﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(07)قواعد في تزكية النفس

(07)قواعد في تزكية النفس

القاعدة السابعة: العناية بالأساس

سبق أن الله تعالى جعل القلب هو الذي يسيطر على بدن الإنسان وجوارحه كلها، وأن هذا الإنسان لا ينطق، ولا ينظر ولا يتحرك أي عضو من أعضائه، إلى أي قول أو فعل، سواء كان خيرا أو شرا، نافعا أو ضارا، إلا إذا أمره القلب بذلك، فالقلب يريد ويعزم ويأمر، والأعضاء تنفذ إرادته وعزمه وأمره: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، وهي القلب).

إذا كان الأمر كذلك، فكيف يتمكن الإنسان، من السيطرة على أعضائه وجوارحه، لتكون حركاتها، نافعة له في الدنيا والآخرة، وليست ضارة له فيهما؟ الجواب الذي لا جواب غيره، هو أن يتجه الإنسان إلى الأساس الذي يمَلك تلك الجوارح ويطوعها كيفما أراد وكيفما يهوى وهو "القلب"، بل كما يريد قرينه – الشيطان - الذي استعبد ذلك القلب، فأصبح مملوكا له، يخضع لوساوسه، ويتبع خطواته لأنه من أوليائه، وليس من أولياء الله.

أقول: على الإنسان أن يتجه إلى ذلك القلب، ويجاهده حتى يستنقذه من عدوه الشيطان، ويتخذ من الأسباب والعوامل، ما يجعل قلبه عبدا لملك الملوك الذي لا إله إلا هو الملك المطلق، والرب الودود الرحيم، الذي أنزل كتابه، وأرسل رسوله، رحمة لعباده، وشفاء لما في صدورهم، فلا يأمرهم إلا بما ينفعهم في الدنيا والآخرة، ولا ينهاهم إلا عما يضرهم فيهما.

وهنا يجب أن يبدأ باجتثاث آثار الرجس الذي حواه قلبه من إغواء الشيطان، من المعاصي والفسوق والعصيان، سواء تعلقت بحقوق الله من أمراض القلب، كالإشراك بالله كبيره و صغيره "الرياء" أو بجرائم الجوارح، كالزنا وشرب الخمر وترك ما افترضه عليه، كأركان الإسلام وفروعها الواجبة، أو تعلقت بحقوق الإنسان، من أقربائه "كوالديه" وجيرانه، وزملائه في أعماله الوظيفية، وشركائه في الصفقات التجارية وغيرها، أو غيرهم، ممن اعتدى على حق من حقوقهم، كل تلك الموبقات التي ارتكبها في حال فسقه، يجب أن يزيلها بالمطهر الشرعي الذي منحه الله تعالى، لتطهير القلوب من قاذورات المعاصي، مهما عظمت، وهي:

التوبة إلى الله

ذلك المطهر هو التوبة الصادقة التي كثر ذكرها في القرآن والسنة النبوية، فإنها إذا توفرت شروطها في التائب جبت كلَّ مااكتسبه من الجرائم، وأعظمها جريمة الكفر الأكبر، ومن أمثلة التوبة عن الكفر في القرآن، قوله تعالى:{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)} [آل عمران] وكذلك قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146)} [النساء]

يلاحظ الفرق بين ما ذكر في توبة الكافرين، وما ذكر في توبة المنافقين: قال تعالى في توبة الكافرين: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} أي تابوا من كفرهم، والتوبة من الكفر هي ترك عبادة غير الله، وإخلاص عبادتهم له تعالى وحده، ثم {أصلحوا} أي عملوا ما كلفهم الله من الأعمال الصالحة في كتابه وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء كفرهم ظاهر، ومفارقتهم للمؤمنين الصريحة واضحة لا خفاء بها، يكفي أن يعلنوا توبتهم عن الكفر، وعملهم بمقتضاها.

أما المنافقون، فإنهم يظهرون للمسلمين أنهم منهم، ويعاملون، في الدنيا معاملة المسلمين في كل شيء، ما عدا مناصب الولايات، إذا ظهرت عليهم قرائن النفاق، وبسبب خداعهم للمسلمين بذلك، قال تعالى في توبتهم: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} زاد هنا اعتصامهم بالله، وإخلاص دينهم له، لعل في ذكر هذين الأمرين في توبتهم – وهما مطلوبان من الكفار الصرحاء في كفرهم أيضا – أن المنافقين – كما ذكر الله عنهم – يخادعون المؤمنين، فيظهرون لهم أنهم منهم، وهم كاذبون، يتعاونون مع أعدائهم من أهل الكفر، فهم لا يصدقونهم فيما يدعون من الإسلام، فيحتاجون أن يقيموا البرهان والحجة، على تحولهم من المخادعة، إلى الصدق في إسلامهم، بما يدل على اعتصامهم بالله، وإخلاص الدين له، ومعرفة الصادق من الكاذب، تعرف بقرائن أحوالهما. والله أعلم.

