام، وهي كثيرة جداً نكتفي بالإشارة إلى بعضها.. روى أبو هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره.. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت
)) وفي رواية: ((
فليكرم جاره
)) بدل: ((
فلا يؤذي جاره
)). [البخاري (7/78ـ79) ومسلم (1/68،2/1091)]. ومعنى هذا أن المؤمن مأمور بإكرام جاره والإحسان إليه وليس ترك أذيته فقط. فقوله صلى الله عليه وسلم: ((
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر..
)) ثم أمْره ببعض تلك الصفات ونهْيه عن بعضها دليل أن الإيمان يقتضيها، وأنها ناشئة عنه، ومعلوم أن الإيذاء لا يجوز لأحد سواء كان مؤمناً أو غير مؤمن.. وفي حديث أنس، رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه
)) ـ أو قال: ((
لجاره
)) ـ ((
ما يحب لنفسه
)). [البخاري (1/8) ومسلم (1/67)]. فنفى الإيمان ـ وهو الإيمان الواجب ـ عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، دليل على أن الإيمان يقتضي تلك المحبة، وأن المؤمن لا يدعه إيمانه يسعى في إيصال الشر إلى الناس؛ لأنه لا يحب الشر لنفسه، وإنما يحب لنفسه الخير، والخير الذي يحبه لنفسه يحبه لغيره؛ لأنه ناشئ من إيمانه. هذا وليعلم أن نفي الإيمان عن المرء بسبب عدم قيامه ببعض الواجبات التي يقتضيها الإيمان، أو ارتكابه بعض المعاصي التي يقتضي الإيمان تركها، لا يراد به نفي أصل الإيمان، بحيث يصير لا إيمان له مطلقاً، وإنما المراد نفي كمال الإيمان الواجب، بدليل ما ورد من النصوص التي تتضمن خروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار ودخوله الجنة.. مثل حديث أبي ذر، رضي الله عنه، قال: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، عليه ثوب أبيض، ثم أتيته فإذا هو نائم ثم أتيته وقد استيقظ، فجلست إليه فقال: ((
ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة
)) قلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: ((
وإن زنى وإن سرق
)) ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: ((
على رغم أنف أبي ذر
)) قال: فخرج أبو ذر وهو يقول: "وإن رغم أنف أبي ذر". [مسلم (1/95)]. وغير هذا الحديث مما يدل على أن نفي الإيمان بترك بعض الطاعات أو ارتكاب بعض المعاصي، لا يراد منه نفيه كله، وإنما يراد منه نفي كماله الواجب. وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن ارتكب ما ذكر في حديث أبي ذر، ولكنه قيد النفي بوقت ارتكابه المعصية كما سيأتي ذلك إن شاء الله. [والحديث في البخاري (3/106) ومسلم (1/76)]. ومما يدل أنه لا يراد نفي أصل الإيمان حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((
لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاحة والمراء، وإن كان صادقاً
)). [أحمد (2/352) وراجع جامع العلوم والحكم لابن رجب ص: 103]. فقوله: ((
لا يؤمن الإيمان كله
)) يدل على أن المنفي هو كمال الإيمان الواجب، لا الإيمان كله، ولا كماله المندوب. ومن الأحاديث الواضحة في أن الإيمان سبب في فعل الخير وإيصاله إلى الناس وكف المؤمن شره عنهم.. حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه
)). [البخاري (5/110) ومسلم (2/741)]. فسلامة الناس من لسان المسلم ويده ناشئة عن إسلامه.. والإسلام إذا أطلق شمل الإيمان، كما أن الإيمان إذا أطلق شمل الإسلام، وهجر ما نهى الله عنه يشمل كل ضرر، سواء أكان بمنع حق أو الاعتداء على حق. وإذا كان الإيمان قوياً في المرء، قوي ائتمان الناس له، وأعلى الناس إيماناً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك ائتمنه الله على وحيه ورسالته، فكان أجدر بأن يأتمنه الناس.. كما روى أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((
ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء
)). [البخاري (5/110) ومسلم (2/741)]. وكلما كان الناس أرجى في خير المؤمن وأمنهم من شره، كان ذلك دليلاً أنه خيرهم، وكلما كانوا أبعد عن رجاء خيره وأمن شره، كان ذلك دليلاً أنه شرهم.. كما روى أبو هريرة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم وقف على أناس جلوس فقال: ((
ألا أخبركم بخيركم من شركم؟
)) قال: فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال: ((
خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره، وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره
)). [الترمذي (4/528) وقال: هذا حديث حسن صحيح]. وجعل صلى الله عليه وسلم دليل إسلام المرء سلامة الناس من لسانه ويده، كما جعل دليل الإيمان أمن الناس منه على دمائهم وأموالهم.. كما روى أبو هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم
