﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(22) مفتاح باب الريان

(22) مفتاح باب الريان

إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به

أرغب من طلاب العلم أن يهتموا بهذه الحلقة والتي تليها، لما فيهما من تجربة تجعل طالب العلم يتواضع مع علماء الإسلام ولا يغتر بما عنده من علم، وهذه أول مرة أنوه بالاهتمام بهاتين الحلقتين، وسيجد القارئ سبب هذه الرغبة، لكن فهم هذه الحلقة أصل للثانية.


في بداية طلبي العلم، كانت تعرض لي مشكلات كثيرة، في كثير من علوم اللغة العربية، والعلوم الإسلامية، ثم اتضح لي أن سبب كثير من تلك المشكلات، إنما هو قلة علمي، وضعف فهمي... وتقصيري في البحث والاطلاع على جهود علماء الإسلام، ممن أفنوا أعمارهم في فقه الإسلام، تعلماً وتعليماً، وكتابةً وتأليفاً، وغوصاً في أعماق معاني القرآن والسنة، وعلوم الآلة المعينة على فهمهما، واستخراج دُرر المسائل وغُررها، وإبرازها لطلاب العلم... صافية نقية، لذيذة شهية.

وما كنت أرجع إلى كتب فقهاء الإسلام - بعزم وصبر - لأسألهم عن مسألة إلا وجدت عندهم جوابها، وما رجعت من عندهم خائباً - غالباً - إلا بسبب عجلتي وضعف صبري على البحث والتنقيب، ولا زالت المشكلات تعرض لي إلى الآن، وقد مضى لي في طلب العلم 68 عاماً، ولا أزال أكتشف إلى الآن عجلتي في البحث وضعف صبري.

وأضرب لذلك مثالاً بالموضوع الذي بين أيدينا اليوم؛ فقد أشكل علي قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما يحكي عن ربه تعالى: (كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به).

وسبب الإشكال أن نصوص القرآن والسنة، دلَّت على أن عمل ابن آدم كله لله، وهو معنى "الإخلاص" الذي دلَّت نصوص كثيرة على وجوبه، بصفة عامة في كل العبادات، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ(5)} [البينة]. وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163)} [الأنعام].
ودلَّت نصوص أخرى على وجوبه في عبادات بعينها، كما في الصلاة التي تفتتح بتكبيرة الإحرام الدالة على أن المصلي إنما يؤدي صلاته لله. وكما في الحج والعمرة اللذين يدخل الحاج والمعتمر فيهما بالتلبية: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك). وكما في الجهاد الذي قُيِّد في القرآن والسنة بهذا القيد: "في سبيل الله" فكيف يخص الله الصيام بأنه له وحده (إلا الصيام فإنه لي.)؟

ورجعت إلى فقهاء الإسلام، أطلب منهم حلاً لهذا الإشكال، فوقعت عيني على العبارات الآتية: "وإنما خص الصوم بأنه له وإن كانت العبادات كلها لله لأمرين بَايَنَ الصوم بهما سائر العبادات: أحدهما: أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات. والثاني: أن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصاً به، وما سواه من العبادات ظاهر ربما فعله تصنعاً ورياء، فلهذا صار أخص بالصوم من غيره. " [تفسير القرطبي (2/273)].

وتكرر هذا المعنى في كثير من كتب التفسير، وشروح الحديث، وكتب الفقه.. ولم يُزِلْ هذا الجوابُ الإشكالَ الذي عرض لي؛ لأن الصائم يستطيع أن يُظهر للناس أنه صائم، تصنعاً ورياءً، بالقول، فيقول: أنا صائم، وبالحال، حيث يمسك عن الطعام والشراب وغيرهما في الظاهر، ويتسحَّر ويفطر مع الصائمين، فيعرفون أنه صائم.

ولهذا أكثرت من التفكير في حل هذا الإشكال، وشعرت بأنني وجدت الحل قبل أربع سنوات في وقت الإفطار من إحدى ليالي رمضان، وهو كما يأتي: استحضرت قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160)} [الأنعام]. وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة]. كما استحضرت حديث ابن عباس رضي الله عنهـما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربه عز وجل، قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك: فمن همَّ بحسنة فلم


يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همَّ بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همَّ بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة)
. [البخاري رقم (6126) ومسلم رقم (131)].

الحل الذي فهمته، هو أن ثواب الحسنات، يكون مضاعفاً عشر مرات، أو سبعين ضعفاً، أو أضعافاً كثيرة، غير محصورة، وهذه لا يعلم عدها إلا الله تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. فهمت من قوله تعالى في الحديث الذي رواه الرسول صلى الله عليه وسلم، عن ربه: (إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به).. أن مضاعفة أجر الصيام مما استأثر الله تعالى به، فلا يعلمه العبد، وليس هو من الحسنات العشر، ولا من السبعين، وإنما هو من الأضعاف الكثيرة غير المحصورة.

وكم كان فرحي بهذا الفهم الذي ظننت أنه لم يسبقني إليه أحد من العلماء. وقد ذكرت ذلك لبعض طلابي، وطلبت منهم إبداء رأيهم في هذا الفهم، فأيدوه وسرَّهم ما وصل إليه أستاذهم.
ثم أخذت أفكر وأسأل نفسي: هل يظن أن فقهاء الإسلام في جميع العصور الماضية، غاب عنهم هذا الفهم وخصَّك الله تعالى به؟ ورجعت إلى الأحاديث التي ذكر فيها النص: (كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا الذي أجزي به). وسجلت النصين الآتيين:

النص الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يسخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه). [مسلم رقم (1151)].

النص الثاني: عن أبي هريرة أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها). [البخاري رقم (1795)].

النص الأول لم يذكر مضاعفة الحسنة، والنص الثاني ذكر فيه مضاعفتها إلى (عشر أمثالها) بعد قوله: (الصيام لي وأنا أجزي به) فشعرت بأن في النص الثاني إشارة إلى أن الذي اختص به، هو علم أجر الصائم. وقادني ذلك إلى الرجوع إلى فقهاء الإسلام، لمعرفة ما إذا كانوا قد فهموا ما فهمته، وأخذت أقرأ بصبر وتأن -على غير عادتي-شروح الحديث، وبخاصة "فتح الباري" لابن حجر الذي، عرف بطول نفسه في جمع النصوص، وأقوال العلماء، فإذا هو ينقل عن البيضاوي النص الآتي: "وقوله: (إلا الصيام) مستثنى من محكي دل عليه ما قبله، والمعنى أن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشرة أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر، بل ثوابه لا يقدر قدره ولا يحصيه إلا الله تعالى، ولذلك يتولى الله جزاءه بنفسه، ولا يكله إلى غيره". [فتح الباري (4/110)]. وفي الحلقة القادم سأذكر التعليق على ذلك.




السابق

الفهرس

التالي


16580867

عداد الصفحات العام

3251

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م