(90) سافر معي في المشارق والمغارب
احتلال الصين العسكري لتركستان الشرقية:
إن من أعظم مصائب المسلمين التي يتسلط بسببها على شؤونهم وبلدانهم، ويذيقهم مرارة الأذى والهوان، هو تنازعهم فيما بينهم على الزعامات، التنازع الذي يقودهم دائماً إلى الفشل والذل والضعف، وبذلك تذهب هيبتهم ويطمع في السيطرة عليهم عدوهم،كما قال الله تعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ). وعلى هذه السنة الإلهية جرى ما جرى للمسلمين في تركستان الشرقية ـ كالغربية.
فقد كثر التنازع والشقاق والحروب بين المسلمين، واستعان بعضهم في حربهم لإخوانهم المسلمين بأعدائهم من الصينيين الوثنيين، وقامت دولة المسلم المنتصر على أخيه المسلم، تحت حماية عدو الإسلام الوثني.[وما أكثر هذه الحوادث في تاريخ المسلمين الذين يستعين بعضهم على بعض بأعداء الإسلام، الذين ينقضون في نهاية الأمر على المسلمين جميعاً، فيحتلون أرضهم وينتهكون عرضهم، وقد يصل الأمر بالمسلمين أن يكرهوا على ترك دينهم والدخول في دين عدوهم، بعد الظلم والإذلال والاستعباد والقتل.
ثم طرد من بقي منهم إلى خارج بلادهم، لتصبح بلاد كفر بعد أن كانت ديار إسلام، كما حصل للأندلس، ويحاول اليهود اليوم أن يطبقوا في فلسطين ما حصل في الأندلس، حيث يوقدون نار العداوة بين المسلمين ليتسلط بعضهم على بعض، لينقضوا في نهاية الأمر على الجميع ودول الشعوب الإسلامية ترى وتسمع ولا تحرك ساكناً غير الانسياق وراء التنازلات المستمرة في صالح اليهود!. وهاهي أمريكا قد احتلت كلا من أفغانستان والعراق، بتعاون من بعض أهل البلدين الذين يحاولون أن يتربعوا على كراسي الحكم عن طريق العدو الأجنبي الذي عاث في الأرض فساداً، وهو عازم على احتلال البلدان الإسلامية الأخرى، والسيطرة عليها مادياً ومعنوياً، ولو أن أهل البلدان الإسلامية وحدوا كلمتهم ووقفوا صفاً واحداً في وجه الأعداء، لما تمكنوا من احتلال بلدانهم].
فقد احتلت القوات الصينية المنشورية تركستان الشرقية في عام: 1759م بعد أن قتلت من المسلمين (200,0001) ونفت (22000) عائلة إلى داخل الصين. وقاوم المسلون هذا الاحتلال وانتصروا عليه، بقيادة: (أتاليق غازي يعقوب بك) وقامت دولتهم التي اعترف بها الخليفة العثماني، ومنحه لقب: (أمير المسلمين) واعترفت بها دول أخرى، منها بريطانيا وروسيا.
ضم الصين (تركستان الشرقية) إليها رسمياً:
ثم تواطأت الدولتان الصين وروسيا مرة أخرى في عام: 1872م على أن تُعِين الأخيرة الصين على غزو تركستان الشرقية، واستولى الجيش الصيني على البلد المسلم في عام: 1878م. وأصدرت الصين مرسوماً في: 18 نوفمبر 1884م يقضي بجعل تركستان الشرقية مقاطعة صينية، وسمتها: (سنكيانغ SINKIANG ) أي المقاطعة الجديدة. وجعلت مدينة: (أورومجي) عاصمة لها. وبذلك أصبحت تركستان الشرقية ـ من الناحية الرسمية ـ إحدى المقاطعات الصينية.
وأقاموا المدارس الصينية لنشر الثقافة الصينية والحد من الثقافة الإسلامية، وأنشأوا المعابد الوثنية وأجبروا المسلمين على زيارتها، وفتحوا الأبواب للمنصرين، ليخرجوا المسلمين من دينهم إلى الدين المسيحي.
