﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(021) سافر معي في المشارق والمغارب

(021) سافر معي في المشارق والمغارب



مواقف الأسر الإمبراطورية من الإسلام والمسلمين:



سنشير هنا إلى أهم الأسر الإمبراطورية التي تزامنت مع البعثة النبوية، وما تلا ذلك من الزمن، أما الأسر الحاكمة قبل ذلك فلا داعي لذكرها، إلا من حيث معرفة علاقة العرب بالصين قبل الإسلام، وقد سبق الكلام على ذلك ـ إجمالاً. وسبق ذكر رواية بعث الرسول صلى الله عليه وسلم "سعد ابن أبي وقاص" رضي الله عنه، إلى الصين في عهد الإمبراطور الأول من أسرة: "صي Sui " الملقب بـ"وِن تي Wen Ti " في سنة 587م، وأن هذه الرواية محض كذب وافتراء، لمخالفتها واقع التاريخ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُبعث إلا في سنة 610م أي بعد التاريخ المذكور بثلاث عشرة سنة.


المسلمون في عهد أسرة: تانغ Tang: (618م ـ 907م):



ولهذا كانت أول الأسر الإمبراطورية التي تولت الحكم في بداية البعثة النبوية، هي أسرة "تانغ Tang " في سنة 617م بعد انقراض أسرة "صي Sui" وبعد البعثة الشريفة بست سنوات. ويرى بعض المؤرخين أن تولي أسرة: "تانغ Tang " بدأ في سنة 618م، ولعل السبب في هذا الاختلاف ـ وهو يسير، تقارب الزمن بين انتهاء أسرة "صي Sui" وابتداء حكم أسرة "تانغ Tang " [راجع كتاب: الصين ـ تأليف: تشين شي (ص: 13) وكتاب الإسلام في الصين، لفهمي هويدي (ص: 40)].. كان أول عاهل من هذه الأسرة هو: "تانغ كاو جو Tang Kao Tzu " الذي امتد نفوذه السياسي إلى سمرقند وبخارى.. وكان قائداً عسكرياً شجاعاً...



وفي عهده وقعت حوادث خطيرة في البلاد العربية، كانت ذات تأثير بالغ في سياسة العالم: منها: بعثة الرسول صلى الله عليه وسم، التي سبقت تَوَلِّيَ هذا الإمبراطور بسنة واحدة أو أقل. ومنها خلافة أبي بكر رضي الله عنه، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسم، وما أعقبها من حروب الردة. ثم خلافة عمر رضي الله عنه، والفتوحات الإسلامية التي كان من أهم آثارها سقوط الدولة الكسروية، وغير ذلك من الحوادث. [راجع كتاب العلاقات بين العرب والصين (ص: 30 ـ 32)، لبدر الدين الصيني.



أحداث إسلامية بارزة حصلت بعد البعثة في عهد هذه الأسرة:

وتتلخص هذه الأحداث فيما يأتي:



1 ـ قضاء الجيش الإسلامي على آخر ملوكِ الساسانيين "كسرى يزدجرد" واستنجاده بملك الصين واعتذاره إليه، وكان ذلك في عهد عمر رضي الله عنه. 2 ـ الوفود الإسلامية الرسمية إلى الصين، وكان أولها الوفد الذي بعثه الخليفة الثالث "عثمان رضي الله عنه" وما تلاه من الوفود التي بلغت سبعة وثلاثين وفدا. [الإسلام في الصين (ص: 47)]. 3 ـ وفد الدعوة والجهاد الذي بعثه قتيبة بن مسلم، رحمه الله. 4 ـ الكتيبة التي أنجد بها المنصور أحد أباطرة هذه الأسرة، عندما خرج عليه بعض ولاته. 5 ـ إنشاء المستوطنات التجارية للمسلمين، على ساحل الصين الجنوبي الشرقي للمسلمين، وأماكن أخرى لسكن المسلمين الوافدين عن طريق البر من التجار أو الوفود الرسمية إلى العاصمة "تشانغ آن" [سبق الكلام على هذه الأحداث بشيء من التفصيل، وذكر المراجع المستقاة منها].



