﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(046)حوارات دعوية عالمية مع مسلمين جدد[ميونخ]

(046)حوارات دعوية عالمية مع مسلمين جدد[ميونخ]
حوار مع المسلم الألماني الدكتور هلف
السبت: 1/1/1409هـ ـ12/8/1988م



قبل الشروع في تثبيت هذا الموضوع -هنا-أطرح سؤالا؟ هل العرب يقرؤون؟ وهل إذا قرؤوا يفهمون؟ وهل إذا فهموا يعملون؟ والجواب عند "بيرز" اليهودي، كاتب: نحو شرق أوسطٍ جديد" فابحث عنه.



وقبل ذكر الحوار مع الدكتور، هلف أذكر جهود الرجل في البحث عن حقيقة الإسلام ونصحه للمسلمين، بل نصحه لقومه في موقفهم من الإسلام.



نصح الدكتور هلف لقومه فهل يسمعون؟



قررت في زيارتي لدول أوربا أن أزور كل من أستطيع زيارته من المسلمين الأوربيين أو غير المسلمين، سواء كانوا متعاطفين مع المسلمين أو غير ذلك.



وكنت قد سمعت عن هذا الرجل في أول زيارة لي إلى ميونخ بالذات قبل ست سنوات تقريبا، وكنت منتدبا في مهمة رسمية من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، سمعت أن الرجل مهتم اهتماما بالغا بالإسلام والمسلمين، وأنه يسأل ويقرأ كثيرا ويسجل، فسألت عن وظيفته؟

فقيل لي: إنه مستشار الحكومة الألمانية لشؤون الشرق الأوسط، فقلت: ظهر السبب فبطل العجب، وظيفة الرجل تدعوه إلى هذا الاهتمام، ليكون على علم يقدمه لقومه عن الإسلام والمسلمين، ولكني طلبت زيارته إن أمكن فضُرب لي معه موعد وزرته في مكتبه فاستقبلني ببشاشة ومكثت معه ما يقارب الساعة.



ولم أكن مستعدا لإجراء حوار معه كما هي العادة في رحلاتي المعتادة، لأن رحلتي هذه كانت لأمر رسمي معين، ولذلك لم أكتب عنه شيئا، لا عن حياته ولا عن موقفه من الإسلام والمسلمين، ولكنى شعرت من كلام الرجل أنه يميل إلى مبادئ الإسلام وينصح المسلمين، ويرى أنهم في كفة ثقيلة لو سلموا الخلاف والصراع الذي يحدث بينهم.



وأذكر أن الرجل قال حينذاك: إن الشرق الأوسط مقبل على صعاب وربما حروب، ولكن يظهر له أن الإسلام في النهاية، -وبعد محن تصيب المسلمين- سينتصر.



وكان معي في تلك المقابلة أو ذلك الاجتماع الطارئ رئيس المركز الإسلامي آنذاك في ميونخ الدكتور علي جريشة رحمه الله الذي أعارته أو انتدبته الجامعة الإسلامية.



ثم عندما سافرت العام الماضي 1407-1408هـ سألت عن الرجل أريد أن أقابله مقابله مبنية على إعداد سابق للأسئلة كما فعلت مع غيره، ولكني لم أتمكن من زيارته لأنه لم يكن موجودا.



وفي هذا العام 1409ه أراد الله أن أعود إلى ميونخ وسألت عن الرجل، فذكروا لي أنه أيضا غير موجود، ولكن ذكر لي الأستاذ عبد الحليم خفاجي أن الرجل ألف كتابا بعنوان: "الإسلام قوة عالمية" وهو تحت الطبع وسيظهر قريبا، فألححت على الإخوة في المركز الإسلامي أن يعطوني نبذة عن هذا الكتاب، فأهداني الأستاذ عبد الحليم ملخصا لمقدمة هذا الكتاب باللغة العربية، ففرحت بذلك وهاأنا أسجلها بنصها ليعرف القارئ أن براهين الإسلام تتسلل إلى قلوب الناس، إذا ما واتت تلك القلوب فرص الاتصال بهذا الدين، كما هو شأن هذا الرجل وهو الآن متقاعد، ولم أتمكن من أخذ معلومات أكثر عنه ولعل الله ييسر لي لقاءه فيما بعد.



[وقد يسر الله لي ذلك، فسافرت إلى ألمانيا سفرا خاصا من أجل مقابلته، بعد أن دخل في الإسلام ومقابلة الفيلسوفة الألمانية المنصفة للإسلام والمسلمين، من وقت شبابها،: د/زغرد هونكه، وقد سبق الحوار معها في حوارات دعوية عالميةمع غير مسلمين، قابلت الدكتور "هلف" وكتبت عنه معلومات، وقد أثبتها هنا بعد الفراغ من نص المقدمة..]



نص ملخص المقدمة:



إن الإسلام كان لفترة غير قصيرة قوة تؤثر على العالم، وهو يتهيأ في الوقت الحاضر ليصير مرة أخرى قوة تؤثر على العالم. النظرة السريعة على العالم الإسلامي تعطى صورة سيئة عن التمزق والخلاف والدعاوى العريضة الجوفاء والظلم الصارخ في توزيع الثروة، بل والحروب المنهكة، مع عدم القدرة على الوقوف جبهة واحدة لحل المشاكل الدامية...



ولكن السياسي الحاذق يجب أن تكون نظرته أعمق، فإن الإسلام الذي استطاع في السابق في فترة قصيرة للغاية أن يصبح-ولمئات السنين القوة الكبرى في العالم-قادر على، الأقل نظريا، أن يصبح كذلك مرة أخرى.



ثم إنه كسياسي حكيم في أوربا لا ينبغي أن يستهين بعلاقة أوربا مع العالم الإسلامي الذي يحيط بها من جنوبها الغربي لجنوبها الشرقي، والذي يحتمل أن يتوحد، إما رغما عن أوربا التي لا تريد ذلك، وربما تحاول أن تمنع هذه الوحدة، جريا وراء السياسة قصيرة النظر التي تسير عليها إسرائيل بغباء، فتصبح هذه الوحدة موجهة ضد أوربا التي قد تسحق بين هذا العالم والعالم الشيوعي الشرقي، وإما أن تتم هذه الوحدة بمساعدة ورضا أوربا، فتكتسب بذلك عمقا لا تملكه الآن، وإن كانت في حاجة شديدة إليه في شمال أفريقيا بصداقة العالم المسلم المتحد.



الأسباب التي تقود إلى النظرة السريعة التي ذكرت أولا، وتحول دون النظرة العميقة لعلاقة أوربا في المستقبل بالعالم الإسلامي هي أسباب تاريخية.



1-لما بدأت الشعوب الأوربية والدول الأوربية تتشكل منذ ألف سنة، كان يقوم هناك بجوارها عالم إسلامي يسبقها، ويتفوق عليها، سبقا كبيرا في العلوم والحضارة والمدنية، ولم ترد تلك الدول والشعوب المسيحية تحت سلطة الكنيسة أن تعترف بذلك، خوفا من ضياع نفوذها وسلطانها، فأعطت الصورة الخاطئة عن المسلمين ومكنت لها في النفوس إنهم قوما (الصحيح: قومٌ) وثنيون ويعبدون صنما اسمه "ماهمت" [يعنون (محمدا صَلى الله عليه وسلم] ويقترفون أبشع الرذائل.