)). [الترمذي (5/17) وقال: هذا حديث حسن صحيح]. وفى هذا الحديث إشارة لطيفة، وهى أن الأصل في الإيمان عدم اطلاع الناس عليه؛ لأن أصله القلب، والأصل في الإسلام أن يطلع عليه الناس؛ لأنه الأعمال الظاهرة. كما دل عليه حديث جبريل.. فجعل أعمال المرء الظاهرة دليلاً على إسلامه، وهى سلامتهم من لسانه ويده، وجعل ائتمان الناس له على دمائهم وأموالهم دليلاً على إيمانه.. والغالب أن الناس لا يأمنون المرء إلا إذا جربوه فعلموا أنه يؤدى إليهم حقوقهم، ولو لم يكن بينهم وبينه إلا الله تعالى، كالأمانات ونحوها.. فجعل صلى الله عليه وسلم لكل من اللفظين: الإسلام والإيمان من اسمه نصيباً فالإسلام يستلزم أن يسلم الناس من أذى صاحبه، والإيمان يستلزم أن يأمن الناس صاحبه على حقوقهم. ولو أراد الباحث أن يتتبع أثر الإيمان في سلوك العبد المؤمن المتقيد بأمر الله ونهيه، لطال به المقام واتسع المجال؛ لأن لكل ركن من أركان الإيمان أثره في حياة المؤمن وسلوكه، بل وفى كل فرع من فروع تلك الأركان.. ولهذا نكتفي بأثر الإيمان في الجملة. أثر الإيمان باليوم الآخر في مكافحة الجريمة: وإن مما يدفع إلى فعل الخير ويحجز عن فعل الشر وارتكاب الإيمان باليوم الآخر والخوف من عقاب الله تعالى فيه على معصيته، والطمع في ثوابه على فعل الطاعة.. ولهذا زكى سبحانه وتعالى بذلك عباده المؤمنين، فكانوا يتسابقون إلى فعل الخير.. قال تعالى:
{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}
. [آل عمران:113-114]. والنصوص الدالة على أن الإيمان باليوم الآخر والطمع في ثواب الله فيه والخوف من عقابه، من أهم الأسباب الدافعة إلى فعل الخير واجتناب الشرور، كثيرة جداً.. كما أن الآيات الدالة على أن عدم الإيمان باليوم الآخر أو عدم خوف الجزاء فيه، من أهم أسباب الاعتداء على حقوق الله وحقوق عباده كثيرة جداً أيضاً.. ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخوف أصحابه هذا اليوم وما فيه من نقص الحسنات، وزيادة السيئات على من ظلم واعتدى في الحياة الدنيا على حقوق غيره بلسانه أو بيده.. كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((
أتدرون ما المفلس؟
)) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال : ((
إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار
)). [مسلم (4/1997)]. وفى حديث أبى هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((
من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه
)). [البخاري (3/99)]. وبهذا يعلم أن الإيمان بأصوله وفروعه هو أساس الطاعة والخير وأداء الحقوق لأهلها، والبعد عن المعصية والاعتداء، كما هو واضح من النصوص القليلة السابقة.. وأن العلاج الناجع للقضاء على الجريمة أو التخفيف منها هو الإيمان، فهو الأساس الأول في الوقاية من الجريمة، وهو الذي يسهل إثباتها إذا وقعت؛ لأن المؤمن، وهو بشر غير معصوم، لا يجمع غالباً بين ارتكاب الجريمة وإنكار الحق الذي تعلق بذمته.. والإيمان هو الذي يسوق المذنب إلى التوبة والعودة إلى الله، طلباً للغفران وهرباً من الخزي والعذاب، والذي يدرس سيرة سلفنا الصالح ـ وفى طليعتهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ الذين تمكن الإيمان من قلوبهم، يظهر له أن الإيمان كان هو السبب في طهر المجتمع الإسلامي في كل عصر من عصور التاريخ.. وأن فقد الإيمان أو ضعفه، كان هو سبب الأرجاس والمعاصي والجرائم التي تنتشر في أي مجتمع وفى أي عصر من العصور. وعلى المسلمين الذين يدعون أنهم يؤمنون بالله وكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر، ويؤمنون بالقدر خيره وشره، وبفروع هذه الأصول وبأصول الإسلام وفروعه، أن تكون مناهج حياتهم وحياة أبنائهم والأجيال القادمة محققة لمعاني أصول الإيمان وفروعه.. بحيث يربى الأبناء تربية إيمانية تجعلهم صالحين يحاربون الفساد والإجرام لتحقيق السعادة للبشر في هذه الأرض.. وعلى الذين يبحثون عن أسباب السعادة في غير هدى الله، أن يجربوا في البحث عن السعادة هذا الدين، فقد جربوا كل شيء غير هذا الدين ومنوا بالفشل. ونحن على يقين من أن السعادة والأمن مستحيلان بدون هذا الدين، وهذه دعوى فإذا كانوا يريدون إقامة البينة على هذه الدعوى فالتجربة هي البينة، فليجربوا. والتربية الإيمانية فرض على الأمة، وليسوا مخيرين في فعلها أو تركها، ومن أهم سبل هذه التربية ربط الأفراد والأسر والشعوب، بكتاب الله وسنة رسوله وسيرته صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه، وإتاحة الفرصة لكل فرد من أفراد هذه الأمة أن يفقه فرض العين فقهاً صحيحاً سليماً يجعل عمله الذي يتقرب به إلى ربه، سواء كان من حقوقه أو من حقوق خلقه. وهذا السبيل لا يمكن أن يتم إلا بجعل مناهج التعليم في البلدان الإسلامية، مرتبطة بهذا الدين في جميع مراحل الدراسة، وأن يتيقن الطلاب والمعلمون والأمة كلها، أن الإسلام هو منهج حياتهم، الذي يجب عدم مخالفته في أي شأن من شؤونهم، للفرد والأسرة والشعب والدولة. وأخيراً نقول لمن ينشدون الأمن في البلدان الإسلامية لبلدانهم: هنا الأمن فاطلبوه مقتدين بأبينا إبراهيم عليه السلام:
{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}
. [الأنعام].
الفهرس
Error In Connect