﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(025)حوارات دعوية عالمية

(025)حوارات دعوية عالمية



حوار مع الفيلسوفة زغريد هونكه في منزلها بمدينة بون بألمانيا



في يوم الإثنين 10/ 6 / 1412هـ-16/ 12/1991م استقبلتنا الدكتورة الألمانية زغريد هونكه التي ترفض هي وزوجها تسميتها بمستشرقة، وتصر على تلقيبها بالفيلسوفة، ورحبا بنا ببشاشة، وأشارا لنا بالدخول إلى غرفة صغيرة يعتبر اتساعها لأربعة ضيوف مع صاحبي المنزل جيدا.



تهيئة مناسبة للضيف.



عندما دخلنا جلت بنظري في الغرفة، فرأيت بها ما يأتي:



1-المصحف الشريف وضع على كرسيه المصنوع من الخشب، على المقعد الذي جلست عليه الدكتورة وزوجها.



2-خريطة العراق السياسية، وقد نقشت عليها مُدُنُه، وهي معلقة أمامنا على الجدار.

3-بعض التحف العربية، كالخنجر والسيف، ونحوهما.



وضعت أمامنا طاولتان صغيرتان عليهما ثلاثة صحون صغار، فيهما قليل من المكسرات، فول سوداني وفستق...



تمهيد تعارف مع زغريد هو نكه.



بدأت زغريد هو نكه كلامها بقولها: إن لها كتبا عدة، غير كتابها الذي ذكرت لها أني قرأته منذ فترة طويلة، وهو ما سمته هي [شمس الله تسطع على الغرب] وسماه المترجم العربي: [شمس العرب! تسطع على الغرب] وأن عنوان آخر كتبها: [الله شيء آخر]. [نشرت مجلة رابطة العالم الإسلامي عرضا للكتاب الإسلامي لشهر رمضان من عام 1416هـ ، من صفحة 37-يدل على أنه ترجم إلى اللغة العربية، بعنوان: (الله ليس كذلك)، 40، ولم يذكر الناشر ولا تاريخ الطبع وهي ترد فيه على المتعصبين الأوربيين في مواقفهم من الإسلام والمسلمين، ردا مفحما والكتاب موجود للتحميل في الشبكة العالمية.]



وقالت: إن المستشرقين يدرسون اللغة العربية أكثر من دراسة الشعوب الإسلامية، وهي على العكس من ذلك، تعنى بدراسة الشعب المسلم وحضارته، وقالت: إن كتابها -شمس الله تسطع على الغرب- يدرس في المدارس الألمانية، وساعد على تصحيح صورة المسلمين عند كثير من الألمان، وكان قد صدر قبل كتابها الأول "شمس الله تسطع على الغرب" كتاب يدعي صاحبه أن العرب ليس لهم علم ولا حضارة، وهكذا بدأت هي الكتابة عن العرب لتصحيح تلك التصورات المشوهة عن الحضارة الإسلامية.



ثم عرفتها على نفسي وعملي ومؤلفاتي إجمالا، وذكرت لها كثرة رحلاتي، ولقاءاتي ببعض المستشرقين الأوربيين، وغيرهم في أوربا وغيرها، والهدف من هذه اللقاءات.



حوار مع الدكتورة زغريد هو نكه.



طلبت منها أن تذكر بعض المعلومات المختصرة عن حياتها؟



فقالت: إنها ولدت في26 /4/ 1913م في مدينة [كيل] أي إن عمرها الآن-ونحن في عام 1991م-جاوز الثامنة والسبعين، ويبدو أن عمر زوجها يقارب عمرها. والاسم [زغريد هونكا].



قلت: سمعت أن لك أصلا عثمانيا، فهل هذا صحيح؟



ابتسمت، وقالت: في الحروب العثمانية، قبل ما بين: [250-300سنة] من الآن سُبِيَتْ امرأة عثمانية، ومن هذه المرأة نشأت عائلتي، وكانت هذه العائلة تسكن في بلدة [دِيْتْ مُوْلْتْ]. كان لديها -أي زغرد- ثلاثة أطفال، فعملتْ في الصحافة الحرة، لتتمكن من تربية أطفالها، لعدم تقيدها بوظيفة معينة.



