﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(1)الإيمان هو الأساس-مقدمة فضيلة الشيخ المجذوب

(1)الإيمان هو الأساس-مقدمة فضيلة الشيخ المجذوب



(تعليقاتي على مقدمة الشيخ ستكون بين معقوفين،هكذا: [] وستكون هذه المقدمة في حلقتين، هذه هي الحلقة الأولى)



( أ ) بين يدي الكتاب: لفضيلة الشيخ محمد مصطفى المجذوب.







بسم الله الرحمن الرحيم



مؤلف هذا الكتاب من أوائل الذين بدأت صداقتي معهم، منذ الأيام الأولى لالتحاقي مدرساً في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد مرَّ على ذلك سبعة وعشرون عاماً، لم توهن من تلك العلاقة الأخوية، على تقلب الأحوال وتباعد المنازل والأعمال.



ولما أضافت رئاسة الجامعة إليَّ مهمة الإشراف الاجتماعي، لم يكن لي بد من السكن فيها، وكانت مناسبة أخرى لمزيد من التلاقي مع هذا الأخ الفاضل، إذ كان السكن بجواره [كان المؤلف يسكن مع أهله في مقر الجامعة ـ قبل أن يسكن به الشيخ المجذوب ـ بأمر من سماحة شيخه ابن باز، وفقه الله.] مدعاة لكثير من التزاور، على مدى ما يقارب السنتين، انقطعتُ بعدهما إلى التدريس وحده [تولى المؤلف ـ بعد الشيخ المجذوب ـ شؤون الإشراف الاجتماعي، في الجامعة الإسلامية، بتكليف من سماحة شيخه، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الذي كان نائباً لرئيس الجامعة، وبقي المؤلف قائماً بهذا العمل مع التدريس لمدة لا تقل عن عشر سنوات، انتقل بعدها عميداً لكلية اللغة العربية في الجامعة.] ، ومن ثم قلّتْ فرص لقائنا، إلا أن الصلة لم تنفصم، إذ كانت مناسبات النشاطات التي كنا نقوم بها لاصطحاب الطلبة في الرحلات الأسبوعية، مع بعض الإخوة المدرسين، وفي طليعتهم هذا الصديق الحبيب، فرصاً معوضة تتمازج فيها أفكارنا فتشد من علائقنا الحميمة... ولا أنس أثر دماثته الخلقية في تعهد هذه الصلة بمغذياتها الطيبة، وهي الصفة التي يشترك فيها مع رفاقه الوافدين إلى الجامعة من جنوب المملكة، إلى جانب مميزا‏تهم الأخرى، من حب العلم والعمل الجاد في الدعوة إلى الله وحقائق الإسلام في كل تصرفاتهم الفردية والاجتماعية.



وحسبي شاهداً على ذلك ما كنت أراه في هذا الأخ من جد في تتبعه لأفكار شيخنا محمد الأمين الشنقيطي تغمده الله برحماته، سواء في قاعة الدرس بالجامعة، أو في رحاب المسجد النبوي المبارك، أثناء دروس الشيخ أيام شهر رمضان في كل عام، إذ كان يأخذ نفسه بتسجيل كل صغيرة وكبيرة، من كلمات ذلك العلامة [كنت أسجل ـ كتابةً ـ دروس الشيخ رحمه الله في قاعة الدرس فقط، وبخاصة في السنتين الأخيرتين من سني الدراسة، أما الحرم، فلم أسجل فيه من دروسه شيئاً، بل كان حضوري قليلاً، وكنت أسمع منه فقط إذا حضرت. المؤلف.] الذي لم أعرف له نظيراً في علوم القرآن وشواهده من فصيح العربية، وقد استطاع أن يجمع من تلك الدروس مقتبسات نشرت في كتابين [سيذكرهما الشيخ فيما بعد، وهما ـ في الحقيقة ـ كتابة مستوعبة، لما كان شيخنا الكبير يلقيه من الدروس في قاعة الدرس، لمدة سنتين دراسيتين، وقد فصَّلت القول في كيفية كتابتي تلك في مقدمة الكتابين ـ معارج الصعود إلى تفسير سورة هود، وتفسير سورة النور ـ وليسا مقتبسين فقط، كما قال الشيخ.].