وكانت العلاقات بين هذه الأسرة وبين المسلمين من العرب والأويغور وغيرهم علاقات احترام وتعاون في الغالب، وكان لنجدة المسلمين لبعض ملوكها على الخارجين عليه أثر طيب جداً، وإن كان قد شاب هذه العلاقة ما كدَّرها بسبب سوء تفاهم بين المسلمين وبعض كبار الموظفين الصينيين، سرعان ما قُضِيَ عليه وعادت المياه بينهم إلى مجاريها. [العلاقات بين العرب والصين (ص: 41 ـ 43)].



المسلمون علي عهد أسرة سونغ Sung (960 ـ 1279):



يوجد خلاف في بداية تواريخ الأسر ونهايتها بين الكتاب ـ أحياناً ـ وعلى سبيل المثال ذكر الشيخ محمد مكين تاريخ هذه الأسرة هكذا: (960 ـ 1275) بنقص أربع سنوات في النهاية، كتاب: نظرة عامة إلى تاريخ المسلمين في الصين (ص: 45)، وعند الشيخ بدر الدين حيّ، هكذا (950 ـ 1277) بنقص عشر سنوات في البداية، وسنتين في النهاية، كتاب: تاريخ المسلمين في الصين (ص: 18).



والظاهر أن من أسباب هذا الاختلاف أن بعض الكتاب يؤرخ بقيام أسرة "سونغ Sung" الشمالية التي كان حكمها مبكراً، فيكون التاريخ الذي يعتمده متقدماً، وبعضهم يؤرخ بقيام أسرة سونغ في الجنوب التي كان حكمها متأخراً، فيكون التاريخ الذي يعتمده متأخراً أيضاً، كما فصل ذلك (شِي يْوان) المذكور أعلاه. [ولا يزال في النفس شيء من اختلاف تواريخ الأحداث الصينية!].



هناك خمس أسر من الأسر الإمبراطورية الحاكمة تولت الحكم مدة قصيرة في الفترة: من 907 إلى 960م يغفل الكتاب عن المسلمين في الصين ذكرها، ويبدو أن السبب تعاقبها السريع على الحكم، مما جعل أثرها غير ذي بال في مسيرة المسلمين في الصين. [راجع كتاب: الصين (ص: 13)، تأليف: تشين شي، وكتاب: موجز أحوال الصين (ص: 42)، تأليف ـ تشي ون. ثم رأيت في كتاب: بهجة المعرفة ـ المجموعة الثانية (4/ 58) النص الآتي الدال على ما ذكرت: (تلت عهد أسرة "تانغ Tang " حقبة تدعى (عهد الأسر الحاكمة الخمس). وذلك بين 907 و960. إذ أخذت الدول، كما يقول شاعر صيني: تنشأ وتزول كما تذوب الشموع في الريح). الناشر: الشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان]. كان وضع المسلمين في الصين في عهد هذه الأسرة شبيهاً بالوضع في عهد أسرة "تانغ Tang " من حيث احترامهم للمسلمين وإفساح المجال لتُجَّارهم، بل كان نشاط المسلمين التجاري في عهد أسرة "سونغ Sung" أوسع منه في عهد أسرة "تانغ Tang" وكذلك العلاقات السياسية وكثرة الوفود الرسمية، وزيادة عدد المسلمين، ومنحوا امتيازات كبيرة جداً حتى في شئونهم السياسية.