ذلك على الرغم من علم كبار رجال الكنيسة بدرجة تفوق المسلمين [البابا الذي أمر بترجمة معاني القرآن الكريم في 1143هـ] وقد استخدمت هذه الصورة لتوحيد أوربا ضد العدو المشترك خلال الحروب الصليبية وهجمات الأتراك العثمانيين.



2-لما بدأت الدول الأوربية في بداية العصر الحديث تغزو القارات الأخرى، وقفت الخلافة العثمانية وفارس الإسلامية ودولة المغول في الهند، عائقا في وجه ذلك التوسع.



3-في الحقبة الأخيرة التي تخلصت فيها الشعوب الإسلامية من الاحتلال الأوربي زاد حقد الأوربيين، وفي نفس الوقت الشعور بالصلف والترفع والاحتقار لغير الأوربيين، وهذا قبل أن تظهر العنصرية ونازية هتلر.



وألمانيا وإن كانت لم تحتل بلادا مسلمة كغيرها من دول أوربا، بل تحالفت مع الدولة العثمانية في الحرب، إلا أن اضطهادها لليهود في الحرب العالمية الثانية، والتزامها لهذا السبب بعد الحرب بمساندة إسرائيل في الحق وفي الباطل، جعل الألمان لهم نفس الموقف ونفس الشعور بالنفور والشك والتخوف مما يأتيهم في وسائل إعلامهم والإذاعة، عن المسلمين في عباداتهم وتطبيق شريعتهم وزي نسائهم، شعور بالخوف من المجهول والاعتزاز بتقدمهم المادي.



هذه الصورة الموروثة يجب أن يتنبه لوجودها القارئ الأوربي، قبل أن يحاول الإجابة على الأسئلة الآتية:



1-بماذا ندين كأوربيين للإسلام، وهل كان يمثل العدو بالنسبة لنا؟



2-ما هي المشاكل التي تواجه الإسلام اليوم، نتيجة لتصادم الإسلام بمدنيتنا الغربية التي هي في جوهرها لا دينية؟



3-هل نحن اليوم فعلا كما نفترض دائما بالنسبة للمسلمين في موقف المعطي؟



4-ألا يستطيع الإسلام أن ينير ظلاما في نفوسنا وأن يعطينا شيئا لا يقل عما نعطيه نحن إياه؟



التركة التي منحها الإسلام لأوربا.



من المعروف علميا منذ زمن طويل، وإن كانت هذه المعرفة لم تنتشر بين الناس هنا، أن قسما كبيرا جدا مما وصلنا من علوم وفلسفة الإغريق، وصلنا فقط نتيجة للترجمة التي قام بها العرب، و اليهود أيضا، في العالم الإسلامي. ولولا هذا النشاط لما عرف توماس فون اكوين أرسطو، ولما كتب (السوما)، وبالمثل في كل العلوم تقريبا...



ولم يكن المسلمين مجرد مترجمين، بل ساهموا ببحوثهم و تطويرهم في الطب والعلوم الكونية الطبيعية كلها، الرياضة والكيمياء والعمارة وفي علوم النفس، ولن تتسع هذه المقدمة بل ولا كل هذا الكتاب لبيان ذلك بالتفصيل، وقد أشار الكاتب مارسيل بورساد لبعض ذلك وأقتصر هنا على الإشارة إلى المجلدين: (تركة الإسلام) اللذين أصدرهما يوسف شاخت وبوزفورت.



ويكفى الإشارة إلى أن العالم الإسلامي ظل يعطى أوربا بعد بدء عصر النهضة بفترة غير قصيرة، وأن حرية البحث التي نالها الأوربيين [هكذا والصواب: الأوربيون] ببطء وبعد لأي، كانت مكفولة بدون أي حدود من المسلمين، استنادا إلى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "اطلبوا العلم ولو في الصين" [الحديث غير صحيح، والنصوص التي تحض على العلم في القرآن والسنة كثيرة جدا...] يعنى في أبعد بقاع الأرض والصين في ذلك الوقت لم تكن معروفة مطلقا للأوربيين، بينما كانت معروفة للبحارة والتجار وعلماء الجغرافيا العرب.



ومما يلقي شعاعا من النور في تغير الصورة الشائعة عن الإسلام "العدو اللدود" حقيقة أن أكبر شخصية متحررة عاشت في العصور الوسطى في أوربا وحازت دهشة وتقدير العالم، هي شخصية القيصر الألماني فريدريك الثاني الذي نشأ بين المسلمين في صقلية، وأسس جامعة في سالرنو، أحضر لها أساتذة مسلمين ويهود من العالم الإسلامي وأقام حوارا معهم، وكان له حَرَسُه الخاص من العرب المسلمين، (حوالي عام 1200م) وهي ظاهرة عجيبة في فترة الحروب الصليبية.



وقد وجدوا عندما فتحوا نعشه قريبا في بالرمو، أنه يلبس تحت زي القيصر قميصا إسلاميا منقوشا بسورة من القرآن الكريم، ألبسه له فيما يبدو رجال حرسه الذين صحبوه في جنازته حتى صقلية. وما كان رئيس حرسه ليلبسه القميص إن لم يكن يعلم أنه مات مسلما... انتهى نص ملخص مقدمة الدكتور هلف لكتابه: الإسلام... القوة العالمية، باللغة العربية.(أثبت في الكتاب الأول ما يتعلق بالدكتور هلف من الحوار وغيره)



تنبيهات.



ولا بد بعد ذكر ملخص مقدمة-وأرجو أن يترجم الكتاب إلى اللغة العربية ليطلع عليه أعداء الإسلام من الأوربيين وغيرهم، -وبخاصة أبناء جلدتنا الملحدين والذين يسمون بالعلمانيين واللبراليين المستغربين- على إنصاف هذا الرجل الذي يثني عليه المسلمون الذين التقيتهم، للإسلام والمسلمين وهو من غير المسلمين. [كان هذا قبل أن أعلم بأنه أسلم.]



أقول: بعد هذا لابد بعد هذا أن أنبه على الأمور الآتية:



التنبيه الأول: أن الصورة المشوهة عن الإسلام والمسلمين، كانت افتراء ممن حسدوا الإسلام والمسلمين من النصارى منصرين وسياسيين، ليوحدوا الدول الأوربية الناشئة آنذاك ضد المسلمين الذين كانوا يفوقونهم حضارة وتمدنا.



الأمر الثاني: أن المسلمين أعطوا الأوربيين من العلوم، ما لم يكونوا قادرين على الحصول عليه بدون ذلك العطاء، سواء أكانت تلك العلوم منقولة عن الإغريق أو مما ابتكره المسلمون أنفسهم.



التنبيه الثالث: أن بعض زعماء الأوربيين الكبار كانوا معترفين بفضل المسلمين، بل أسسوا معاقل علمية بإشراف المسلمين وتعليمهم، ودلت القرائن على أن بعضهم أسلموا سرا كما هو الحال في قيصر ألمانيا الذي ضرب به الدكتور هلف المثل، ولا يستبعد أن يكون غيره كان مسلما يكتم إسلامه بسبب الحملة العدائية ضد الإسلام والمسلمين.