ومن هنا كان سروري بالدعوة لكتابة هذه المقدمة، إذ وجدتها فرصة حبيبة لاستعادة بعض الذكريات التي نسجتها صداقة عمر يقارب الثلاثة من العقود.



ولئن أطلت بعض الشيء عن شخصية المؤلف وبيئته بادي الرأي، فلما أعلمه من الصلة الوثقى بين إنتاجه الفكري ومقوماته النفسية التي تطغى على سائر إنتاجه وتجعله صورة مُجَسِّمة لهذه الشخصية، حتى لكأن قارئه إنما يحاور ذاته من خلال كلماته.



وقبل الدخول في تعريف الكتاب، يحسن بي أن أعرض بلمحة وجيزة لعنوانات بعض الصادرات من مؤلفاته، ولقد سجلت الرقم الثامن عشر حتى الآن، يتلوها عدد آخر يعمل في تجهيزه للطبع.



فمن هذه المطبوعات:



1 ـ الردة عن الإسلام، وخطرها.. وهو مضمون رسالة نال بها شهادة الماجستير من كلية الشريعة والقانون من جامعة الأزهر [هذه الرسالة بحث صغير ـ وهو إحدى مواد الدراسة ـ إذ لم تكن الكلية في تلك الفترة تشترط لشهادة الماجستير رسالة مستقلة، وكان ذلك في سنة 1394ه ـ 1974م. وهي الآن قيد المراجعة لطبعة جديدة.].

2 ـ الشورى.

3 ـ الإسلام وضرورات الحياة.

4 ـ الدعوة إلى الإسلام في أوربا.

5 ـ تفسير سورة هود (معارج الصعود إلى تفسير سورة هود) مقتبسات من دروس الشيخ الشنقيطي، رحمه الله.

6 ـ تفسير سورة النور ـ مقتبسات من دروس الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله.

7 ـ حوار مع مسلمين أوربيين.

8 ـ حوار مع أوربيين غير مسلمين [اسم الكتاب الأول: حوارات مع مسلمين أوربيين، واسم الثاني: حوارات مع أوربيين غير مسلمين.].

9 ـ أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي.

10 ـ الجهاد في سبيل الله [واسم الكتاب: الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته، ويقع في مجلدين كبيرين، وقد راجعت الكتاب بغية اختصاره، ولكنه أصبح الآن أربعة مجلدات، بسبب زيادة إيضاحات، وموضوعات جدت]. الأطروحة التي نال بها شهادة الدكتوراه.



والقارئ عندما ينعم الفكر في هذه العنوانات، سيدرك أنه تلقاء الطابع الواقعي الذي أول ما يواجهه من أعمال المؤلف، فهو في سائر كتبه إنما يهدف إلى إبراز الفكرة التي يؤمن بها والمنهج الذي يدعو إليه، وليس هناك صفحة واحدة كتبت لمجرد اللغو واللهو، وما أحسبك واجداً ثمة فقرة واحدة تتجاوز نطاق الرغبة في الإصلاح على ضوء الوحي، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرجل طبع منذ أن بدأ يتذوق طعم الحقيقة الإسلامية على الدعوة إلى الله، وكأني به يحاسب نفسه على كل لحظة تعبر من حياته في غير العمل لهذه الحقيقة.



ولا أنسى أطروحته لشهادة الدكتوراه، وهي في موضوع الجهاد وأهميته في نظام الإسلام، إنما تمثل رؤيته الشمولية لأهداف هذا الدين الذي ناط به خالق الكون سلام الإنسانية وانتظام مسيرتها في الطريق الموصل إلى سعادة الدارين، فكل انحراف عن مهيعه ـ قل أو كثر ـ مؤد إلى مقداره من الانزلاق في هاوية الشقاء والضياع والفتن التي تشحن الأرض بالرعب، لتستحيل إلى الوضع الذي تعيشه البشرية هذه الأيام مرتعاً لضروب الآثام والصراع على توافه الأوهام.

