﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


ما على العاصي أن يفعل إذا تزكى قلبه وتاب عن المعاصي؟

ما على العاصي أن يفعل إذا تزكى قلبه وتاب عن المعاصي؟
إنه الآن ستتكالب عليه شياطين الإنس والجن معا، وسيحتاج إلى خوض معركة قد تكون أشد وأعتى عليه، من معركة ظفره بالتوبة، فقرينه "الشيطان" الذي انتصر عليه، فتاب إلى ربه، سيجمع لحربه ومحاولة إضلاله، خيلَه ورجِلَه، وسيكثر من وسوسته في قلبه، يبدأ في إمراض قلبه بالشكوك المقلقه، وبتزيين الشهوات المحرمة، ودعوته إلى ارتكابها، وسيعاديه بعض أقاربه الذين كان قرينا لهم في المعاصي قبل توبته، وكذلك قرناؤه ممن كان ينادمهم، ويصاحبهم في طريق المنكرات، رجالا ونساءً، فما الذي يحرسه وينجيه من جره للعودة إلى نواديهم، وانغماسه في ذنوبهم وآثامهم؟
إنه سيكون أحد رجلين: الرجل الأول ذو الإيمان القوي، والقلب الثابت عليه، والقادر على الانتصار في معركته، مع الشيطان، فيستعين بالله عليه ويثبت، ثبوت رواسي الجبال، والعزم على التأثير في أهله ورفقائه السابقين، والصبر على هدايتهم، بدلا من أن يؤثروا هم فيه بحرفه عن الصراط المستقيم، فيبقى صابرا محتسبا، لعل الله تعالى ينصره عليهم، فيهتدون، فينال بذلك مثل هدايتهم، فيكون ممن قال الله تعالى فيهم: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33)} إلى قوله تعالى:{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فصلت] وقال فيهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كما في أمره لابن عمه: علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: في الحديث الذي رواه سهل بنِ سعدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه: (فَواللَّه لأَنْ يَهْدِيَ اللَّه بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمَ) [متفقٌ عليه.]
الرجل الثاني، رجل يصعب عليه الثبات أمام من يريدون إضلاله وإعادته إلى معاصي الله، فعليه هنا مفارقتهم جميعا، والنجاة بنفسه، فيهاجر إلى مكان آخر، يجد فيه من يعينه على طاعة الله، يستطيع أن يبقى على توبته، وعبادة ربه، وهذا ما دل الرسول صلى الله عليه وسلم، أصحابه الذين آذتهم قريش، من الهجرة إلى الحبشه، ثم إلى المدينة، ومن المعروف أن جليس الخير يؤثر في جليسه الخير، وجليس السوء، يؤثر في جليسه السوء، كما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، في حديث أبي موسى الأَشعَرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنه أَن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: (إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِـحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ، إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحاً طيِّبةً، ونَافخُ الكيرِ إِمَّا أَن يحْرِقَ ثيابَكَ وإمَّا أنْ تجِدَ مِنْهُ ريحاً مُنْتِنَةً) [البخاري ومسلم].
وقد روى أبو سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه ذكر رجلا ممن قبل هذه الأمة، أسرف في كثرة ارتكاب الكبائر، حيث قتل تسعة وتسعين رجلا، ثم رغب في التوبة، فسأل راهبا قيل له: إنه أعلم أهل الأرض، فآيسه ذلك الراهب من التوبة، فقتله، مكملا به المائة.
ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، (فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ فقال: إنهَ قَتل مائةَ نفسٍ فهلْ لَهُ مِنْ تَوْبةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ ومنْ يحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التوْبة؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كذا وكذا، فإِنَّ بها أُنَاساً يعْبُدُونَ الله تعالى فاعْبُدِ الله مَعْهُمْ، ولا تَرْجعْ إِلى أَرْضِكَ فإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فانطَلَق حتَّى إِذا نَصَف الطَّريقُ أَتَاهُ الْموْتُ، فاختَصمتْ فيهِ مَلائكَةُ الرَّحْمَةِ وملاكةُ الْعَذابِ، فقالتْ ملائكةُ الرَّحْمَةَ: جاءَ تائِباً مُقْبلا بِقلْبِهِ إِلى اللَّهِ تعالى، وقالت ملائكةُ العذابِ: إنه لم يعْمَلْ خيرا قَطُّ، فأَتَاهُمْ مَلكٌ في صُورَةِ آدمي فجعلوهُ بيْنهُمْ أَي حكماً، فقال قيسوا ما بَيْن الأَرْضَين فإِلَى أَيَّتهما كَان أَدْنى فهْو لَهُ، فقاسُوا فوَجَدُوه أَدْنى إِلَى الأَرْضِ التي أَرَادَ فَقبَضْتهُ مَلائكَةُ الرَّحمةِ) [البخاري ومسلم].
