﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(04)قواعد في تزكية النفس القاعدة الثالثة:

(04)قواعد في تزكية النفس القاعدة الثالثة:

القلب محل التزكية والتدسية:

وإذا تحققت تزكية القلب، تحققت كل الأقوال والأفعال والصفات التي شرعها الله تعالى وأراد من المؤمن القيام بها، قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} [المؤمنون]

في هذه الآيات الإحدى عشرة في أول سورة "المؤمنون" ذكر الله تعالى ثمان صفات تؤهل أهل الإيمان للتزكية والفلاح:

الصفة الأولى: الإيمان الشرعي الذي بينه الله تعالى في آيات كتابه، ومنها قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات] فبدأ الله تعالى بإثبات الفلاح للمؤمنين، والمقصود الإيمان اليقيني الصادق بالغيب، الذي ركنه الأول الإيمان بالله، وعليه يترتب الإيمان بأركان الإيمان الخمسة الأخرى، التي بينها حديث جبريل، كما تترتب عليه فروع الإيمان الأخرى وأصول الإسلام الخمسة وفروعها، بحيث يكون من حل في قلبه، على يقين تام بكل ما أخبره الله تعالى به، والاستجابة لكل ما أمره به أو نهاه عنه، ولذلك جعل تعالى هذا الإيمان أساسا لكل أحكامه وشرائعه، كما قال تعالى، في مطلع سورة البقرة: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (5)} [البقرة].

وقال تعالى في أثنائها لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ
مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (177)} [البقرة]

وقال عزوجل في خواتيمها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة] وذكرت في آيات كثيرة متفرقة في القرآن الكريم، كما ذكركت كذلك في السنة الصحيحة، متصلة ومتفرقة. ولهذا ذكر الإيمان في هذه السورة (سورة المؤمنون) ثم ذكر بعده الصفات الأخرى التي يفوز من عمل بها بالفلاح عند الله.

الصفة الثانية: الخشوع في الصلاة، والخشوع لله مطلوب من المسلم في كل وقت، ولكنه في الصلاة التي يقف فيها مناجيا ربه، مستحضرا عظمته، متدبرا ما يقرأ أو يسمع من الآيات، والأذكار التي يرددها في قيامه وركوعه وسجوده وتشهده، وفي رفعه وخفضه، يكون خشوعه فيها أشد من غيرها، راجع رسالة: "أثر فقه عظمة الله في الخشوع له" للكاتب

الصفة الثالثة: الجد في العمل الصالح، والإعراض عن "اللغو" قال في اللسان: "اللغو واللغا السقط، وما لا يعتد به، من كلام وغيره، ولا يحصل منه على فائدة، ولا على نفع". قال سيد قطب، رحمه الله في ظلاله: "لغو القول، ولغو الفعل، ولغو الاهتمام والشعور إن للقلب المؤمن ما يشغله عن اللغو واللهو والهذر . . له ما يشغله من ذكر الله، وتصور جلاله وتدبر آياته في الأنفس والآفاق. وكل مشهد من مشاهد الكون يستغرق اللب، ويشغل الفكر، ويحرك الوجدان . . وله ما يشغله من تكاليف العقيدة: تكاليفها في تطهير القلب، وتزكية النفس وتنقية الضمير . وتكاليفها في السلوك، ومحاولة الثبات على المرتقى العالي الذي يتطلبه الإيمان. وتكاليفها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصيانة حياة الجماعة من الفساد والانحراف. وتكاليفها في الجهاد لحمايتها ونصرتها وعزتها، والسهر عليها من كيد الأعداء . . وهي تكاليف لا تنتهي، ولا يغفل عنها المؤمن، ولا يعفي نفسه منها، وهي مفروضة عليه فرض عين أو فرض كفاية. وفيها الكفاية لاستغراق الجهد البشري والعمر البشري. والطاقة البشرية محدودة. وهي إما أن تنفق في هذا الذي يصلح الحياة وينميها ويرقيها وإما أن تنفق في الهذر واللغو واللهو. والمؤمن مدفوع بحكم عقيدته إلى انفاقها في البناء والتعمير والإصلاح ..." انتهى.

الصفة الرابعة: أداء الزكاة - التي فرضها الله - وفصلها رسوله، صلى الله عليه وسلم في مصارفها، وهي قرينة الصلاة في القرآن والسنة.

الصفة الخامسة: حفظ الفروج عن المحرمات من الزنا واللواط، والبعد عن كل الوسائل المفضية إلى ذلك، ومن ذلك ما نص الله تعالى عليه، في قوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} إلى قوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ(31)} [النور].

