﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(031)أثر تربية المجتمع-من مظاهر الولاء والبراء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

(031)أثر تربية المجتمع-من مظاهر الولاء والبراء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
سبق ذكر الآيات والأحاديث الدالة على وجود الفتن بين المسلمين، إذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بينهم، مثل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)} [الأنفال]



قلت: والأحاديث الصحيحة شاهدة لذلك، كما قدمنا طرفاً منها. ومن أوضح الأحاديث تفسيراً لهذا المعنى حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء، مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم، نجوا ونجوا جميعا) [البخاري (3/111) والترمذي (3/470).].



فالذين يخرقون الخرق ليسوا كل ركاب السفينة، وإنما بعضهم، وفي نصيبهم وليس في نصيب الآخرين، وقد يكون قصدهم حسناً، وهو عدم إيذاء جيرانهم، ولكن الهلاك لم يقتصر على من باشر الخرق، وإنما هو عام لكل ركاب السفينة، وهكذا فاعلوا المنكر قد يظن من لم يفعل المنكر مثلهم، أنه سينجو من العقاب الذي ينزله الله بهم، ولو سكت عن منكرهم فلم ينكره، ولكن العقاب النازل بسبب فعلهم لا يخصهم، وإنما يعم معهم غيرهم، لعدم قيام المجتمع بتغيير ذلك المنكر.



ففي حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال: أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ(105)}[المائدة]. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم بعقاب منه) [الترمذي (4/467) وقال هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (2/1397).].



وبين حديث حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، أن الله تعالى إذا عمَّ الناس بعقاب من عنده بسبب تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يستجيب دعاءهم لرفع ذلك العقاب عنهم.



فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) [الترمذي (4/468) وقال: هذا حديث حسن.].



وفي هذا دليل على شدة غضب الله على المجتمع الذي لا يُؤمَر فيه بالمعروف ولا يُنهَى فيه عن المنكر، وذلك أن الله يسلط بعض أفراد هذا المجتمع على بعض، في الاعتداء على الأنفس والأموال والأعراض فيفقدون بذلك الأمن.



هذا عدا ما قد ينزله الله به من القحط والغلاء، والأوبئة والكوارث الأخرى التي تزلزل حياته، ومنها تسليط عدوهم عليهم كما حصل في الماضي وهو يحصل الآن في عقر ديار المسلمين.



وعقاب الله تعالى للأمم التي لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر، سنة ماضية لا تتخلف، لأن الأمة التي ترضى بانتشار الفساد فيها، أمة غير صالحة لعمارة الأرض بعبادة الله.



كما روى أبو عبيدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بني إسرائيل، لما وقع فيهم النقص، كان الرجل يرى أخاه على الذنب، فينهاه عنه، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ونزل فيهم القرآن). فقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(81)} [المائدة].



قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، متكئاً فجلس، وقال: (لا، حتى تأخذوا على يد الظالم، فتأطروه على الحق أطراً) [أحمد (1/391) وأبو داود (4/508) وابن ماجة (2/1327) والترمذي (5/252) وقال: هذا حديث حسن غريب. ومن عدا ابن ماجة رواه عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، أما ابن ماجة فرواه عن أبي عبيدة مرسلاً، وأشار إليه الترمذي.].



ومن ذلك وعيد الرسول صلى الله عليه وسلم، الشديد، لتارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإخباره ببعده عن صف المسلمين، الذين لا يتحقق ولاؤهم بغير هذه الوظيفة، روى ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر) [الترمذي (4/322) وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال المنذري في الترغيب والترهيب: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.].



وإذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غلب الشرُّ في المجتمع الخيرَ، وإذا غلب الشرُّ الخيرَ لم يعد المجتمع مستحقاً للحياة السعيدة الآمنة، بل أصبح مستحقاً للهلاك والدمار.



روت زينب بنت جحش، رضي الله عنهما، قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل عليها فزعاً، يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)، وحلق بإصبعيه: الإبهام والتي تليها، قالت زينب ابنة جحش: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث) [البخاري (4/109).]. وما أكثر الخبث اليوم في الأرض.



وبين صلى الله عليه وسلم، حقارة من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر، عند الله وعند نفسه كذلك، سواء كان فرداً أم جماعة، وحقارة المجتمع أشد من حقارة الفرد؛ لأن الفرد يمكن أن يقوِّمه المجتمع ويستر عيوبه، أما المجتمع فإن تقويمه صعب وعيوبه شاملة ظاهرة.



روى جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: لما رجعتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهاجرةُ البحر [يقصد مهاجري الحبشة لأنهم سافروا عن طريق البحر.]. قال: (ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟) قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس، مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم، تحمل على رأسها قُلَّةً من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يده بين كتفيها، ثم دفعها، فخرت على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه، فقالت: سوف تعلم يا غُدَر، إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غداً. قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدقَتْ صدقتْ، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم) [ابن ماجة (2/1329) قال المحقق في الزوائد إسناده حسن.].



أي أن الله عز وجل لا يكرم أمة يهين فيها القويُّ الضعيف، وإنما تقتضي حكمته وعدله إهانة تلك الأمة وتحقيرها.



وفي حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحقر أحدكم نفسه) قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: (يرى أمر الله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله عز وجل له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فِيَّ كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنتَ أحق أن تخشى) [ابن ماجة (2/1328) قال المحقق في الزوائد إسناده صحيح.].



دل الحديث أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عزيز كريم، لقيامه بأمر الله تعالى وعدم خشية سواه، وأن القاعد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حقير ذليل لعدم قيامه بأمر الله وخشيته سواه.



وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرجل أن تمنعه مخافة الناس من قول كلمة الحق كما روى أبو سعيدـ أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام خطيباً، فكان فيما قال: (ألا لا يمنعن رجلاً هيبةُ الناس أن يقول بحق إذا علمه) قال: فبكى أبو سعيد، وقال: قد والله رأينا أشياء فهبنا. [أي خفنا، رواه ابن ماجة (2/1328).].





السابق

الفهرس

التالي


15331626

عداد الصفحات العام

3759

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م