واصلت دراستها حتى حصلت على شهادة الدكتوراه، في الفلسفة، والموضوعات التي تهمها في المقام الأول: العلاقات الاجتماعية.



وأول كتاب ألفته كان بعنوان: [البداية كانت رجلا وامرأة] وظلت تتابع العلاقات الإنسانية في نشاطها.



ثم دَرَستْ تأثير الغرباء على الشعب الألماني، ومن ذلك تأثر بعض الألمان بالعرب، ومعروف أن طبيعة العرب تختلف عن طبيعة الغربيين.

وقالت: إن كتبها كلها ألفتها في منزلها هذا.



وقد ألفت كتابها [شمس الله تسطع على الغرب] سنة 1960م، وكانت قبل ذلك تسمع محاضرات عن الحضارات المتنوعة، وعن تاريخ العلوم، واتجهت إلى البحث عن حضارة العرب، لتعرف من أين بدؤوا وإلى أين انتهوا، وكان الكتَّاب والمحاضرون يرفضون وجود علاقة بين العرب والعلوم، فخرجت هي من بحثها بالنتيجة التي تضمنها كتابها المذكور.



قلت: ما الديانة التي نشأتِ عليها؟



فقالت: هي ليست مسيحية، وتعتقد أن لأوربا ديانتها الخاصة، وهي ديانة قديمة مأخوذة عن فلاسفة أوربا الكبار، مثل [غوته، وديكارت] وغيرهما ممن سبقهما من رجال أوربا، وقالت: إنها كتبت كتابا خاصا عن تلك الديانة، سمته "دين أوروبا الخاص" وهذا الدين هو الحضارة، وليس معنى ذلك أن أهل هذا الدين لا يؤمنون بإله، بل على العكس يؤمنون بإله قبل أن تصل المسيحية إلى أوربا، وأهل هذا الدين موجودون، ولا يعتقدون التثليث، ولا صلة لهذا الدين بأي دين خارج أوربا [معنى هذا أن الدين الذي أنزله الله على رسله من لدن آدم عليه السلام ونوح وإبراهيم...... وموسى وعيسى ومحمد عليم الصلاة والسلام، ليس للدين الأوربي المذكور به صلة. ]، وبعض الزعماء الأمريكان كانوا يعتقدون بوجود إله، دون أن تكون لهم صلة بالدين المسيحي، مثل [جِفِرْسُون ولِنْكِلْنْ]



ولأهل هذا الدين جمعيات كثيرة في بافاريا وفرانكفورت وفي المناطق الشمالية.



قلت: هل لهذا الدين أماكن عبادة، كالكنائس، مثلا؟



قالت: ليس له أماكن عبادة خاصة غير منازل أهله، وفي الصيف يكونون في إجازاتهم وفراغهم في الخلاء، وهم يرتبطون بالطبيعة.



قلت: هل لهم عبادات معينة؟



قالت: لا.



وقال زوجها:-واسمه [PETERH.SCHULZ] وكان يتدخل في الحوار أحيانا فيعلق، وقد يجيب عنها وهي ساكتة، وقد تظهر تأييدها لما يقول قال-: هذا الدين هادئ ولا يحدث ضجيجا، والكنيسة تحاربه، وتتهمه بأنه تغيير للدين، وأهل هذا الدين ليسوا متعصبين ويقبلون كل الديانات.



وأخرجت زغريد هونكا بعض كتبها، وقالت: هذه ثلاثة كتب:



أحدها يتضمن دفع التهم عن الديانة الأوربية. والثاني يتضمن دفع التهم التي يوجهها الغربيون ضد العرب، وعنوانه-كما قال المترجم-:[ألف مسألة ومسألة، أو ألف شيء وشيء] على غرار:[ألف ليلة وليلة]. أما الكتيب الثالث: ففيه خلاصة لمضامين كتبها. وقالت: إنها قارنت بين نشاط اليونان العلمي، ونشاط العرب، فوجدت أن علوم اليونان تغلب عليها الفلسفة، وأما العرب فاهتموا بالعلوم الطبيعية من حيث التجربة، فعلاقة العرب بالعلوم، وثيقة وترتبط بالاعتقاد عندهم، بخلاف المسيحية التي رفضت العلوم، ولهذا لم يقبل الأوربيون على العلوم إلا بعد رفضهم فكرة الكنيسة.