ومن هنا كانت رحلته الطويلة في تلك الأطروحة التي جاوزت الألف من الصفحات، للتعبير عن يقينه التام بأن دين الله لا بد له من الإعداد والتسلح بالقوة الرادعة التي تدفع عنه مكايد الشياطين، وتفسح له السبيل للوصول إلى قلوب الغافلين، كي تؤهلهم لتطهير الأرض من الفساد والمفسدين، تحقيقاً لأمر الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ(60)}[الأنفال].



وإيمانا بتوجيهه الحق: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ(251)}[البقرة] ذلك لأن الإسلام في مفهوم المؤلف، لا يقف عند حدود العقيدة والعبادات اليومية، بل هو حياة شاملة متوازنة، لا انفصام فيها، ودعوة فاعلة لا تعرف الجمود، وكيف وهو يقرأ في كتاب ربه قوله الحاسم: {لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَالمَلَائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ(177)}[البقرة].



كيف وهو يرى من خلال هذا التوجيه الأعلى معالم الهدى التي تستوعب كل الأضواء التي تُعَيِّن للسالكين طرائق النجاة، فلا يزيغ عنها إلا هالك؟



وكيف لا يستهويه الحديث المسهب عن الجهاد، وهو يرى طغاة البشر غارقين أبداً في تطوير أدوات الموت، للانقضاض على المستضعفين والمسلمين في كل مناسبة وكل مكان وقد سخروا أذنابهم من القاديانيين والعلمانيين للدعوة إلى إلغاء الجهاد من حياة المسلمين؛ كي يمكنوا لأولئك الطواغيت من استبقاء أغلالهم في أعناق المستضعفين من أقوامهم.



والقارئ ذو الوعي الرشيد إذ ينعم الفكر في هذا الواقع اللازب، لا يتمارى أن يردد على نفسه قول ربه الحكيم: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ(44)}[النور].



ولو أوتي هؤلاء المتنكرون لفريضة الجهاد الإسلامي، مُسكة من التفكير المنير، لما فاتهم أن يبصروا مذابح المسلمين اليومية على أيدي وحوش الهندوس، وبنيران أعداء الإنسانية من غزاة اليهود في فلسطين، ومن قبل تحت كابوس الشيوعية الحمراء في مناطق المسلمين في الاتحاد السوفييتي، وفي جحيم الماركسية الصينية، وبأيدي عتاة الإلحاد في ألبانيا ويوغسلافيا وبلغاريا.. وكل مكان عَنَا فيه ضعفاء المسلمين لطواغيت الظالمين.



وأخيراً لو أتيح لهؤلاء المتنكرين لفضيلة الجهاد الإسلامي أن ينعموا النظر في أثر هذا الجهاد وفاعليته الرائعة في تحطيم أكبر قوة إلحادية في العالم على أيدي الحفاة العراة الجياع من أبطال الإسلام في أفغانستان، ثم آثار جهادهم في تحرير الشعوب الراسفة في أغلال العبودية الماركسية على مستوى الأرض كلها.. أجل.. لو قدر لهؤلاء العمي أن يبصروا ذلك؛ لخجلوا من تنكرهم لدين الله، ولأيقنوا أن الجهاد في سبيل الله هو السبيل الوحيدة لإنقاذ الإنسانية من مخالب الطغاة، وإعطائها الفرصة لاسترداد مكانتها التي أكرم الله بها جنس الإنسان.

ونحن في ضوء هذه المعالم نطل على مضامين الكتاب الذي نحن بصدد تعريفه للقارئ.



وبقليل من التفكير في عنوانه: "أثر تطبيق الشريعة في صلاح الأمة"، [كانت مقدمة الشيخ المحذوب رحمه الله، لهذا الكتاب الذي ذكر:" أثر تطبيق الشريعة في صلاح الأمة" وكان كتاب "الإيمان هو الأساس" مقدمة له، ولكن المؤلف توسع بعد ذلك في هذه المقدة، حتى أصبحت كتابا، وبقي العنوان الأصلي في مسودة، لم يتم إكمالها].