التنبيه الرابع: أن الله تعالى يهيئ الآن من يكشف للأوربيين من نفس الأوربيين ظلم زعمائهم السابقين للإسلام والمسلمين وافتراءهم وتشويههم المتعمد له.



التنبيه الخامس: أن الشعوب الأوربية تتلقى من أجهزة إعلامها وكبار مفكريها وزعمائها صورة مشوهة عن الإسلام، بناء على إرضاء اليهود، وليس عن حجة وبرهان واقتناع.



التنبيه السادس: أن هذا الدين-الإسلام-قادر على العودة إلى القوة والقيادة التي كان عليها من قبل، وإن بدا المسلمون في هذا الوقت بعيدين عن الوصول إلى هذه القمة السامقة.



التنبيه السابع: أن من مصلحة أوربا والدول الغربية كلها والشرقية، أن يفكر قادتها وشعوبها جديا في مستقبلها وعلاقاتها بالإسلام والمسلمين، وأن أسلوبها الذي تتبعه الآن من محاولة التحريش بين المسلمين وإيجاد الفرقة بينهم وإضعافهم، سيكون وبالا عليهم عندما يتحد المسلمون على رغم أنوف أعدائهم في الشرق والغرب، وخير لتلك الشعوب أن تساعد المسلمين على النهوض والوحدة بدلا من الوقوف ضدهم.



التنبيه الثامن: عِظَم جرم المسلمين الذين يسيئون إلى دينهم ببعدهم عنه وعدم تطبيقه، ليكونوا قدوة حسنة لغيرهم، بل أصبح كثير منهم فتنة لغيرهم يصدونهم بتصرفاتهم السيئة عن الإسلام.



التنبيه التاسع: الواجب على القادرين من العلماء والمفكرين المسلمين أن يكشفوا للدول الأوربية وشعوبها زيف الصورة المشوهة عن الإسلام.



مقال تحذيري للدكتور/هلف:



[هذا المقال سلمني إياه الأستاذ عبد الحليم خفاجي]



هل تتحول المواجهة بين الشرق والغرب إلى مواجهة بين الشمال والجنوب؟



في كل مكان جرت العادة أن تتأثر السياسة والسياسيين [الصواب: السياسيون] بالوقائع الوقتية، فإذا ما وصلت هذه الوقائع إلى ذروتها، فإنهم غالبا ما يحاولون التكيف معها والاهتمام بها، ولكن الرجل السياسي الحقيقي هو الذي يتفهم الخطوط العريضة للتطورات المحيطة التي ما هي إلا أحداث قد ترتبت على الماضي، ومتصلة بالحاضر.



لذا فإن عليه القيام بتحليل القوى الموجودة ببعضها ليستطيع أن يصنع لنفسه صورة مستقبلية لهذه العلاقات، يضع على أساسها خططه ويصنع قراراته.



لقد لوحظ في الآونة الأخيرة أن النصف الشمالي من الكرة الأرضية، يعيش تحول جذري [الصواب: تحولا جذريا] لا يؤثر على توزيع الشعوب والتكوين الاستراتيجي في المنطقة فحسب، بل يتطور ليصل تأثيره إلى شعوب النصف الجنوبي من الأرض، لهذا كان ضروريا أن نبحث أي الاختيارات الأصلح للمستقبل القريب والبعيد، وأي منهم [الصواب: منها] المستبعد؟.

إن لأسس والحكم على الحاضر لا بد أن يسبقه استعراض للتطورات التاريخية، وتتلخص فيما يلي:



1-في أوائل هذا القرن خاضت أوربا حربين من أعنف الحروب وأكثرها تدميرا، ليس فقط على أوربا، ولكن على البشرية جمعاء، وقد قضت هذان [هاتان] الحربان على سيادة أوربا وقوتها، مما هيأ الفرصة للمستعمرات الجنوبية للاستقلال والتحرر من أيدي الاستعمار الأوربي.



ولم تقتصر النتائج السلبية على ذلك، بل تولد عنها تطور كبير في الأسلحة، سواء كانت نووية أو غيرها، أدى ذلك إلى انقسام العالم إلى قوتين عظيمتين، يتزعم الاتحاد السوفييتي واحدة، والأخرى الولايات المتحدة، وفي تلك القوى تسبح الدول الأوربية، شرقية وغربية، كل على حدة.



2-على مدى أربعين عاما، نشأت مرحلة ما بعد الحرب التي أكدت على انقسام أوربا إلى شرق وغرب، ينتمي كل قسم منه إلى حلف عسكري يختلف عن الآخر.



3-بدأ هذا التقسيم في التراجع في الآونة الأخيرة، وإن كان غير مؤكد ما قد يحل مكانه في المستقبل، فإنه من الأكيد أن هذا النظام أو التقسيم القديم لن يسود ثانية، وهناك بعض الملامح التي يمكن الكشف عنها، وهي:



أ-أن تعود ألمانيا كأقوى دولة في أوربا، فتستعيد مكانتها الحضارية والسياسية.



ب-أن يواجه الاتحاد السوفييتي انهيارا تاما في الأحوال الداخلية الذي يعني افتقاد [فَقْد]التوازن الاستراتيجي خارج أوربا، أي إنها لن تعود لدورها السابق الفعال في إفريقيا والشرق الأوسط.



جـ-إذا أدركت روسيا هذا الموقف-وهذا متوقع عاجلا أو آجلا-فإنها سوف تبدأ العمل المشترك مع ألمانيا الموحدة، وقد يرتكز هذا التعاون على أساس اقتصادي يعمل على تأكيد السلامة في أوربا.



د-وبذلك يكون قد مضى على مرحلة ما بعد الحرب أكثر من خمسين عاما، انتهى فيها على تلك المواجهة العنيفة بين الشرق والغرب، ومن الواضح والأكيد أن يظل هذا الموقف الجديد بعوامل جديدة تؤثر على مناطق الصراع والمشاكل الدولية.



4-ما هي النتائج المترتبة على التغير الحادث في العلاقات بين الأجواء الأوربية؟



إن تيارات رؤوس الأموال الغربية، وبخاصة الأوربيين تتوجه اليوم ناحية أوربا الشرقية والجنوبية، وأخيرا الاتحاد السوفييتي، وهذا يعني أن المنح والمساعدات الأوربية لإفريقيا والجنوب بصفة عامة، في طريقها إلى الانكماش المستمر.



وبالنسبة للشرق الأدنى والأوسط، فهذا يعني أن الاهتمام الغربي بهم وبمشكلات دولهم، وبخاصة القضية العربية الإسرائيلية، سوف تتقلص، يعني أنه لن يشغل أحد باله بهذه القضية [تعليق: هكذا ظن الدكتور "هلف" كما ظن غيره بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكن الأحداث أثبتت عكس هذا الظن بالنسبة لقضية فلسطين واليهود، فقد زاد الاهتمام بها إلى درجة ما تم في أوسلو وما تبعه من سرعة استعداد كل الدول العربية وأكثر الحكومات في الشعوب الإسلامية لإقامة علاقات مع اليهود، وبعض الدول العربية قد فتحت لها مكاتب في تل أبيب، وبعضها فتحت سفارة، والغوا المقاطعة الاقتصادية التي يسمونها من الدرجة الثانية والثالثة.