هل أسلمت الدكتورة زغريد هو نكه؟



كنت أعرف أن [زغريد هو نكه] لم تسلم، ولكن قبل سفري هذا إلى ألمانيا بأسبوعين أو أكثر، قال لي أحد المسلمين في ألمانيا، عن طريق الهاتف: إنها دخلت في الإسلام!



وقد اتضح لي من حديثها السابق أنها لا تؤمن بالمسيحية، ولا بغيرها من الأديان التي هي من خارج أوربا، ولكني أحببت أن أسمع ذلك منها صراحة، فهي أولى بالحديث عن إسلامها أو عدمه. لذلك قلت لها: بلغني أن [زغريد هو نكه] دخلت في الإسلام قريبا، فهل ذلك صحيح؟



فقالت-في دهشة-: أنا؟!



قلت: نعم، أنـت.



قالت: لا، أبدا.



وهنا تدخل زوجها، فقال: لعل الذين ظنوا أنها أسلمت، وقع عندهم اشتباه بسبب دعوة بعض الرؤساء العرب لها،[مثل حسني مبارك] وكذلك حضورها بعض المؤتمرات، مثل: [ملتقى الجزائر] ولها صلات شخصية بعلماء ومفكرين، كما أن شيخ الأزهر دعاها وناقشها، ومنحها دكتوراه فخرية من الأزهر، ونشرت صورها وهي مغطاة الرأس ساترة البدن. [أراد زوجها أن يعلل سبب إشاعة أنها أسلمت ]



وقالت: إن لها كتابا آخر بعنوان [الموت] تحدثت فيه عن حقيقة الموت، وعن تجهيز الموتى، وهذا الكتاب تعتبره من الكتب القيمة، وفيه أفكار تقارب أفكار المسلمين في هذا الباب.



قلت: كيف ترى زغريد هو نكه أثر ضعف المسلمين على دينهم؟



قالت: هذا السؤال مفاجئ لي، ولكن علاقة المسلمين بدينهم ضعفت، إلا أنه إذا قورنت صلة المسلمين بدينهم، بعلاقة المسيحيين بدينهم، فإن علاقة المسلمين بدينهم أقوى، وضعف الصلة بالدين يؤدي إلى الضعف السياسي والاقتصادي وغيرهما. وقال زوجها: إن الاستعمار له أثر في هذا الضعف.



وقالت هي: إنها ألقت محاضرة في افتتاح أكاديمية سويسرية للتطور، وعنوان المحاضرة: [من الْخَلْق [هكذا ترجم لي الأخ محمد، وحاولت الاستفسار مرارا، وهو يراجعها ثم يعيد لي نفس العبارة، والذي يظهر من السياق أنها أرادت أن تبين أن العرب كانوا مبدعين في العلوم، وأنهم أفادوا الأوربيين بذلك الإبداع في المرة الأولى، وهذا هو معنى (الخلق)، فلما تخلف المسلمون عن ذلك الإبداع، استعمرهم الأوربيون(استعبدوهم)، فأصبح الأوربيون يصدرون للعرب ما يريدون من أفكار، فأصبحوا بذلك ذيلا لسواهم بدلا من أن يكونوا سادة. [إلى التطور في العلاقات الثانية بين العرب والأوروبيين] تحدثت فيها عن تأثير الاستعمار على البلاد الإسلامية، وعلى المسلمين الذين كانوا يصدرون الأفكار لغيرهم، فأصبحوا بعد الاستعمار يستقبلون الأفكار من غيرهم، ففقدوا حضارتهم ولغتهم، كما هو الحال في الجزائر.

وخلاصة كلامها أن الضعف بدأ في صفوف المسلمين لضعف صلتهم بدينهم، وزاد ذلك الضعف الأوربيون عندما استعمروهم.



قالت: ومن المشكلات التي شوهت صورة الإسلام والمسلمين، وجود الغلاة بين المسلمين، مثل الخميني.