قال الشيخ محمد مكين: (ورد في مختصر تاريخ الشرق أنه كان في أسرة "سونغ Sung ".. عينت في مواني الصين مناطق خاصة بالجاليات الإسلامية، فيها جوامع وفنادق وأسواق، والإمام يتولى الأمور الدينية المحضة، والقاضي يحكم بين المتحاكمين، ووظيفة الإمام والقاضي مخصوصة بالعرب. وعلى ما جاء في مذكرات بعض الأدباء الصينيين في ذلكم العصر، كان ملك الصين عين على المنطقة الإسلامية رئيساً مسلماً، ليقوم بإدارة شئونها السياسية والتجارية والدينية، وإذا كان المتخاصمان مسلمين، قضى بينهما بالأحكام الإسلامية، وإذا كان أحدهما مسلماً والآخر صينياً قضى بينهما بالأحكام الصينية، فكان للمسلمين في بلاد الصين امتيازات خاصة..) [راجع نظرة جامعة إلى تاريخ الإسلام في الصين (ص: 54)].



تنبيه:



من مصلحة المسلمين في البلدان غير الإسلامية أن يكونوا متقاربين في السكن، ليتعاونوا على إقامة حياتهم على مبادئ دينهم، كإقامة صلاة الجماعة في المساجد، وتعليم العالم منهم الجاهل، وليتناصحوا فيما بينهم، ويُعاد مريضهم ويحضروا جنازة ميتهم... ولكن الذي يظهر أن تخصيص الصينيين حارات خاصة بالأجانب تقليد متبع وهدفهم منه عزل الأجانب - قدر الاستطاعة - عن الاختلاط بأهل البلد لئلا يتأثروا بعقائد الأجانب وعاداتهم، وقد استمر الصينيون على هذا التقليد مع الدبلوماسيين والطلاب وغيرهم، ولكنهم اضطروا في الفترة الأخيرة إلى نوع من الانفتاح، وسيأتي الكلام عن عزلة الصين عن العالم.



وقال في ذلك شِي يْوان: (شهد انتشار الإسلام في عهد"سونغ" تطوراً جياشاً عن طريق التجارة البحرية، لا سيما أن أسرة "سونغ" شجعت التجارة الخارجية، فقد نشأت علاقات تجارية بين أسرة "سونغ" الشمالية (960 ـ 1127) وبضعة عشر بلداً، وكان التجار العرب في مقدمة الوافدين إلى الصين.



أما في عهد أسرة "سونغ" الجنوبية (1227 ـ 1279) فقد بلغت التجارة البحرية الصينية ذروة ازدهارها، إذ نسجت الصين علاقات تجارية مع أكثر من خمسين بلداً ومنطقة، وكان التجار العرب يحتلون مكانة هامة، وكان معظمهم من المسلمين مما أدى إلى انتشار الإسلام وتطوره في الصين. في عهدة أسرة "سونغ" لم يزدد عدد المسلمين الصينيين فحسب، بل شكلوا قوة لا يستهان بها، تركت آثارها وسجلت مآثرها في مجالات السياسة والثقافة والاقتصاد)
[المسلمون الصينيون ـ أسئلة وأجوبة ـ (ص: 2). دار النشر باللغات الأجنبية ـ بكين، سنة 1991م. راجع أيضاً كتاب حاضر العالم الإسلامي ـ لجميل المصري (ص: 565)]. أما الوفود العربية الإسلامية الرسمية التي بعثها حكام المسلمين، إلى ملوك الصين في عهد هذه الأسرة، فقد بلغ عددها (49) تسعة وأربعين وفدا. [الإسلام في الصين (ص: 52). فهمي هويدي].



ثناء أسرة سونغ على الرسول صلى الله عليه وسم وعلى دينه:



ومما يدل على احترام حكام هذه الأسرة للإسلام والمسلمين، أمر الإمبراطور الصيني ببناء الجامع الأعظم في العاصمة القديمة "تشانغ آن" ويطلق عليها الآن: "شيئان" والثناء الذي سجله على الحجر التذكاري لبناء الجامع، مراقبُ البلاط الملكي على الرسول صلى الله عليه وسم.



قال الشيخ محمد مكين، رحمه الله: (نُصِبَ سنة 742م في الجامع الأعظم الذي بني بأمر الملك في "سيانفو Sianfu" [غالب الكتاب الصينيون يكتبون اسم هذه المدينة بالحروف العربية هكذا "تشانغ آن" وهو يخالف ما كتب هنا [محمد صلى الله عليه وسم].