ولعل بعض الدول العربية قد ألغت المقاطعة من الدرجة الأولى، ومن أهم الأسباب في لهذه السرعة إقلاق الجهاد الإسلامي الذي بدأ بالحجارة في فلسطين ضد اليهود، الذين لم يكونوا يفكرون يوما من الأيام أن يأذنوا بإقامة إدارات مدنية محدودة لمن يبدي استعداده للقناعة بتلك الإدارات الواقعة تحت رحمة اليهود في كل مجالاتها المهمة.



ولا يدري تفاصيل المؤامرة والكيد اليهوديين من وراء اتفاقية أوسلو وما تبعها وسيتبعها إلا الله، وإن كنا نعلم علم اليقين أن لليهود مخططا لهدف بعيد قد رسموه يريدون تحقيقه من وراء ذلك، وليس هو من مصلحة الفلسطينيين، ولا في مصلحة الدول العربية المجاورة، ولا البعيدة، ولا من مصلحة الإسلام والمسلمين، ونعلم أن لهم أهدافا قريبة يريدون تحقيقها.



ومنها إيقاع النزاع والشقاق بين الفلسطينيين أنفسهم، بحيث يشغلونهم بضرب بعضهم بعضا، بدلا من اجتماعهم على ضرب عدوهم عل اختلاف أديانهم ومبادئهم، وهذا الهدف قد تحقق الكثير منه، وما تخبئه الأيام للفلسطينيين أكثر، كما أن لأعوان اليهود من الدول الغربية هدفا محوريا، وهو ذو شعب ثلاث:



الأولى: سيطرة اليهود على المنطقة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، لتكون حارسة لمصالح الدول الغربية في المنطقة.



الثانية: جعل الدول العربية في صراع دائم فيما بينها، حتى لا تجتمع كلمتها، لأن اجتماع الدول العربية يعني حصار الدولة اليهودية، بل يعني ما هو أكثر من ذلك، وهو ما سيقلب موازين الغرب في المنطقة.



الثالثة: ضمان استغلال خيرات المنطقة-وبخاصة البترول-بدون منازع.



وفي نفس الوقت فإننا نؤمن أيضا أن لله من وراء ذلك تدبيرا، سيكون في مصلحة الإسلام والمسلمين، لأن الله لا بد أن ينصر دينه الذي خذله أهله، وصاروا بخذلانهم له أذل خلق الله يذلون عباده المسلمين من علماء وكبار سن وأطفال، ويدوسون بيوته المقدسة، ومنها بيت المقدس! انتهى التعليق].



ثم قال الدكتور "هلف": وفي حالة ما إذا وصلت المشكلة في السنوات القادمة إلى مشكلة تهدد السلام العالمي، كمصادر الطاقة مثلا، فإن الجانب الأمريكي أو السوفييتي لن ينضما إلى أحد الطرفين مرجحين إحدى الكفتين، ولكنهم سيتدخلون للعمل على إنهاء حالة الحرب نهائيا مهما كانت النتائج.



5-قد تترتب نتائج أكثر على تلك التغيرات الإستراتيجية في أوربا، أو ما بين الشرق والغرب، فبعد أن تداعى التهديد السوفييتي لأوربا الغربية والولايات المتحدة، فقدَ حلف الأطلنطي صورة العدو التي كان ينفق من أجلها الأموال الكثيرة، على التسلح، فإن اختفت هذه الصورة، فإنه لن يلاقي الترحيب من الشعوب، حتى ولو كانت مناهضة للاتحاد السوفييتي.



ومن هنا تحول نظر الحلف إلى بلاد أخرى، تنطبق عليها صورة العدو المهجورة من السوفييت، ولما كانت الدول الجنوبية هي الأكثر تناسبا لهذه الصورة، وهي بإمكاناتها البشرية المهولة تمثل خطرا كبيرا على الشمال، هذا إلى جانب أن المنطق السيكولوجي ليؤكد أن هذا التحول في المواجهة بين الشرق والغرب إلى الشمال والجنوب، يبعث روح التحامل التي تَلقَى صدىً عظيم [عظيما] في كل مكان من أوربا وأمريكا، على العالم العربي والإسلامي.



وإذا حدث أن اندلعت ثورات جديدة في وسط آسيا فسيبادر الاتحاد السوفييتي بالانضمام إلى الاتحاد المناهض للعرب والإسلام.



ولا شك أن هذا الموقف وهذا التغير الاستراتيجي في الغرب، سوف يكون في المقام الأول والأخير، في صالح إسرائيل التي ستعمل لإنهاء الجولات لحسابها الشخصي، ومع هذا الخطر فقد بدأ العالم الإسلامي في التحرك لضم المنطقة المتنازع عليها، الأمر الذي يقوي احتمال تحول الاتجاه للمواجهة.



وختاما فإنني لا أعني بما جاء بهذا المقال أنه سيحدث بالفعل، ولكن قد يحدث لوجود الدلائل عليه، فالتاريخ والأحداث لا تحدث وفق قانون أو خطة موضوعة، فالله أعلم بالمستقبل، ولكن الإنسان قد يستشف ببصيرته وعقله المحدود أن بعض الاحتمالات قد تحدث إذا ما وجدت، ويحول اتجاهها إلى آخر معاكس للمتوقع.



وفي حالتنا هذه فإن العوامل المتحكمة في الأمور تقع في الغرب وليس في الولايات المتحدة الأمريكية التي وقعت في براثن التأثير اليهودي، حيث إن في أوربا القدرة أكبر على التحكم وتسيير الأمور كمركز للعالم.



لذا فإنه يجب أن يكون الهدف الأساسي، وضع استراتيجية لتدارك المواجهة المحتملة مع الشمال والجنوب، ويجب أن يكون ذلك في بدايته والعمل على تحقيق الاستعداد الإيجابي لعمل مشترك وتعاون بين الأوربيين والعرب كقوة مجتمعة، ولو عهدنا بهذا الشكل الجديد إلى موظفين [الصواب: موظفي] الخارجية وإلى الاجتماعات الدبلوماسية، فمن المؤكد أنها ستكون مضيعة للوقت وإهدارا لكثير من الأوراق، وسوف تسفر عن أحاديث لا تجدي، ولن تحل من المشكلة شيئا.



لذا فمن الأجدر أن نتأمل سياسة اليهود والموجودين في الولايات المتحدة، ونقوم بالعمل على إنشاء مراكز ومعاهد مستقلة على أرض أوربية، ونعمل على كسب تأييد شعوب القارة الأوربية إلى القضية العربية، و تصحيح المفاهيم الإسلامية، وبهذا يكون هناك أمل لكسب شعور التعاطف والتأييد.الوقت يمر سريعا، لذا وجب التحرك السريع د. رودلف هيلف



[قلت: لقد تحقق غالب ما ذكره الدكتور هلف، فقد انهار الاتحاد السوفييتي، وأصبحت أوربا على أبواب "الولايات المتحدة الأوربية" ونجح اليهود في تحريش أمريكا على البلدان العربية، بل الإسلامية، وأصبحت المواجهة بين الشمال والجنوب، بدلا من الشرق والغرب]



بدء الحوار مع الدكتور هلف. ميونخ
الثلاثاء 11/6 /1412هـ 17/ 12 /1991م

جرت عادتي أن أبدأ أنا مع من أريد محاورته بطرح أسئلتي إليه، التي غالبا ما تبدأ بطلب التعريف بنفسه، لكن الدكتور [هلف] شرع يتحدث إلي قبل أن أبدأ بسؤاله، بسبب ضيق وقته، لذلك لم أتمكن من السير معه بالترتيب الذي اعتدته مع غيره.