قلت: ما أثر المسلمين في أوربا، وتأثرهم بها، وما النتيجة المتوقعة لذلك؟



بدأت تريد أن تجيب ثم سكتت والتفتت نحو زوجها-كأنها تستنجد به-فقال: لا نعرف إن كان المسلمون يستطيعون التأثير في المجتمع الأوربي، لأنهم أفراد، وليسوا مجتمعا، ولو كانوا مجتمعا صغيرا داخل المجتمع الأوربي لاستطاعوا التأثير فيه، وكثير من العرب يقلدون الأوربيين أكثر من اللازم [قلت: حتى في بلدان المسلمين، فكيف بمن هو في وسط المجتمع الأوربي؟! ] ، ويوجد عدد من الألمان دخلوا في الإسلام، ولكنهم أفراد أيضا، ولو أن المسلمين عادوا إلى الإسلام كما كانوا من قبل، فجمعوا بين الدين والحضارة [يقصد الحضارة المادية، والأوروبيون لا يفهمون أن الإسلام الشامل الذي نزل به القرآن لا ينفصل فيه الدين عن الحضارة المادية التي تخدم البشرية على هدى من الله] ومناسبة العصر، بدون أفكار الخميني، لو عاد المسلمون إلى ذلك لاختلف تعاملهم مع الغرب، كما كان ذلك في الأندلس [حيث كان المسلمون أعزة، وكانوا هم أساتذة العالم. ].



ثم قالت: أما تأثير الأوربيين في المسلمين فواضح جدا، وهو أمر يؤسف له الآن، لأن المسلم يفقد هويته، ولهذا فمستقبل الإسلام في أوربا ضعيف جدا حسب ما نرى.



قلت: ما السبب في قلة دخول الأوربيين في الإسلام، بخلاف الأفارقة والآسيويين-مثلا؟



قالت-ووافقها زوجها-: أهل أوربا عندهم حضارة، ولا يرون في الإسلام-على وضعه الحالي-ما يدفعهم إليه، والأوربيون انغمسوا في الحضارة [المادية] حتى وصلوا إلى نبذ الدين كليا، فخرجوا من الكنائس، ولو وجدوا ما يلفت أنظارهم إليه، لبحثوا فيه، ودخل كثير منهم فيه. أما غير الأوربيين، فليس عندهم حضارة، ولذا يرون الإسلام مرتفعا بالنسبة لهم.



ويجب أن يكون العمل بين المسلمين والأوربيين، مبنيا على التعاون، وليس على العداء، لأن العرب بعد الاستعمار، انزووا عن الغرب، وأصبح التعاون عندهم مع الغرب مذموما، والواجب أن يتعاونوا، مع احتفاظ كل منهم بأفكاره [لقد احتفظ الغرب بأفكاره، وتخلى أكثر قادة العرب-بل المسلمين-عن مبادئ دينهم، وليس عن أفكارهم فقط! ]، ويكون عند الجميع حرية التعبير عن الرأي، ثم تساءلت: ما ذا يعرف العربي عن الغرب؟ ونحن نعرف أن الغربيين يعرفون قليلا عن العرب، وإذا نظرنا إلى الطلاب المسلمين وجدنا عندهم فرصة للتعرف على الغرب، أما غير الطلاب فلم يعرفوا عن الغرب شيئا، والعامل العادي لا يستطيع أن يحكم الحكم الصحيح على الغرب، ولا بد أن تسود المساواة بين العرب والغرب [أنى لتلك المساواة أن تحصل بين من يرى نفسه السيد المطلق، وبين من يرى نفسه التابع الذليل؟! ] وتعرف كل منهم على ما عند الآخر من وجهات نظر.



ثم أشارت إلى مقطع من كتيب لها، قالت: إنها تحدثت فيه عن الأمير الصغير [تعني الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز ] -حسب قولها-الذي اشترك في الرحلة الفضائية مع رواد الغرب، [وهي تحث بذلك على استفادة العرب من التكنولوجيا الغربة].