وفي قول ملائكة الرحمة: "جاءَ تائِباً مُقْبلا بِقلْبِهِ إِلى اللَّهِ تعالى" دليل على أن العبرة بالقلب الذي هو أساس عمل الجوارح، وقول ملائكة العذاب: "إِنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خيْراً قطُّ" سبب عدم عمله، أنه لم يتمكن من العمل الصالح، لأن الموت عاجله قبل أن يفعل.
وأما العزم على عدم العودة إلى المعصية، فيدل عليه: قول كعب بن مالك، رضي الله عنه في قصة تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك: "إن الله إنما أنجاني بالصدق. وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت. قال فوالله! ما علمت أن أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، أحسن مما أبلاني الله به. والله! ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى يومي هذا. وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي." [مسلم]
وأما شرط البراءة فيدل عليها حديث أَبي هريرة رضي اللَّه عنه، أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: (أَتَدْرُون من الْمُفْلِسُ؟) قالُوا: الْمُفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ. فقال: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقيامةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكَاةٍ، ويأْتِي وقَدْ شَتَمَ هذا، وقذَف هذَا وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسفَكَ دَم هذَا، وَضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذَا مِنْ حسَنَاتِهِ، وهَذا مِن حسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حسناته قَبْلَ أَنْ يقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرحَتْ علَيْه، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ) [رواه مسلم.]
قال الإمام النووي، رحمه الله، في شرحه للحديث: "مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا حَقِيقَة الْمُفْلِس، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ مَال، وَمَنْ قَلَّ مَاله، فَالنَّاس يُسَمُّونَهُ مُفْلِسًا، وَلَيْسَ هُوَ حَقِيقَة الْمُفْلِس، لِأَنَّ هَذَا أَمْر يَزُول، وَيَنْقَطِع بِمَوْتِهِ، وَرُبَّمَا يَنْقَطِع بِيَسَارٍ يَحْصُل لَهُ بَعْد ذَلِكَ فِي حَيَاته، وَإِنَّمَا حَقِيقَة الْمُفْلِس هَذَا الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث فَهُوَ الْهَالِك الْهَلَاك التَّامّ، وَالْمَعْدُوم الْإِعْدَام الْمُقَطَّع، فَتُؤْخَذ حَسَنَاته لِغُرَمَائِهِ، فَإِذَا فَرَغَتْ حَسَنَاته أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتهمْ، فَوُضِعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّار فَتَمَّتْ خَسَارَته وَهَلَاكه وَإِفْلَاسه." انتهى.
قلت: فالمسلم الصادق الذي، يخاف على نفسه، من هذا الإفلاس الحقيقي التام، الذي فيه الخسارة الكاملة، بفقده حسناته، التي هو أحوج ما يكون إليها في ذلك اليوم، وطرح سيئات من ظلمه في الدنيا على ظهره، المسلم الصادق، لا يرضى لنفسه أن يموت، قبل أن يبرأ من ظلمه لغيره، بل لا بد أن يتحلل من منه قبل موته، إما برد الحقوق إليه، أو طلب عفوه عنه مغفرت له.





السابق

الفهرس

التالي


15453941

عداد الصفحات العام

3226

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م