قال: هو الآن محال للتقاعد، وكان مستشارا في وزارة الخارجية الألمانية في منطقة "بافاريا" في السياسة الخارجية والأمن، والعالم الثالث.



وقد كتب كتابه "الإسلام قوة عالمية" [وقد أهداني الكتاب الأستاذ عبد الحليم خفاجي في رحلة سابقة في 1/1/1409هـ، وهو من محتويات مكتبتي، وهو باللغة الألمانية، وكان هدفه من تأليف هذا الكتاب -قبل أن يسلم- تعريف الحكومة الألمانية، والشعب الألماني بحقيقة الإسلام، كما فهمه، وقد بذل جهدا في الحصول على معلومات موثقة في موضوعاته، ولم يجد من يعينه على ذلك إلا من بعض المسلمين الذين تمكن من الاتصال بهم، في حدود إمكاناتهم.



فأخرج كتابه متضمنا ما تيسر له من المعلومات، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد تُرْجِمَتْ خلاصة مقدمته للكتاب إلى اللغة العربية، [وقد سبق ذكرها قريبا]



تخصصه في التاريخ والاقتصاد والسياسة والصحافة.



[وهي تخصصات خطيرة، كما ترى! إضافة إلى خطورة وظائفه، ومع ذلك لم يتردد في إشهار إسلامه ولا في نشر كتابه، مع ما يعلم من تعصب كثير من أهل بلده ضد الإسلام، وعدم رضاهم عمن أثنى على الإسلام، فضلا عمن أعلن إسلامه ممن هو في منزلته، ولكنه الإيمان الذي جعل سحرة فرعون يقولون له: {إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى}]



وسألته عن ديانته السابقة؟



فقال: الكاثوليكية.



قلت: كيف كان تدينه؟



فقال: قصته طويلة تصعب حكايتها، وكانت عائلته كاثوليكية متدينة. وكان عسكريا في الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب بدأ يدرس في ميونخ، وكان أثناء دراسته ملحدا.



وبعد عشر سنوات من الحرب، بدأ يميل إلى الإيمان بالإسلام، وكان ذلك بالدراسة وبالتدريج. والسبب في ذلك أنه كان يحب أن يقرأ عن العالم الإسلامي كثيرا وبشغف، بحكم وظيفته، وكان له أصدقاء عرب مسلمون، ومن الصدف أنه قرأ كتابا لرجل مستشرق فرنسي، وهو الذي لفت نظره إلى الإسلام، برغم تحفظ العرب على آراء المستشرقين، ولم يكن في هذه الفترة مسلما، وكانت عنده شكوك، والشيء الذي لفت انتباهه في كتاب الفرنسي المذكور قوله: لو كان هناك رسل لكان محمد واحدا منهم.



ولم يذهب "هلف" إلى أي مركز إسلامي في تلك الفترة، لأنه لم يكن جادا في الدخول في الإسلام، وإنما كان راغبا في المزيد من القراءة والاطلاع، وقد أحب شخصية محمد صَلى الله عليه وسلم، وظهر ذلك لأصدقائه الذين كانوا يقولون له: كفاك الحديث عن محمد! لكثرة ما كان يتحدث عنه أمامهم، وكان يتحدث مع أصدقائه السياسيين، فيبدأ معهم بالحديث عن السياسة، وينتهي بالحديث عن الدين.



وذات يوم جاءه الدكتور "علي جريشة"ومعه صديقان، وانتهى بهم الحديث عن الإسلام، ولم يكن راغبا في الدخول في الإسلام. [كنت زرته مع الدكتور علي جريشة في مكتبه قبل أن يعلن إسلامه ولعله يقصد تلك الزيارة]



وفي أوائل الثمانينات، لم يكن يصعب عليه النطق بكلمة التوحيد [يعني أنه أصبح موقنا بها] وبعد سنة ذهب إلى المركز الإسلامي، وأعلن إسلامه رسميا.



قلت: ما أهم ما شدك إلى الإسلام من موضوعاته؟



قال: التوحيد.



قلت: ما الأثر الذي أحدثه ضعف المسلمين على دينهم وعلى العالم كله الذي هو في ضرورة لهذا الدين؟



قال: في سنة 1918م، كانت نهاية بعض القوى المعروفة، كقوة النمسا، وقوة العثمانيين، وقوة الكنيسة البيزنطية. في ذلك الوقت انقسم العالم العربي والإسلامي، وهبط إلى الحضيض، ومن ذلك الوقت إلى اليوم لم يتمكن العالم الإسلامي من تخطي الصعوبات التي واجهته، ليخرج من ضعفه، وأكثر المسلمين انضموا إلى الغرب، وداروا في فلكه، بدلا من السعي إلى الاستقلال السياسي والاقتصادي....



والأمل الوحيد في استعادة المسلمين قوتهم أن يؤمنوا بالتوحيد دينا، ويتحدوا هم أنفسهم على ذلك التوحيد-كأنّ الدكتور يرمز لقول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}-لأنهم إذا لم يستطيعوا إيجاد أصل لوحدة حقيقية بينهم، فإن غيرهم-يعني أهل الغرب واليهود بالذات-سيلعبون بهم.

[وهذا ما يحدث اليوم-ونحن في منتصف عام 1416هـ هاأنا أراجع هذا الكتاب وأصححه في شهر ربيع الآخر من عام 1425هـ وفي شهر يونيو من عام 2004مـ وقد نجح اليهود في حمل أمريكا على احتلال العراق وأفغانستان وتهديد جميع حكومات الشعوب الإسلامية، لحملها على تنفيذ أوامرها في الثقافة والسياسة والشئون الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وتحقق قول "هلف": سيلعبون بهم...]



قال: والعالم الإسلامي الآن فيه حركات، ولا بد أن تتمخض عن شيء طيب يخلصهم من نير الغرب.

وفي العشر السنين الأخيرة تمخض العالم [ومنه الغرب] عن تغيرات أساسية. ويجب على العالم الإسلامي أن يتنبه، فإن لعبة التسلط عليه ستتغير طريقتها، فالخلاف الذي كان يقال له بين الشرق والغرب، سيصبح بين الشمال والجنوب، وإذا غفل المسلمون والإفريقيون فإن هذا الخلاف ستكون له آثار سيئة عليهم، أما إذا تنبهوا فقد يختلف الأمر.



وباختصار فإن العالم بوضعه الحالي، توجد به ثلاث قوى رئيسة [يعني القوى التي تقابل القوة الكبيرة الظاهرة الآن، وهي أمريكا]: أوربا الغربية، والدول الشرقية، والعالم الإسلامي-ومنه العرب-. وهناك رأي أن بعض هذه القوى تتفسخ، ومنها القوة الروسية، ورأيه [هلف] أنه لا بد من بقاء نفوذ لها.