قلت: هل توجد مشكلات أوربية ترى أن لها حلولا في الإسلام؟



قالت: لا يمكن حل مشكلات الناس هنا عن طريق الإسلام، لأن الأوربيين، ماديون، ولا يفكرون في أنه يوجد عند غيرهم أعلى مما عندهم، حتى يبحثوا فيه عن حلول لمشكلاتهم، ولو عادوا إلى جذور الدين لأمكن أن يجدوا حلا لمشكلاتهم، ولا تعرف شيئا يمكن أن يحل مشكلاتهم في الإسلام، وقد كتبت كتابا، عنوانه: قدر أوربا شيء آخر، يوضح أن تاريخ أوربا بدأ قبل المسيحية، وعندما وصلت المسيحية، عن طريق اليهود إلى روما، أُرغم الناس بالقوة على اعتناق النصرانية، وخروج النصارى من دينهم الآن يدل على العودة إلى الأصل، وهو الذي يريح النفسية الأوربية.



[قلت: تأمل هذا التناقض! تشكو من المادية التي انغمس فيها الأوربيون، حتى أصبحوا لا يفكرون في دين أصلا، وتتمنى لو أنهم عادوا إلى جذور الدين ليحل لهم مشكلاتهم، ثم تزعم هنا بأن خروج الأوربيين من الدين النصراني يريحهم، وعامتهم إنما يتركون الدين إلى غير دين-حتى الدين الذي تزعم هي أنه دين الأوربيين الأساس لا يدري عنه غالبهم-فما هو هذا الأصل الذي يعود إليه الأوربيون عندما يتركون الدين النصراني أو غيره من الأديان الأجنبية إلا أن يكون هو الإلحاد بعينه؟! ].



فالحركة النسائية بدأت قوية، بعد معاناة النساء مما هو موجود في الديانة النصرانية، من أن حواء هي التي تسببت في الخطيئة -في زعم الكنيسة- والمرأة تريد أن تعيش مستقلة بدون قيود، ولا تريد قدوة تبين لها الطريق، وإنما تريد أن تعيش بحسب ما تريد هي، والنصرانية ديانة طارئة على أوربا اغتصبت أهلها بالقوة [تريد من هذا الاستطراد أن تقول لضيفها: إذا كانت النصرانية هي المعترف بها في أوربا، وهي أقدم من الإسلام في هذه القارة، ونحن نعتبرها ديانة طارئة على أهلها، فما بالك بالإسلام الذي يكرهه الأوربيون، وهو متأخر في وصوله إليها بالنسبة للنصرانية! ].



قلت: هل معنى هذا أن أوربا لا يصلح لأهلها أي دين غير الدين الذي كانت عليه قبل مجيء المسيحية؟



قالت: هي تعود إلى فلاسفة أوربيين قبل أن تأتي المسيحية، وهم الذين بينوا ذلك الدين، وهي تعتقد ذلك، لأنه لا توجد فيه مشاكل. [بعثتُ إلى الإخوة المسلمين في فرانكفورت -بعد رجوعي-بأسئلة تتعلق بهذا الدين الذي كررت هو نكه ذكره في هذا الحوار، وأشادت به، وترى أنه هو وحده اللائق بالأوربيين، وطلبتُ منهم أخذ الإجابة منها والبعث بها إلي، ولكنهم لم يردوا لي شيئا، ولا أدري أسلموها فلم ترد لهم عليها، أم هم تأخروا عن تسليمها، ولم أستطع عندما حاورتها إلقاء تلك الأسئلة عليها، لضيق الوقت، ولما بدا عليها من تعب، وقد ذكرت أن لها كتابا، عنوانه؛"دين أوربا الخص" ولا أدري هل ترجم إلى العربية؟]



قلت: ما ذا تظن هو نكه عن موقف الغربيين بعد سقوط الشيوعية فيما كان يسمى الاتحاد السوفييتي، وقد كان الغربيون يقولون لنا: يجب أن يكون المسلمون واليهود والنصارى في خندق واحد ضد الشيوعيين الملحدين؟



قالت: هي تعتقد أن التسامح في العالم يزداد، وهذا التسامح سيجعل الحياة أفضل بين أهل الأديان، فيعترف بعضهم ببعض، ولا تتوقع ازدياد العداء، وقد شهدنا تعاونا متزايدا في حرب الخليج ضد عدو واحد، ومع ذلك فإن اليهود متصلبون.