ثم الانطلاق مع موحيات هذا العنوان، ندرك الصلة الفكرية والنفسية الجامعة بينه وبين موضوع الجهاد، بل بينه وبين سائر إنتاج المؤلف.



كان الباعث القريب لتأليف هذا الكتاب، دعوة وردت إلى المؤلف من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، للمشاركة في ندوة تزمع الجامعة إقامتها بعنوان "تطبيق الشريعة الإسلامية"، وقد عينت له اللجنة التحضيرية، موضوع البحث الذي اتخذه عنواناً للكتاب، فلم يغير منه إلا كلمة المجتمع إذ جعل مكانها "الأمة" التي هي أقرب إلى الاصطلاح الإسلامي.



ولما قرر إخراجه في كتاب خاص، كان لا بد له من معالجته، ببعض الإضافات القليلة، هنا وهناك.



وطبيعي أن يتلاقى عنوان البحث بنوازع المؤلف، فيقبل على تحضيره دون تردد.



ويتراءى لي أنه لم يكد يشرع في تخطيطه حتى ألفى نفسه مسوقاً لتتبع عناصره التي ما لبثت أن أخذت في التنامي والتوالد بقوة، لم يستطع كفكفتها، إلى أن انتهى به إلى هذا الحجم الذي لا يتوقع مثله في ندوة للبحث، وبخاصة إن تذكرنا وفرة البحوث التي سيتقدم بها الكثيرون من المدعوين، ومحدودية الطاقة التي يملكها قراؤها الذين لا مندوحة لهم عن الإلمام بمنطلقاتها الرئيسة، ليتاح لهم مناقشتها.



فهو إذًا لم يعر اهتماماً لإمكانات المناقشين، بل استسلم لجواذب الموضوع الذي استحوذ على تصوراته، دون اهتمام بما وراءه، والظاهر من كلام المؤلف في مقدمته أن البحث أحرز قبول لجنة التحضير، فأقرته إلا بعض الملاحظات التي اقترحت عليه أن يعيد النظر في بعض نقاطها، إضافةً أو اختصاراً، مما لا تأثير له في حجم البحث وأساسياته.



وهكذا قُدِّر لتلك الدعوة أن تفرز كتاباً كان يعتمل في صدر كاتبه، مجرد أفكار وتصورات، فلما عرضت له في صورة اقتراح علمي، لم تلبث أن وجدت السبيل للإعراب عن ذاتها في هذه الفصول، فالكتاب والحالة هذه إنما يقدم إلى قارئه مُجَسَّماً دقيق التفاصيل النفسية لمؤلفه، وما يتفاعل في قلبه من إيمان بحقائق الإسلام، ورغبة لا حدود لها في إذاعة هذه الحقائق وتعميمها في كل مناسبة كلما وجدت لها سبيلاً إلى القلوب والأفهام.



يقع هذا الكتاب فيما يزيد عن ثلاثمائة وخمسين من الصفحات المطبوعة على آلة اليد [كان هذا عندما كتب الشيخ هذه المقدمة، أما الآن فقد بلغت مقدمات الكتاب ـ ومنها مقدمته هذه ـ مع الفصل الأول من الكتاب ـ الإيمان هو الأساس ـ خمسين و ثلاثمائة صفحة، والسبب في ذلك ما لمسته عند مراجعة الكتاب من سعة العنوان، ومن الحاجة إلى التوسع في موضوعاته لإيضاح أثر هذه الشريعة في صلاح الأمة الذي كاد يختفي عن الأنظار والذي يحتاج المسلمون ـ وغيرهم ـ إلى كشفه وإيضاحه، لإقناعهم بالعودة إلى تطبيق شرعة الله في الحياة، لينعموا بأثرها في هذه الحياة، ويسعدوا به في الآخرة دار القرار، فهذا الكتاب "الإيمان هو الأساس" هو مقدمة للكتاب الذي يصفه الشيخ المجذوب.].