وهذه القوى الثلاث يجب أن يكون تعاملها فيما بينها على أساس التعاون الذي يحقق لها جميعا مصالحها، لمنع فكرة تسلط بعضها على بعض، وهذا التعاون مهم، لمنع تسلط أمريكا على العالم بسبب تقنيتها الحديثة التي تغريها بذلك التسلط، فإذا تعاونت هذه القوى تعاونا غير تسلطي، بل تعاونا يحقق لكل منها سد حاجتها، فإنها تستطيع أن تمنع تسلط أمريكا عليها أو على بعضها. والمهم أن يتضح السبيل لهذا التعاون، فماذا سيعمل العالم الإسلامي لتحقيق ذلك؟‍



مشروع الأستاذ الشاهد.



إن نقطة الانطلاق-لهذا التعاون في رأي الدكتور هلف-إيجاد جمعية علمية للبحوث الإسلامية، للحوار بين علماء المسلمين والمستشرقين، لإزالة سوء الفهم الموجود عند الغربيين للإسلام، تتولى مجلة علمية نشر البحوث والندوات والحوارات. والأستاذ الشاهد-وهو من أساتذة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في السعودية-عنده هذه الفكرة، وإذا أزيل سوء الفهم زالت الشكوك، وهذا يحقق معنى قول الله تعالى: {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}



وقال الدكتور هلف: إنه هو بنفسه يشرف على مشروع جديد في أوربا، مقره في الحدود بين ألمانيا وتشكوسلوفاكيا [أصبحت هذه الدولة دولتين: هي: التشيك، والسلاف] الهدف منه إيجاد تفاهم بين الشعوب، واتفق على ذلك البَلَدان المذكوران، فلو اشتركت بعض الشعوب الإسلامية في ذلك، وقامت بتمويل كلية إسلامية لكان في ذلك تسهيل للتعاون.[قلت: لقد تم التفاهم بين دول أوربا الغربية ودول أوربا الشرقية حتى أصبحت "أوربا شبه الموحدة!"]



قلت: ماذا ترى عن مستقبل الإسلام في أوربا؟



قال: كوننا ننتظر أن تكون أوربا مسلمة، فيه صعوبة، والذي أراه أن الإسلام سيقوى وينطلق من البلدان الإسلامية، وليس من أوربا، أوربا والغرب عامة أهله ليسوا مسيحيين كما ينبغي، بل هم علمانيون، ولكنهم منذ فترة بدؤوا يتعطشون للدين، بعد أن زالت هيمنة الكنيسة، أصبحوا في حاجة إلى دين، فإذا استطاع المسلمون أن يقدموا للغرب معاني إسلامية مؤثرة في حياتهم، فإن ذلك سيجعل الإسلام يؤثر فيهم تدريجيا [ولكن أكثر القادرين على تقديم المعاني الإسلامية المؤثرة في الغربيين وغيرهم، بتطبيقها في الشعوب الإسلامية التي يقول الدكتور "هلف": إن الإسلام سينطلق منها، كثير منهم يحاربون تلك المعاني، و يحاربون كل من يحاول تقديمها في حدود طاقته!]

قلت: ما الموضوعات الإسلامية التي ترى أنها تؤثر في الأوربي أكثر من غيرها؟



قال: إعطاء الناس هنا ما فقدوه، وهو الإيمان بالإله، وما يتصل بحياتهم الاجتماعية والاقتصادية، حتى يشعروا بفائدته، والصور التي تقدم للأوربيين عن الإسلام اليوم صور مشوهة تنفرهم منه، ولا تحفزهم على الاقتراب منه، وهذا التشويه لصورة الإسلام مقصود، والمسلمون يستطيعون أن يغيروا هذه الصور المشوهة، بتقديم صور صحيحة تنفي ذلك التشويه. [ولكن القادرين على تقديم الصورة الصحيحة للإسلام، غالبهم يتعمد تشويهه في عقر داره!]



قلت: ما العقبات التي تقف أمام انتشار الإسلام في الغرب؟



قال: توجد عقبتان رئيستان:



العقبة الأولى: ابتعاد العالم الغربي عن الإيمان بالدين، والشعوب الغربية مقتنعة بذلك، وهذه العقبة لا تزول إلا بإقناعهم بالدين [يقصد الدين من حيث هو، بما في ذلك الدين النصراني المحرف، لأن الذي يؤمن بدين ما، يمكن أن يؤمن بغير ذلك الدين، إذا علم أن غيره هو الدين الصحيح بالحجج الدامغة، أما الملحد فيصعب إيمانه بأي دين، لأنه قد قرر أن لا إله، وقد يهتدي إذا أراد الله له الهداية ووجد من يقيم عليه الحجة، وأهل الغرب كثير منهم ملحدون من حيث الواقع، وإن زعموا أنهم نصارى]،



العقبة الثانية: انفصال العلم عن الدين، وجعل الدين في جانب والعلم في جانب آخر، بحيث لا يجتمعان



[قلت: وهذا يبين مدى الحاجة إلى نشر بحوث الإعجاز العلمي الموثقة-وليس كل بحث يزعم صاحبه أنه من هذا النوع-لما في ذلك من إقناع الملحدين أو العلمانيين من أن الدين الإسلامي يعتبر العلوم الكونية واستغلال طاقات الكون لعمارة الأرض على ضوء منهج الله، بما يحقق سعادة البشر من أهم مقاصده، وآيات القرآن الكريم دالة دلالة واضحة على هذا المعنى، فالإسلام يحض على العلم النافع مطلقا، سواء في ذلك العلم الشرعي، أو غيره من العلوم التي تستقيم بها حياة الناس، وإذا كان رجال الكنيسة قد زعموا منافاة العلم لتعاليمهم التي نسبوها كذبا وزورا إلى الله، فما ذنب الإسلام الذي يعارض ذلك الزعم الكاذب ولا يقره؟!



وقد وفق بعض العلماء، ومنهم الشيخ عبد المجيد الزنداني العالم اليمني لإقامة مؤتمرات وندوات وحوارات مفيدة مع ذوي الاختصاصات العلمية في علوم الطب والفلك والبحار والجيولوجيا والفضاء، ومن أهم الموضوعات التي كتب لها النجاح علم الأجنة الذي جعل كبار المختصين فيه، يعترفون-مع عدم إسلامهم-أن هذا القرآن الذي جاء بالوصف الدقيق لأطوار الجنين منذ أكثر من أربعمائة عام لا يمكن أن يكون من كلام البشر، وإنما هو من كلام الله، وأن الذي جاء بهذا القرآن لا بد أن يكون رسولا من عند الله، ولهذا فإن لا ينبغي أن يلتفت إلى الذين ينكرون ن على مسيرة الشيخ الزنداني وغيره في هذا الباب، لأنهم لو تعمقوا في منهجه وشروطه التي دونها للبحوث التي يجب أن تكتب على أساسها، وعلموا فائدة ذلك المنهج وأثر نشاطه، لما انتقدوه، بل ربما شجعوه وآزروه، وإذا كان بعض الباحثين لم يلتزموا بمنهج الشيخ وشروطه، فهو غير مسؤول عنهم، إلا إذا علم أنه أقرهم على ذلك، هذا مع العلم أن الشيخ يستفرغ جهده في الاتصال بالعلماء، كل عالم فيما يخصه، علماء التفسير وعلماء الحديث وعلماء الفقه وعلماء الطب وغيرهم... فليتبين المنكِر عليه قبل أن يهجم على مالا علم له به، أو ليدع الميدان لفرسانه.]