ومن أمثلة التوبة في القرآن: توبة العلماء عن كتمان العلم، الذي كلفهم الله تبليغه للمحتاجين إليه، قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} [البقرة]

وأعظم من كتمان العلم، الفتوى بالباطل كما كان علماء أهل الكتاب يفعلون، وكما يفعله كثير من علماء المسلمين اليوم، في كثير من بلدانهم، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)} [آل عمران] أو لبس الحق به، كما قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)} [آل عمران].

فإصلاح كل مذنب نفسه، بترك ذنبه الذي تاب منه، مطلوب من كل التائبين من ذنوبهم، ثم إظهار ذلك الإصلاح بالعمل المخالف لعمله القديم الذي عصا الله به، لا بد منه في توبته، وهو في العلماء الذين كتموا العلم أو لبسه بالباطل، البيان، ولهذا قال هنا: {أصلحوا وبينوا}

ومن أكبر الكبائر التي يطهر الله تعالى قلوب مرتكبيها بالتوبة، قطع السبيل على الناس، الذي يكون سببا في التضييق عليهم، والحول بينهم وبين قضاء حاجاتهم، سواء كان ذلك في المدن والقرى، أو في الفيافي والقفار، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} [المائدة] فتوبتهم مع قبول الله لها، تسقط عنهم العقوبة في الدنيا والآخرة، إذا حصلت قبل قدرة الجماعة على القبض عليهم، كما هو واضح في النص.

ومن الكبائر التي يقبل الله التوبة منها: رمي العفيفين والعفيفات، بجريمة الزنى، بدون إقامة البينة الشرعية التي نص الله تعالى عليها، في قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} [النوور] والآيات في قبول التوبة من كل ذنب كثيرة.

وإن من رحمة الله تعالى بعباده، أن يقبل توبتهم من جميع ذنوبهم، ليطهر قلوبهم ونفوسهم، ويجعلهم أهلا لمغفرته وفضله، وقد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يأخذ ممن أذنب من المسلمين صدقاتهم التي أرادوا بها تكفير ذنوبهم، لتطهيرهم منها، وتنمية إيمانهم به، وأمره أن يدعو لهم، لتسكن قلوبهم وتطمئن بقبولها، وتثبيت الله تعالى لهم على هداه، فقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)} [التوبة]

وهو تعالى فوق ذلك القبول والتطهير والتزكية بالتوبة، والدعاء لهم، شديد الفرح بتوبتهم إليه، كما في حديث ابن ابن مسعود الذي رواه عنه الحارث بن سويد، قال: "دخلت على عبدالله أعوده وهو مريض. فحدثنا حديثين: أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر عن نفسه، قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال به هكذا.

قال أبو شهاب بيده فوق أنفه، ثم قال: (لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده). [البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري]

قال الحافظ في الفتح عند شرحه للحديث: "قوله بيده على انفه هو تفسير منه لقوله: فقال به، قال المحب الطبري: انما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن عقوبته، لأنه على يقين من الذنب وليس على يقين من المغفرة، والفاجر قليل المعرفة بالله فلذلك قل خوفه واستهان بالمعصية. وقال بن أبي جمرة: السبب في ذلك، أن قلب الفاجر مظلم فوقوع الذنب خفيف عنده، ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول هذا سهل.

قال: ويستفاد من الحديث، أن قلة خوف المؤمن ذنوبه وخفته عليه يدل على فجوره، قال والحكمة في تشبيه ذنوب الفاجر بالذباب، كون الذباب أخف الطير وأحقره، وهو مما يعاين ويدفع بأقل الأشياء، قال وفي ذكر الأنف مبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده، لان الذباب قلما ينزل على الأنف وانما يقصد غالبا العين، قال: وفي اشارته بيده تأكيد للخفة أيضا، لأنه بهذا القدر اليسير يدفع ضرره" انتهى
وستأتي في الحلقة القادمة شروط قبول التوبع عن المعاصي.





السابق

الفهرس

التالي


15251759

عداد الصفحات العام

553

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م