وقوله تعالى في حجاب المرأة الشرعي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)} [الأحزاب]. وقوله سبحانه عن بيان صوت المرأة الذي تكون له آثار سيئة في قلوب مرضى القلوب: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)} [الأحزاب]

فصوت المرأة الذي تخضع به، لفتنة الرجال، عورة لا يجوز لها تعاطيه، أما صوتها الطبيعي في مخاطبتهم، بلا خضوع مفتن، فليس بعورة، وقد كان الصحابة، رضي الله عنهم، يخاطبون النساء، والنساء يخاطبنهم، وهذا المعنى كثير جدا، في السنة، ومنه مخاطبتهم لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يسألونهن عن بعض الأحكام والأخلاق، وبخاصة عائشة، رضي الله عنها، كما كانوا يسألونهن بعض حاجاتهم، كما قال تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ...(53)} [الأحزاب]

وقد حذر الله تعالى الذين يطلقون أبصارهم للنظر إلى ما حرمه عليهم من النظر، مجاهرة ظاهرة للناس أو خفية، لا تظهر لهم، لشدة إخفاء صاحبها بنظر عينه الخائنة، فقال:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)} [غافر]. وما ورد في ذلك من أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم مفصلة، للرجال والنساء، كالنهي عن الخلوة بالأجنبية وغير ذلك.

الصفة السادسة: أداء الأمانات إلى أهلها: وهي أحد أركان قيام الدولة الإسلامية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا... (58)} [النساء]

الصفة السابعة: الوفاء بالعهود: والوفاء بالعهود من أهم صفات المؤمنين الصادقين، ولا ينقض العهد إلا الذين ملأ الرجس قلوبهم، وهم المنافقون، والعدل إحدى الوصايا العشر العظيمة التي ذكرت في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ...} إلى قوله تعالى: {... وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا.. (152) }. [الأنعام] وفي سورة الإسراء ذكر العهد، مع أحد عشر قضاء أمر بها عباده، فقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34)} [الإسراء]

الصفة الثامنة: المحافظة على الصلوات، ويلاحظ أن الله تعالى ذكر صفة الخشوع في الصلاة، بعد ذكر الإيمان مباشرة، وجعل الصلاة، الصفة الثامنة، ويبدو – والله أعلم – أن ذلك إيذان بأهمية الخشوع، وأن الذي يتصف به في صلاته، هو الجدير بالمحافظة عليها، بخلاف اللاهي فيها، فإن لهوه يحجبه عن عنايته بها ومحافظته عليها، ولا يحافظ عليها إلا الخاشع، لأن الخاشع فيها يشعر بالطمأنينة والقرب من الله، ويقوي في قلبه حب الطاعة وبغض المعصية، فيكون دائما في شوق إليها، وقد يشير إلى ذلك، قول الرسول صلى الله عليه وسلم:: (أقم الصلاةَ يا بلالُ ، أرِحْنا بها). [أبو داود، وصححه الألباني] وهي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ... (45)} [العنكبوت]

فهذه الصفات الثمان التي ذكرت، في مطلع سورة "المؤمنون" إذا حققها المؤمن في نفسه، يكون جديرا، بتزكية نفسه، وتطهير قلبه من المعاصي والآثام، وإحلال اليقين والإخلاص في سويداء قلبه، وحقيقا بهداية الله له، وإصلاح معاشه وسعادته في دنياه، وقربه من ربه في الآخرة، في الفردوس الأعلى من الجنة ، ومرافقته، لنبيه صلى الله عليه وسلم، وسائر إخوانه، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

وفي قوله تعالى: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} ثناء عظيم على من حاز هذه الصفات في مطلع سورة "المؤمنون" لأن الفردوس هو أعلى مراتب الجنة، كما وصفه بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، وحث أمته إذا سألت ربها المن عليها بدخول جناته، أن تسأله الفردوس الأعلى منها، كما روى ابو هريرة رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم، قال: (إن في الجنة مائةَ درجة، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتُم الله فاسألوه الفِرْدَوس، فإنه أوسطُ الجنة وأعلى الجنة، وفوقَه عرش الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهار الجنة). [أخرجه البخاري]

وقد امتن الله تعالى على عباده المؤمنين، برحمته لهم، حيث وفقهم لتزكية أنفسهم، وأنه لولا تلك الرحمة التي منحهم وذلك التوفيق الذي سددهم به، لما حصلت لهم التزكية، فقال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)} [النور]

كما وعد تعالى من تزكى منهم بالإيمان القوي، وعمل بمقتضاه باطنا وظاهرا، فعمل الأعمال الصالحة التي أمره بها، وشرعها له، وعده بالدرجات العالية الرفيعة في الجنة، فقال تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)} [طه] وأن تزكيتهم أنفسهم التي يطهرون بها قلوبهم، إنما تعود عليهم وتنفعهم، لأنهم يحتاجون إليها، ليثيبهم عليها، والله غني عنها وعنهم، قال تعالى: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)} [فاطر]

وقد دلت نصوص القرآن، أن أساس التزكيات، هي للقلب، وكذلك التدسيات والقذارات، فالقلب هو الذي يحرك أعضاء الجسد كلها، إلى الطاعات أو المعاصي، فبصلاحه تكون أعضاء الجسد صالحة، وبفساده، تكون أعضاء الجسد فاسدة، فهو الآمر الناهي للجسد، إن أمره بخير فعله، وإن أمره بشر ومنكر تعاطاه.
فالإنسان العاقل، لا يقدم على أي فعل، واجب، أو محرم، أو مكروه، أو مباح، أو مندوب في الشرع، إلا بإرادة القلب، ولهذا علق الله من اختار الدنيا على الآخرة، أو العكس على إرادة كل منهما، فقال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)} [آل عمران]





السابق

الفهرس

التالي


15327533

عداد الصفحات العام

3827

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م