وقد قدم له في أربع صفحات، تتضمن الكثير من الآيات المتصلة بموضوعه، وتهيئ ذهن القارئ لاستقبال التفصيلات التي ستواجهه من خلال تلك الصفحات.



ومن ثم ينتقل إلى عرض خطته التي سار عليها في تأليف البحث، ويختم الكتاب بفهرس، يكاد يكون تكراراً لمفردات هذه الخطة [سيكون الأمر مختلفاً عما وصفه المقدم، نظراً للتوسع الذي طرأ على كتابة البحث، كما مضى.].



وبنظرة سريعة إلى فقرات هذا العرض، تتضح أمامنا شمولية البحث لمجمل العناصر التي تؤلف قواعد النظام الإسلامي، وتجسم الصورة المتكاملة للحضارة التي يقوم عليها الكيان الذي يتحقق فيه قول الحق تبارك اسمه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ(110)}[آل عمران].



فهو يبدأ موضوعه بالأساس الأول، وهو الإيمان بأسماء الله وصفاته ورسالاته وملائكته وعالم الغيب والقدر، وما إلى ذلك من مقومات الإيمان، وآثارها الخاصة والعامة في إسعاد الفرد والجماعة.



ومن هنا يتجه إلى الحديث عن الأهداف العليا من تطبيق الشريعة، من حيث مقاصدها الأساسية، أو ملحقاتها الفرعية، من الضروريات والمعاملات والتنظيمات الاجتماعية والسياسية، وما يتصل بذلك من القضاء والحسبة وأهميتها في صيانة المجتمع الإسلامي، عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من عوامل الضعف والتنافر والفوضى. وينهي ذلك بخاتمة تلخص الكثير من كليات الموضوع.



والإشارة إلى هذه المنطلقات العامة لا تغني عن الوقوف عند بعضها في شيء من التّبَسُّط، لذلك نرى أن نوجه نظر القارئ إلى عدد من النقاط التي عالجها المؤلف بطريقته التي تمتاز بميله إلى الاستقصاء والاستنباط.



وأولى هذه النقاط كلام المؤلف عن أثر القدوة الحسنة في انتشار الإسلام، حيث يقول: "وكانت القدوة الحسنة التي يراها الناس في المسلمين الفاتحين، من العدل والرحمة، والإحسان والتواضع، أهم الأسباب في إقبال الناس على الإسلام، وما كان الإسلام يستعمل السيف إلا في مواجهة الطواغيت الجبابرة الذين تسلطوا على رقاب شعوبهم، فأذاقوهم سوء العذاب، وقادوهم إلى أسوأ المصائر، فحالوا بينهم وبين دين الله الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن العبودية المذلة للمخلوقين إلى عبودية العزة والكرامة لله رب العالمين".



وهي فقرة تستحق التأمل، وبخاصة من العاملين في خدمة الدعوة الذين عليهم أن يتذكروا دائماً أن الهدف الأعلى من عملهم، هو اجتذاب القلوب إلى الحق الذي يردهم إلى الله، ولا سبيل إلى القلوب إلا بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار بالتي هي أحسن.



ويتصل بذلك كلامه النفيس عن موضوع الشهادة التي حمّلها الله عباده المؤمنين في قوله الحكيم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا(143)}[البقرة].



يقول المؤلف: "فإذا كانت هذه هي منزلة الأمة عند الله، وكان دينها هو الدين الحق الذي لا يُقبَل من أحد سواه، فطبيعي أنها عندما تتخلى عن تطبيق شريعته ستَضِل في نفسها وتفسد أجيالها، حيث تنشأ ناشئتها على سلوك المغضوب عليهم والضالين، وتحُل عاداتهم ومفاسدهم محل دينه الذي لا صلاح بدونه.. وعندئذ ستكون هذه الأمة فتنة للذين كفروا، إذ يفسرون سلوكها بما يُنَفِّر من دينها.. وهذا ما ينشره المستشرقون والمنصرون الآن، إذ يقولون في كتبهم ومحاضراتهم: إن كل ما يحدث بين المسلمين من خلافات وحروب، وثورات وانقلابات، إنما هو اجتهادات من المسلمين في إطار الإسلام، وقد صرح لي بذلك بعض المستشرقين الذين قابلتهم في أوربا..".