وقال الدكتور هلف: لأن التمدن والرقي المادي في الغرب جَزَّأَ التخصص، إلى وحدات علمية، ترتب عليها أن تفسر تلك التخصصات، بعيدة عن الدين، وهذه العقبة ترتب عليها فصل الدين عن الدولة، وهذا بخلاف الإسلام الذي هو دين ودولة، إذ لا يوجد انفصام بين العلم والدين الإسلامي، ولا بد لإزالة هذه العقبة من التطبيق الصحيح للإسلام، ليتبين للغرب أن هذه التخصصات لا تتنافى مع الإسلام.



والحل في الحقيقة يكمن في وحدة المسلمين وإظهار أنهم قدوة حسنة، بحيث يحلون أولا مشكلاتهم، التي منها الفقر، فإذا وجدت هذه الوحدة وحل المشكلات، فإن أهل الغرب سيرون في المسلمين قدوة حسنة، ويتأثرون بهم.



قلت: ما أثر الصراع الإسلامي اليهودي على مستقبل الإسلام في بلاد المسلمين وفي العالم؟



قال: للإسلام مكانة مهمة، ولكن لا بد من تجديد وتقوية في داخل العالم الإسلامي، فإذا قوي الإسلام في داخل بلاد المسلمين، فإنه سيؤثر في العالم. واليهود يرون أنفسهم يواجهون عربا مختلفين، ولذلك تبدو القوة في جانب اليهود، ولو أنهم وجدوا أنفسهم يواجهون عالمَا واحدا لفكروا في تفاهم آخر مع العرب والمسلمين، وهو التفاهم السلمي.



قلت للدكتور هلف: إن تاريخ اليهود يدل على مكرهم وإفسادهم ونقض عهودهم وغدرهم، وهذا يدل على أن التفاهم معهم صعب.



قال: إذا افترضنا أن هذا هو دأبهم، فلا يمكن التفاهم معهم مطلقا، لكن ليس كل الشعب اليهودي كذلك.



قلت: إن تاريخهم مع أنبيائهم ومع البشرية كلها، ومع الرسول صَلى الله عليه وسلم والمسلمين خاصة، على مدار التاريخ يدل على مكرهم وخداعهم ونقضهم العهود والمواثيق، وقد ذكر القرآن الكريم كل ذلك عنهم، وتجارب التاريخ كلها تدل على ذلك، فما من أرض حلوا بها إلا عاثوا فيها فسادا في كل شيء.



قال: هذه مشكلة حقيقة، برغم وجود فئة تحاول التقارب، ولكن هذه الفئة لا نفوذ لها بين اليهود، والحركة الصهيونية ظهرت في أوربا، وهي ترى أن كل شعب لا بد له من موطنه.



قال: وقد زرت إسرائيل اليهود سنة 1973م [وهي السنة التي انتصر فيها رجال التكبير على اليهود وجيشهم الذي لا يقهر! ولكن عملاء اليهود والنصارى حولوا ذلك النصر إلى هزيمة ترتبت عليها مسيرة الاستسلام التي لم تنته بعد!]، في وفد رسمي-قبل الدخول في الإسلام-وقُسِّمَ الوفد إلى عدة لجان متخصصة، منها اللجنة العسكرية، وكنت من أعضائها، وتعرفت على شخص يهودي، يدعى "إلياف" وهو رئيس حزب العمل، ووزير في حكومة "إشكول" وكان هذا الرجل على عكس التيار اليهودي، وقد ألف كتابا دعا فيه إلى التعاون والتفاهم، بين اليهود والعرب، وقال: إنه لا بد أن يسبق التفاهم مع العرب كلهم، التفاهم مع الفلسطينيين، ولم أسمع هذه الفكرة من أحد من اليهود قبل هذا الرجل، حتى إنه قال لي: لو كُنْتَ إسرائيليا هل تنضم معي على هذه الفكرة؟ قلت له: نعم.



مواقف بعض الأحزاب الأوربية من المسلمين في أوربا.



وسألت الدكتور هلف: ماذا تتوقع من مواقف بعض الأحزاب الأوربية من الجاليات الإسلامية في أوربا؟



قال: ليست الكراهية ضد المسلمين فقط، بل هي ضد الأجانب عامة، بسبب كثرة المهاجرين في بعض الدول الأوربية، كفرنسا وألمانيا، لأن الأوربيين يشعرون أن الأجانب يقاسمونهم معيشتهم. والغالب أن الكراهية تصدر من الطبقات الدنيا، ولو أن المسلمين بقوا في بلدانهم لخدمتها وتقويتها لكان أولى.



[قلت: خدمة البلاد وتقويتها تحتاجان إلى استقرار تلك البلدان، واهتمام حكامها بالخدمة والتقوية، وغالب بلدان المسلمين غير مستقرة، وحكامها وأحزابها يتصارعون على السيطرة على كراسي حكمها، والقوي فيها يأكل الضعيف، وخدمة البلاد وتقويتها منسيان في حقيقة الأمر، وإن طبَّلت وسائل الإعلام فيها بخلاف ذلك، والمهاجرون المسلمون إلى بلاد الغرب، لو علموا أنهم سيمكنون من خدمة بلادهم ويعيشون فيها آمنين أعزة، لما بقوا في بلاد الغربة صابرين على الإهانات التي يرونها أخف عليهم من إهانات المتسلطين على رقاب شعوبهم، مع أن كثيرا من المهاجرين لديهم كفاءات وخبرات يستفيد منه الغرب، وبلادهم في أمس الحاجة إليها.]



قال: وكثرة المهاجرين هي التي تجعل بعض الأحزاب تكرههم، والألمان الآن يظهرون تعاطفا مع المهاجرين من الاتحاد السوفييتي -سابقا-لقلتهم، ولو كثروا لقل هذا التعاطف معهم. والمهم هو أن يندمج المسلمون في المجتمع، مع تمسكهم بالإسلام، لأن الصداقات تخفف من الكراهية.



[قلت: المسلمون في الغرب ينقسمون-من حيث الاندماج في المجتمعات الغربية وعدمه-ثلاثة أقسام:



القسم الأول: اندمج في المجتمع الغربي اندماج ذوبان وانسلاخ من دينه وأخلاقه الإسلامية، وأصبح غربي المعتقد والسلوك-ولم يبق معه من الإسلام إلا الاسم-وهذا ينطبق على كثير من أفراد الجيل الأول من العمال وذريتهم.



والقسم الثاني: خاف على دينه وعقيدته، وأحس أنه لا يجيد السباحة في بحار المجتمع الأوربي، فقرر الانزواء، والغالب عدم نجاحه في هذا الانزواء، لأنه لا يحصل على لقمة عيشه إلا بالاختلاط بالمجتمع، ولكن شعوره بالخوف على دينه، وقلة اختلاطه بالمجتمع الأوربي في غير وقت العمل، يقلل من ذوبانه في المجتمع الأوربي ويحفظ له بعض عباداته وأخلاقه.