(عاصمة الصين القديمة، نُصُبٌ تذكاري حجري، حُفِرَ عليه مذكرة لمراقب البلاط الملكي "وانغ هونغ Wang Hung " جاء فيها: (إن حكيم العرب محمد صلى الله عليه وسلم) ولد بعد حكيم الصين "كونفوشيوس" ونشأ في جزيرة العرب، فكانت الفترة بينهما طويلة، والمسافة بين القطرين بعيدة، فما اتفقت سنتاهما مع اختلاف لغتيهما إلا لأن قلبيهما متحد، فاتحدت سنتاهما، وقد مضى الحكيم. [قصده أن الرسول صلى الله عليه وسم قد مات]. ولكن آثاره مازالت باقية علمنا منها أنه ولد عبقرياً يعلم أسرار السماوات والأرض، وأخبار الدنيا والآخرة، وعلَّم أتباعه أن يطهروا أبدانهم بالوضوء والغسل، ويربوا أرواحهم بكسر الشهوات، ويروضوا نفوسهم بالصيام، ويجتهدوا في الخير، ويبتعدوا عن المنكر، ويعاملوا الناس بصدق النية والوفاء، ويتعاونوا على عقد الزواج وتشييع الجنازة، وبالجملة ما من أصل من أصول المجتمع الإنساني إلا وقد أثبته، وما من قاعدة من قواعد الصحة والأخلاق إلا وقد شيدها) [نظرة جامعة إلى تاريخ الإسلام في الصين (ص: 21)].



تعقيب:



هكذا قاس ملك الصين محمداً صلى الله عليه وسم، على كونفوشيوس الذي لا يوجد عندهم من يجلونه مثله، ولا يعلمون من أتاهم بمبادئ العدل والرحمة وحب الخير مثله، وهو قياس مع الفارق البعيد بين الرجلين، فمحمد صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله، وكل ما جاء به من تشريع فهو من عند الله، بخلاف كونفوشيوس الذي لم يدع النبوة هو لنفسه، ولم يكن يدع الناس إلى الإيمان بوجود خالق ولا باليوم الآخر، بل كان ينصح أتباعه بعدم الخوض في ذلك، ولكنه هو المثل الأعلى عند الصينيين الذين اتبعوه، فلا غرو أن يجعلوه مقياس دعاة الخير، وبخاصة عندما يرون شيئاً من توافق دعوة الرجلين ـ في الجملة ـ إلى الأخلاق الفاضلة والرحمة والعدل.



وقال جميل المصري عن حالة المسلمين في عهد أسرة "سونغ": (في عهد هذه الأسرة بلغت قوة المسلمين ونفوذهم حداً جعل حكام تلك الأسرة يقرون المسلمين على من يختارون من ولاة المسلمين عليهم، وأصبحت لهم حقوق وامتيازات خاصة، فتولوا المناصب التي تتطلب أمانة كبيرة، ومن ذلك أنه عندما اسْتُحْدِثَ منصبُ مدير عام الملاحة في مدينة "كانتون" كان هذا المنصب قاصراً على المسلمين وحدهم، ولكنهم بقوا في عزلة عن الصينيين، شيدوا لهم أحياء خاصة في كل مدينة كبيرة وميناء بحري، وأسست لهم مساجد ومدارس خاصة. وأدى نشاط المسلمين التجاري إلى إنعاش الاقتصاد الصيني، فتمتعت جاليات المسلمين بتأثير كبير في المجتمع الصيني، وازدهرت "كانتون" و"تشوان شو" كمنطقتين إسلاميتين، ومن أشهر الآثار الإسلامية مسجد "ذكرى النبي" صلى الله عليه وسلم في "كانتون" [حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة (ص: 565) ,سيأتي الكلام على المساجد في مكانه].









السابق

الفهرس

التالي


15334269

عداد الصفحات العام

2326

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م