وحول قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(56)}[الذاريات]. يستضيء المؤلف بما ذهب إليه كبار أئمة العلم، من حيث شمول العبادة لكل تصرفات العبد، مما يتفق مع أمر الله ونهيه، حيث يقول: "وإذا كان هذا هو معنى العبادة في الإسلام، فمن آمن به وعمل بمقتضاه، لا يترك أمراً يأتيه من ربه، ولا يرتكب نهياً من نواهيه، سواء تعلق ذلك بجوارحه أوبقلبه، وهذا هو أساس صلاح الناس في الأرض وانتظام أحوالهم".



ولنستمع إلى تحليل المؤلف الدقيق لموضوع الأسماء والصفات، وكيفية فاعليتها في النفوس وأثرها في السلوك، يقول المؤلف ـ بعد نقوله الوافية من الكتاب الحكيم والحديث الشريف ومفهومات بعض المحققين: "لهذا كان المكثر من حفظ أسماء الله المتعبد بها لربه جديراً بالجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة) البخاري، وفي رواية: (من حفظها) بدل: (مَن أحصاها)، وما ذلك إلا لتأثير تلك الأسماء في محصيها المتعبد بها لربه؛ لأنها زكته بمعانيها، حتى أكثر من طاعة الله وشكره على نعمه، وابتعد عن معاصي الله، فلا يترك صلاحاً يقدر عليه إلا أتاه، ولا يرى فساداً إلا تجنبه وجفاه..".



ثم يردف ذلك بالأمثلة الموضحة لمدلول قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ(5)}[آل عمران] ، وفي حديث رسوله الصادق الأمين، جواباً لجبرائيل عليهما الصلاة والسلام: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فيقول: "فالذي يشهد بقلبه إحاطة علم الله بكل شيء، وأنه لا تخفى عليه تعالى خافية في الأرض ولا في السماء، جدير بأن لا يأتي في تصرفه إلا ما يرضي ربه تعالى، وذلك هو عين الصلاح" ويختم أمثلته بقوله: "تُرى لو أن الناس كلهم علموا ذلك وعملوا بمقتضاه، أكان يوجد في الأرض فساد!؟".



وهكذا يمضي المؤلف في جولته الطويلة حول هذا الموضوع الهام، محللاً ومفسراً ومقرراً، حتى يصير إلى الكلام عن مدرسي الإيمان، وما يجب أن يسلكوه أثناء تناولهم موضوع الأسماء والصفات، فيتخذوا منه وسيلة لتربية طلابهم على معانيها العليا التي ترسخ في نفوسهم آثارها من محبة الله وخشيته والمسارعة إلى طاعته، في معزل عن الخلاف بين المثبتين والمؤولين والنافين بادئ ذي بدء، حتى إذا ما استقرت فاعليتها في النفوس، عمد المدرس إلى عرض النظريات الفاسدة وردها بالحكمة.



ولا ينسى المؤلف في النهاية أن يوجه بعض النقد إلى المدرسين الذين يُغفِلون هذا المنهج الحي، فتأتي دروسهم جافة من الأثر الروحي الذي يأخذ بيد الطالب إلى ما يحبه الله من التعبد بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا.



والحق لقد وجدت في هذا الجانب من حديث المؤلف ما أمتعني وأثار بعض ذكرياتي، مما يتصل بموضوع الأسماء الحسنى، وكيف تفاوت فهم الناس لها، حتى كان منهم القائلون بتعدد الآلهة، تبعاً لتعدد مفرداتها، إذ تصوروا أن كلاً منها إنما يدل على إله مستقل بمهمته، كما هو الشأن في وثنية اليونان ومناطق الشرق الأقصى، وعم ذلك التخبط معظم الشعوب القديمة، حتى أدرك الله الإنسانية بالرسالة الخاتمة التي أزالت الغشاوة عن بصائر من شرح الله صدورهم للحق، فعلموا مضامينها الكريمة على الوجه الذي يليق بجلال الخالق سبحانه.