والقسم الثالث: عرف كيف يسبح في بحار المجتمع الأوربي وينجو من الغرق، وإن أصابه بلل، وغالب هذا القسم من الطلاب والمثقفين الصالحين، وقد يؤثر في بعض أفراد المجتمع الأوربي، وهذا القسم هو الذي أزعج الأوربيين الذين ما كانوا يتوقعون أن يبقى أحد من المسلمين في أوربا خارجا عما يسمونه بالتأقلم، ولذلك اشتدت حملاتهم على هذا القسم، ووصفه بالمتطرف، وما معركة الحجاب في فرنسا إلا أحد الأدلة على ذلك.]



قلت للدكتورهلف: ما سبب تأليفك كتاب [الإسلام قوة عالمية؟]



قال: هناك سببان:

السبب الأول: أني بعد إسلامي، أردت أن أظهر ما فهمته من حقائق الإسلام للألمان...



السبب الثاني: أنني أردت إظهار فكرة التعاون بين الشعوب.



وسألته عن أثر الكتاب في الدولة الألمانية، والشعب الألماني؟



فقال: لا أدري، لأن رجال الدولة لا يقرؤون كثيرا، ولكن الكتاب طبع منه مرة واحدة عشرون ألف نسخة، وقد نفد منذ سنة واحدة، ويراد طبعه من جديد، والناس يطلبونه كثيرا، وبخاصة بعد أزمة الخليج. [ورب ضارة نافعة، كما يقال!]



وسألته عن إمكان ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية؟



فقال: إن تعريبه في ألمانيا صعب، لأنه يحتاج إلى إمكانات. [بلغني أن الكتاب ترجم إلى اللغة العربية]



ويرى الدكتور "هلف" أنه ينبغي إنشاء جامعة إسلامية في أوربا، ولكنها تحتاج إلى دولة تمولها.



ولما كان من أهم أهداف الدكتور هلف تعاون الشعوب وتفاهمهم، فقد ختم كلامه بقوله: إن القيصر قبل ثمانية قرون، كان يملك المنطقة الواقعة بين ألمانيا وتشكوسلوفاكيا، وكان عنده اتجاه لإيجاد التفاهم بين الشرق والغرب، وكان حراسه من العرب.



وهنا ملحوظات:



الملحوظة الأولى: أن الرجل يبدو عليه صدق اللهجة، وقوة الإيمان، ولا نزكي على الله أحدا، وإرادة الخير والنصح للمسلمين.



الملحوظة الثانية: يبدو من الملخص العربي لمقدمة كتابه، أنه نصح المسؤولين في ألمانيا والشعب الألماني-والأوربيين بصفة عامة- أن يعاملوا المسلمين معاملة طيبة، يغلب فيها التعاون والتفاهم للوصول إلى مصالح مشتركة للجانبين، بدلا من محاولة السيطرة والتسلط.



الملحوظة الثالثة: موقفه الواضح الناصح، فيما يتعلق بالحلول التي يجب أن يتخذها المسلمون، للخروج من الضعف والذل الذين أحاطا بهم، وأساس تلك الحلول التمسك بدينهم واجتماع كلمتهم على الحق، وأنهم لا يمكن أن ينتصروا على اليهود إلا بذلك.



الملحوظة الرابعة: ليت بعض المؤسسات الإسلامية-من الجامعات ومراكز البحث العلمي والنوادي الأدبية-تهتم بترجمة كتابه ترجمة صحيحة إلى اللغة العربية، بعد تقديم تقرير عنه من ذوي الثقافة الإسلامية المجيدين للغة الألمانية واللغة العربية، وتصحيح ما قد يكون في حاجة إلى تصحيح، بالاتفاق مع الكاتب، لينشر الكتاب بين المثقفين العرب، وبخاصة المنافقين منهم، ليطلعوا على الكنز الغالي الذي منحهم الله، فتعمدوا إضاعته، بل تعمد كثير منهم محاربته، وقد اكتشف عظمته رجال لم يكن للدين عندهم قيمة، بل إن كثيرا ممن عرفوا تلك العظمة وآثروها على غيرها من المال والجاه والمنصب، وصبروا على الأذى والمحن والجفاء من أهل بلدهم، كانوا ملحدين، ولم يكونوا يوما من الأيام يظنون أنهم سيصبحون أهل دين، وبخاصة هذا الدين الذي لم يشوه في أذهانهم أي دين أو مبدأ كما شُوِّه، وهاهم أصبحوا ينصحون دولهم وشعوبهم بتفهم هذا الدين وما فيه من مزايا، تنير الدروب المظلمة التي يسيرون فيها في أواخر القرن العشرين!



وليت القادرين من المسلمين يساعدون في طباعة مثل هذا الكتاب بلغته وباللغات الأجنبية الأخرى، وبخاصة الفرنسية، الإنجليزية–بعد تزكيته من أهل الاختصاص، أو تصحيح ما يحتاج إلى تصحيح- لأن المؤلف يخاطب قومه بما يمكن أن يؤثر فيهم تأثيرا يفوق تأثير غيره من الكتاب من خارج أوربا.



الملحوظة الخامسة: ينبغي أن تكرم المؤسسات الإسلامية هذا الرجل المغمور، الذي لم ينل الشهرة التي نالها من لا يدانيه في فهم الإسلام والتمسك به، ونال على أساس تلك الشهرة التكريم والإطراء، وهو لا يستحق شيئا من ذلك، بل نال ذلك التكريم من بعض المؤسسات الإسلامية من ليس بمسلم، بسب بعض الثناء على العرب وعلومهم.



الملحوظة السادسة: يبدو لي أن الشعب الألماني، من أفضل الشعوب الأوربية، تعقلا وتفهما للإسلام وإنصافه، لو توفر له من يجتهد في تبليغه هذا الدين، تبليغا واضحا، ووجد في المسلمين القدوة الحسنة في تطبيق الإسلام، لعدة أمور:



الأمر الأول: الصلة القديمة بين بعض زعماء هذا الشعب وبين زعماء العالم الإسلامي، كما ذكر الدكتور "هلف" عن القيصر الألماني.



الأمر الثاني: أن بعض رجال هذا الشعب ونسائه أنصفوا الإسلام، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، كالأديب المشهور "غوتة" الذي أثرت في شعره الآيات القرآنية، ووسيرة الرسول صلى الله عليه وسلمْ، في القرن الثامن عشر، ومثل الفيلسوفة "زغرد هونكه" صاحبة: كتاب: "شمس الله تسطع على الغرب" وكتاب: "الله ليس كذلك" وغيرها من الكتب، وهي غير مسلمة، في عصرنا هذا، وكسفير ألمانيا السابق في المغرب دكتور "هوفمن" -وهو مسلم- وكتبه واضحة في ذلك، والدكتور "هلف" صاحب هذا الحوار.

ويبدو أن في السياسة الألمانية المعاصرة نوعا من المرونة مع المسلمين-في حدود ما يظهر لهم من معاملة المسلمين- وما تشددهم -غالبا-إلا عندما يرون تشددا من بعض المنتسبين للإسلام المخالفين لكثير من أحكامه وآدابه -في حسن المعاملة- مع الناس.





السابق

الفهرس

التالي


15331462

عداد الصفحات العام

3595

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م