وقسموا أهل تركستان الشرقية إلى أربع عشرة قومية، من أجل التفريق بينهم وتمزيقهم. وقاوم المسلمون مرة أخرى الاحتلال الصيني وقاموا بمئات الثورات ضده، وانتصروا مرة أخرى على المحتل الصيني في عهد الجمهورية الصينية، وأقاموا جمهورية إسلامية عام: 1933م.
تآ مر الصين وروسيا على المسلمين في تركستان الشرقية والغربية
وتعاون أعداء الإسلام ـ من الصينيين والروس لمصالح مشتركة ـ على المسلمين، وقضوا على الثوار المسلمين في عام: 1934م. وبذلك وقعت البلاد تحت سيطرة حكومة مزدوجة من الصين والروس، وحصلت روسيا على امتيازات اقتصادية وسياسية في المنطقة. ولم يهدأ الثوار المسلمون عن جهاد أعدائهم ـ الذين ساموا المسلمين شتى أنواع الظلم والتعذيب والقتل ـ لتحرير بلادهم منهم، بل قاموا بثورة عارمة ونجحوا في تحرير غالب أجزاء البلاد، وأقاموا جمهورية تركستان مرة أخرى سنة: 1945م برئاسة: الشيخ علي خان توره.
وتدخلت روسيا مرة أخرى باسم الصلح هذه المرة، على أساس منح المقاطعة استقلالاً ذاتياً، وتم الصلح والتوقيع على بنوده بين الطرفين: القائد العام لشمال غرب الصين، وممثلي حكومة تركستان الشرقية في: 1946م. وجرت انتخابات عامة في عام: 1947م تولى على إثرها رئاسة الحكومة في الإقليم: (الدكتور مسعود صبري). ولكن الحكومة الروسية (الشيوعية) كانت تدعم الثوار الشيوعيين بقيادة: (ماو تسي تونج) فضغطت على الحكومة الصينية الوطنية لتنحية (مسعود صبري) وتعيين (برهان شهيدي) الذي أصبح عميلاً للحكومة الشيوعية التي انتصرت على الصين وطردت الحكومة الوطنية برئاسة: (الجنرال شنغ كاي شك) إلى جزيرة تايوان.
المظالم الشيوعية للمسلمين في تركستان المسلمة:
عهد ظالم جائر جديد حل بالمسلمين في تركستان الشرقية، وهو العهد الشيوعي بزعامة "ماو تسي تونغ" تآمر فيه حكام هذا العهد مع عملائهم من المسلمين، الذين عينوا ليكونوا في الظاهر حكاماً، وهم في الواقع عبيد يؤمرون بظلم أبناء دينهم فينفذونه، وينهون عن نصرهم أو معاملتهم بالعدل فيسمعون ويطيعون.
فقد صرح (برهان شهيدي) الحاكم العام المسلم!!! في: 1/1/1952م من إذاعة: (أورومجي) عن قتل: (مائة وعشرين ألف شخص 120000) من العلماء والزعماء والأدباء المسلمين. وقتل في حادث مفتعل زعماء الثورة الإسلامية في تركستان الشرقية، حيث كانت تنقلهم طائرة إلى العاصمة الصينية (بكين) في 15/8/1949م.
أساليب الشيوعيين في ظلم المسلمين وتصيينهم:
اتخذ الشيوعيون لسيطرتهم التامة على تركستان الشرقية ـ في فترات متلاحقة ـ أساليب ظالمة ماكرة، ومن أهمها الأمور الآتية:
الأمر الأول: القضاء على زعماء المسلمين وعلمائهم.
الأمر الثاني: مصادرة أملاكهم وأوقافهم، وتسليط ميلشياتهم على الأغنياء والمفكرين.
الأمر الثالث: جعل أزمة الأمور في الإدارات والمراكز الحكومية والشعبية بيد الموظفين الصينيين، وفرض الثقافة الصينية على أبناء المسلمين.