[قلت: أثبتت حرب البوسنة وموقف الغرب من تذبيح المسلمين وتشريدهم وتخريب دورهم ومساجدهم وانتهاك أعراضهم أربع سنوات غير ما توقعته زغريد هو نكه، ولولا تثبيت الله المسلمين وصبرهم واستماتتهم أمام عدوهم هذه المدة كلها، لكانوا قد أخلوا بلادهم واستأثر بها نصارى الصرب البروتستنت الكروات الكاثوليك، ولكانت البوسنة والهرسك أندلس القرن الشرين، وهو ما كان يريده زعماء الغرب فيما بدا من تصرفاتهم الظالمة، والغرب يعلن التسامح باللسان، ويرهب المسلمين بالفعل!. ]



الصراع بين المسلمين واليهود



قلت: ما ذا ترين في نهاية الصراع بين المسلمين واليهود؟



قالت: لا تعرف كيف سيكون موقف اليهود من تصلب شامير، هل سيستجيبون له أولا؟.[قلت: ما أكثر الشوامير، ومن أشد من الشوامير في اليهود!]

وقال زوجها: سيطردونه، وكلما بقي تفكير اليهود بالصورة الموجودة الآن فلا يكون هنالك سلام، وقد هاجم اليهود الدكتورة زغريد لأنها تخالفهم، ويرون أنها خطيرة عليهم



[وحصل نقاش طويل معهما في هذا الموضوع، شرحت لهما فيه تاريخ اليهود مع المسلمين، ونقضهم العهود، وذكرت لهما بأن الأصل فيهم الإفساد في الأرض والغدر حتى مع أنبيائهم...!]



قلت: لماذا يؤثر اليهود في الأوربيين سياسيا واقتصاديا، وهم قلة، أكثر من العرب، وهم كثرة، ولليهود دولة واحدة مغتصبة صغيرة المساحة قليلة السكان، وللعرب أكثر من عشرين دولة، مع كثرة عددهم، وسعة أراضيهم التي تمتد من المحيط الأطلسي، إلى الخليج العربي، فضلا عن العالم الإسلامي كله؟



قالت: زعيم اليهود في ألمانيا "جالنسكي" عندما يصدر رأيه يخافه كل السياسيين، بسبب تاريخ الألمان مع اليهود، وإحساس الألمان بعقدة الذنب، فيحاولون إرضاء اليهود، واليهود يستغلون نفوذهم في الإعلام والسياسة، وغيرهما، والعرب لهم وجود اقتصادي، ولكنهم لا يستغلون ذلك في الإعلام والسياسة، وأنت أول عربي تأتي إلينا وتبحث معنا في هذه الأمور!



مواقف المستشرقين من الإسلام والمسلمين.



قلت: للمستشرقين مواقف-في القديم والحديث-من الإسلام والمسلمين، ما أثرهم على الأوربيين والمسلمين،؟



قالت: المستشرقون القدامى، هم علماء لاهوت، ولهم مواقف خاصة ضد الإسلام، أما المحدثون فهم تلاميذ لأمثال زغريد [تعني نفسها] فإذا كانت آراؤها تختلف عن آراء المستشرقين القدامى، فالأمر مختلف بالنسبة للمستشرقين الجدد [في الجملة، نعم!]، والقدامى كانوا يهتمون باللغة العربية في دراساتهم، أكثر من اهتمامهم بالإسلام موضوعيا. [ وكانوا، ولا زال كثير منهم، ينقبون عن بعض العيوب الناشئة عن تصرفات بعض المنتسبين إلى الإسلام، وبعض ماحو ته كتب التراث من روايات دخيلة على الإسلام، ليشوهوا بذلك كله صورة الإسلام، وينفروا منه الناس. ]



وأثر المستشرقين غير كبير على الشعوب الأوربية [هذا غير صحيح، فالمستشرقون هم الذين شوهوا صورة الإسلام في أوربا وغيرها، وهم مستشارو زعماء أوربا في فهم كثير من قضايا الإسلام، وحتى في مواقفهم من الإسلام والمسلمين، ومع ذلك يوجد بعض المستشرقين المنصفين الذين هم على عكس هؤلاء، ولكنهم قلة. ] .