وهنا أجدني مسوقاً إلى التوقف قليلاً عند دلالة الحديث الصحيح الآنف: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة) فقد رأيت الكثيرين ممن لا يفقه معاني الحديث الشريف سوى مجرد تعدادها وتكرارها، دون التفاتٍ إلى مضمونها الأعلى، وذلك جرياً مع ظاهر اللفظ في كلمة (أحصاها) أو (حفظها)، مع أن قليلاً من التأمل الواعي يتيح للمؤمن أن يستشف ما وراءهما من المعاني التربوية والثقافية، وقد أشار إلى ذلك الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، بقوله لسائله: (أَكُل القرآن أحصيته؟) [مسند أحمد (1/380) ومسلم بشرح النووي (6/104).]. وإنما أراد بالإحصاء في هذه المناسبة الوصول إلى الفهم الصحيح، لا مجرد التعداد والتكرار.



وعلى ضوء ذلك نفهم مدلول كلمة (حفظها) في الرواية الثانية، فكما تفيد مجرد الاستظهار تدل ـ أيضاً ـ على كمال العناية بالمحفوظ، وذلك مفهوم المادة في قول الحق تبارك اسمه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9)}[الحجر].



بمعنى أنه سبحانه هو الضامن سلامته من التحريف والتحوير.. وفي الحديث الشريف: (احفظ الله يحفظك) [أخرجه أحمد والترمذي، وهو حديث صحيح، وهو الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية. وهو واضح الدلالة على أن المراد منه هنا مراقبة الله وطاعته، وحفظ حدوده بفعل أمره وترك نواهيه، وإن كان ذلك لا يمنع من دخول الذكر باللسان.(المؤلف).]. أي بقدر ما تعمل بطاعته يكون حفظك من كلاءته.



وعلى هذا يكون المراد من حفظ العبد للأسماء الحسنى، تحققه التام بمعانيها الكريمة، من حيث التطبيق الفعلي، فيكون تكراره لألفاظها بمثابة تذكير مستمر بما يجب عليه نحوها....[تنويه من المؤلف: حذفت هنا بعضا من مقدمة الشيخ المجذوب، لأنها تتعلق بموضوعات في أصل الكتاب، ولا تتصل بكتاب الإيمان هو الأساس]



وهكذا أجدني مشدوداً إلى أفكار هذا الأخ الأثير، فأتتبعها في شغف، ولا غرو أن مثل هذا التقديم لا يتسع لاستيعابها، فحسبي أن أضع بين يدي قارئه هذه النماذج التي تدعوه للاطلاع على ما وراءها من موضوعات، يزيد الله بها الذين اهتدوا هدى، وتؤكد للآخرين أن في شريعة الله الخاتمة ما لا غنى للإنسانية عنه في مسيرتها الراهنة، بعد أن أفلست كل تياراتها الفكرية والمذهبية وشرعت في التهاوي بعضها إثر بعض، كالبنيان الذي أتاه قدر الله من القواعد....[هذه المقدمة وضعت للكتاب الذي كنت عزمت على طبعه بصورته التي اطلع عليه المقدم جزاه الله خيراً، ولكني عزمت بعد ذلك على مراجعة الكتاب، والتوسع فيه، وقد كان الفصل الأول فيه، وهو: الإيمان هوالأساس، لا يزيد عن 120 صحيفة، بخط اليد، وبعد الشروع في الكتابة الجديدة أصبح هذا الفصل [الإيمان هو الأساس، الذي كان من مقدمة الكتاب مستقلاً بلغ 350 صحيفة على طباعة الكمبيوتر.... ولذا أرجأت الكتاب الذي هو الأصل، وحفظته بصورة مسودة، وأتممت كناب "الإيمان هو الأساس" لأنه أضحى عندي أهم موضوعات الكتاب.].

11/6/1411ه

محمد مصطفى المجذوب

المدينة المنورة ـ حي قباء





السابق

الفهرس

التالي


15248368

عداد الصفحات العام

799

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م