الأمر الرابع: محاولة القضاء على تعاليم الإسلام وعادات أهل البلاد، بإغلاق المساجد، ومنع مزاولة الشعائر الإسلامية، وإحراق الكتب الإسلامية ومصادرتها، وفرض استعمال اللغة الصينية، وفرض الزواج المختلط بين المسلمين والصينيين، وانتهاك الأعراض.
الأمر الخامس: السيطرة على خيرات البلاد ومصالحها.
الأمر السادس: إغراق البلاد بتهجير ملايين الصينيين إليها وتمكينهم فيها سياسياً وإدارياً وعسكرياً واجتماعياً، محاولين جعل المسلمين فيها أقلية ضعيفة، لا يستطيعون المقاومة والمطالبة بحقوقهم ([عدد: 592، الجمعة، بتاريخ: 21/1/1417 ﻫ – 7/6/1996م، صفحة: 3]).
تضييق الخناق على المسلمين في هذه الأيام:
لقد اشتد تضييق الحكومة الصينية على المسلمين في تركستان الشرقية، برغم ما حصل من الانفتاح
الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في الجمهورية الصينية بعد وفاة "ماو" والقضاء على عصابة الأربعة، وإزاحة المتشددين من أعضاء الحزب الشيوعي.
مظاهر التضييق على المسلمين. وتتجلى مظاهر هذا التضييق فيما يأتي:
المظهر الأول: كثرة الاعتقالات في صفوف المسلمين، وبخاصة القادة والعلماء.
فقد نشرت جريدة: (المسلمون) في أحد أعدادها.[لغرض في نفسها وليس لسواد عيون المسلمين]...
تحت عنوان: (بكين تعترف باعتقال عدة آلاف من مسلمي تركستان الشرقية) ما يأتي: (بلغ عدد المعتقلين المسلمين ـ حسب اعتراف الجهات الرسمية ـ 2773 مسلماً، منذ شهر إبريل الماضي، بتهم معارضة مسئولي الحزب في المقاطعة).
وتقول حركة المقاومة: إن عدد المعتقلين تجاوز خمسة آلاف مسلم، وإن السلطات الحكومية وزعت المعتقلين على معتقلات متباعدة في المقاطعة. هذه الاعتقالات تمت في فترة قصيرة من الزمن في السنة التي نشر فيها الخبر تقريباً. ولو تتبع القارئ الصحف الصادرة في هذا التاريخ وما قبله وما بعده، لوجد ما يثير الدهشة والعجب مما يفعله الشيوعيون بالمسلمين في التركستان الشرقية.
ومع شدة احتجاج الدول الغربية، وبخاصة أمريكا، على تصرفات الصين في الاعتداء على حقوق الإنسان في الصين، وتتكاتف وسائل إعلامها ومؤسساتها السياسية والاقتصادية على الوقوف ضد الصين، بسبب سجين واحد من مواطني الصين المعارضين لسياستها، مع ذلك تتجاهل ما يحدث لآلاف المسلمين في تركستان الشرقية، لعلمها أن المسلمين أيتام لا أب لهم يحميهم ويدافع عنهم.
الاستمرار في التنكيل بهم
ولا زالت الصين تعتقل وتشرد وتقتل أبناء المسلمين في هذا البلد المهضوم إلى الآن، والفضائيات في غالب الدول العربية تتجاهل ما يحدث فيه، اقتداء بالتجاهل الأمريكي! وبين يدي الآن مقال صغير في مجلة المجتمع الكويتية [العدد جديد، ورقمه: "1336" بتاريخ: 6 ـ 22 شوال، 1419ﻫ ـ 2 ـ 8 فبراير 1999م].بعنوان: (الصين تعدم عدداً كبيراً من مسلمي تركستان الشرقية) ويبدو أن هذا العدد هو من بقي على قيد الحياة ممن اعتقلتهم في العامين الماضيين.