وعندما ظهر كتابي [تعني: شمس الله تسطع على الغرب] تفتحت عيونهم على أمور لم يكونوا يعرفونها أو يفكرون فيها، وبدؤوا يبحثون في ذلك، حتى إن أحد الأساتذة كتب كتابا في موضوع حضارة العرب، وسرق أفكاره من كتابي، وعرض الناشر ذلك الكتاب، وعندما سألت عن مقدرة الكاتب على التصدي للكتابة في تلك الموضوعات، عرفت أنه لا يستطيع الكتابة فيها.



وبعض المتخصصين في الطب بدأ يعارض أفكاري عن العرب، وحمل عليَّ حملة شعواء، وبعد سنتين من ذلك، كتب كتابا عن الطب العربي، واعترف بما كنت سجلته قبل ذلك وأنكره.



وقد ترجم كتابي المذكور إلى ثلاث عشرة لغة، منها اللغة اليابانية. والكتاب يدرس في كليات الترجمة في بعض البلدان العربية، لأنه ترجم بعدة لغات، وأحد أساتذة الأزهر، وهو متخصص في الطب، شرح للطلاب الذين يدرسهم بعض موضوعات هذا الكتاب، وقد قابلني عندما زرت مصر.



قلت لها: ما الأحسن للإنسانية استعادة المسلمين مجدهم، أو بقاؤهم على ما هم عليه الآن؟



قالت: لا يجوز أن يبقى المسلمون على وضعهم الحالي، لأن المسلمين عندما قادوا العالم أغنوه بعلومهم، ولو عادوا وطوروا أنفسهم مرة أخرى لأعطوه قيما مطلوبة، بشرط أن لا يتقوقعوا على أنفسهم، مثل الخميني. وإذا طوروا أنفسهم-كما فعلوا في الماضي-فيجب أن يكيفوا حضارتهم كما يريدون مما يناسب مجتمعهم، ولا يفعلوا كما فعل الشاه، فيأخذوا كل شيء عن الأوربيين، ولا ينزووا كما فعل الخميني، بل يجب أن يتخذوا الوسائل المناسبة التي تساعدهم على تطوير أنفسهم، مع استقلالهم فكريا.



موقف زغريد هو نكه من شمول الإسلام.



قلت: إن الذي يدرس الإسلام من مصادره الأصيلة يجده شاملا لحياة البشر كلها: العقيدة، والخلق، والشئون الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والتشريعية، والعقابية... ما وجهة نظر زغريد في ذلك؟



قالت: أحكام الإسلام-في جملتها-جيدة، لكن الحدود فيها قسوة، وبربرية، مثل قطع اليد...



وهنا تدخل زوجها-وبدا عليه حسن المجاملة والأدب [ويبدو أنه أدرك أن النقاش سيخرج من الحوار العادي والسؤال والجواب إلى الجدال وإقامة الحجج والرد عليها من الجانبين، فأراد أن يبقي المسار على ما هو عليه، وكنت فعلا عازما على محاورتها في ذلك]



فقال: الذي يؤمن بدين ما، لا ينبغي أن يأخذ منه شيئا ويترك شيئا، ويقول: هذا حسن وهذا سيء، بل ما دام الإنسان يرتاح لدينه فعليه أن يأخذه كله. [وكأنه كان يفسر قول الله تعالى {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة: 85]. ]



أنظمة الغرب ومصيرها لدى زغريد هو نكه



قلت: ما مصير الرأسمالية الغربية، بعد فشل الشيوعية؟



قالت: الرأسمالية الخالصة، ليست موجودة في أوربا، بل إن النظام الاقتصادي في الغرب، خليط من الاشتراكية والرأسمالية. والشيوعية فكرة طارئة على أوربا، وماركس رجل يهودي.