المظهر الثاني: محاصرة التدين عند المسلمين، ومنعهم من الاجتماع لمدارسة القرآن الكريم في المساجد وفي المنازل، وإجبارهم على جعل مفاهيم الإسلام تخدم النظام الشيوعي، وتؤيد ممارسات السلطات الصينية لأعمالها، ومنع تدريس المفاهيم الإسلامية المخالفة لأفكار ذلك النظام، ومنع علماء المسلمين من التدخل في شئون الأحوال الشخصية، من عقود الأنكحة والطلاق، والميراث، وتحديد النسل، والتعليم، وجمع الزكاة وصرفها… ومنع التعليم الإسلامي على من لم يبلغ سن الثامنة عشرة من العمر، ومنع النساء المسلمات من دخول المساجد، ومنع اشتغال الشباب بالشعائر الدينية، ومنع جميع أعضاء الحزب الشيوعي الصيني من ممارسة العبادات من صلاة وصيام وغيرهما، ويعاقب من يفعل ذلك منهم.
المظهر الثالث: محاصرة المسلمين بتوقيع معاهدات مع حكومات الشعوب الإسلامية المجاورة! لتضييق الخناق على المسلمين، حتى لا يتمكنوا من الهرب من جحيم العذاب الشيوعي الصيني، ولا من عذاب بقايا الحكام الشيوعيين في الشعوب الإسلامية، كل ذلك بحجة الإرهاب والتطرف (يجب تفسير الإرهاب عندهم والتطرف بما سبق في المظهر الثاني!).
فقد نشرت جريد الشرق الأوسط النص الآتي: ( أكدت مصادر دبلوماسية غربية أمس أن الصين وأربع جمهوريات سوفييتية سابقة في آسيا الوسطى وقعت بالأحرف الأولى على معاهدة عمل مشترك لمكافحة الأصولية..[يعني الإسلا والمسلمين] وتشارك الصين في هذه المعاهدة كل من: قازاقستان، وقيرغستان، وتاجيقستان، وأوزبكستان التي تواجه حكوماتِها معارضةٌ من حركات أصولية! وتجري حالياً مباحثات لإقناع تركمانستان ـ خامس الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى ـ بالانضمام إلى المعاهدة، على الرغم من شدة الضغط الإيراني المعاكس عليها..
واستُبعدت روسيا من المعاهدة، لأن وجودها قد يمس موازنة القوى الدولية ويثير مشاكل مع الولايات المتحدة واليابان، ولكن هناك مفاهمة ضمنية بأن روسيا ستنخرط في أي عمل مشترك ضد (الأصولية) في المنطقة رغم أنها لا ترتبط بمعاهدة رسمية مع الصين حول هذا الشأن)[جريدة الشرق الأوسط. العدد : 6364 التاريخ : 13/ذو الحجة / 1416 ﻫ – 1/5/1996م]...
وفي الجريدة نفسها: (الصين تحظر بناء مساجد جديدة في سينكيانج (تركستان الشرقية) ذات الأغلبية المسلمة وتشدد القيود على المسلمين، وبخاصة على المناطق الحدودية مع الجمهوريات الإسلامية لمحاربة دعاة الاستقلال من المسلمين، وتزعم الصين أن جماعة سرية في عاصمة تركستان الشرقية (أورومجي) تقوم بصنع أسلحة وباغتيالات لشخصيات دينية (من المسلمين) تتعاون مع السلطات الحكومية[عدد: 6393، الخميس 13/1/1417ﻫ ـ 30/5/1996م راجع الجريدة لقراءة مقال فيها تحت عنوان: (سياسة الصين في تركستان لقمع الدين وتجفيف منابعه) عدد : 6400. 3 ـ التاريخ : 20/1/1417ﻫ –6/6/1996م. الصفحة: 10].ويمكن تصفح موقع الأيغور على الإنترنت بهذا الرابط:
http://et.4t.com/arabic.html
http://www.uygur.org/arabic/h_rights/news.htm
|
|