قلت: ما مصير هذا الخليط الاقتصادي في الغرب؟



وهنا استأذن زوجها قبل أن تجيب، فقال: الشيوعية فكرة ماركس، والواقع أنها توجد عدة نظم، ففي إنجلترا، كانت الرأسمالية موجودة قبل مائتي سنة، حيث كان صاحب العمل يحدد أجر العامل كما يريد، والذي يحدد الأجر في النظام الشيوعي هو الدولة، على اختلاف في وجهات نظر الشيوعيين. أما النظم الموجودة الآن، فإن الدولة لا شأن لها بذلك، وإنما يتم الاتفاق بين العامل وصاحب العمل، ولذلك تكونت نقابات للمحافظة على حقوق العمال، وتوجد عدة أنظمة في هذا.



قلت: هل هذه الأنظمة صالحة للبقاء؟



قالت: نعم، لأن هذه الأنظمة لم يفرضها سلطان على الناس كرها، وإنما اختاروا ذلك بأنفسهم.



قلت: هل تظنين أن قوة أخرى ستظهر غير أمريكا؟



قالت: لا تعتقد أن توجد قوة أخرى مستقلة أو مسيطرة [تعني بما في ذلك أمريكا ]، وإنما سيوجد عمل مشترك وليس قوة ضد أخرى، وأوربا لا تريد السيطرة على العالم، والشرق لا يتغير بسرعة، نظرا لوضعه الحالي.



قلت: كم تقدرين عدد المسلمين الألمان؟



قالت: لا تدري، لكن يمكن أن يقدر عددهم ما بين أربعين ألف وخمسين ألفا.

قلت: بما ذا توصين المسلمين؟



قالت: هي لا تستطيع أن تنصح المسلمين، لأن كل بلد عربي له ظروف الخاصة، وهي تعرف الجزائر أكثر من البلدان الأخرى، وقد علمهم الاستعمار الفرنسي أن أصلهم من جالية هولندية، واستجابوا للاستعمار، ففقدوا حضارتهم وتاريخهم ولغتهم، التي هي المعيار الأساسي لتكوين العقل، وقد رأت رئيس البنك في الجزائر، يتعلم اللغة العربية على اللوحة الصغيرة [اللوح الخشبي الذي يكتب للطلاب عليه الحروف الهجائية في كتاتيب المسلمين القديمة] مع أبنائه، والسفير الجزائري في بون يتعلم اللغة العربية على يد ألماني، ‍واللغة ليست طريق مواصلات، وإنما هي أصل تفكير الإنسان، لأنه يتأثر بمضامينها وأفكار أهلها.



فأول ما يجب على العرب أن يتعلموا لغتهم وتاريخهم، بدلا من تعلم أفكار غيرهم، وعليهم أن يعودوا مرة أخرى للتعامل مع الأشياء كما كان يتعامل معها أجدادهم، والعودة لأصول الدين، ويعطوا لأنفسهم فرصة لتطوير وسائل الحضارة، ويكيفوا الأشياء التي تأتيهم من أوربا لتتفق مع مبادئهم وحضارتهم. ولا ينبغي أن يفتخروا بالماضي وينسوا الحاضر والمستقبل، وقد سمعت وزيرا سوريا يتبجح بالماضي، ولكنه لا يعمل للحاضر والمستقبل



قلت: ما أهم المشكلات الاجتماعية التي تواجهها أوربا؟



فأجاب زوجها: لا نستطيع الحكم على أوربا كلها، والمشكلة الرئيسة في ألمانيا الآن هي آثار الاتحاد الذي حصل بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية [سابقا] لأن الشرقيين عاشوا أربعين عاما تحت الحكم الدكتاتوري، والآن يجب أن يتعاملوا-بحسب الوضع الجديد-مع الحرية، وهم في الناحية المعيشية يعيشون عيشة جيدة، إذ لو أخذ العامل المصري في مصر-مثلا-ما يأخذه العامل هنا، لعاش المصري مرفها، لكن العامل الألماني حياته-من الناحية النفسية-غير مستقرة، لعدم وجود الدين الذي يحل المشكلات الكبيرة.



[قلت: المقصود عدم وجود الرغبة في التدين، وعدم وجود الدين المعترف به، أما الدين الذي يحل المشكلات فموجود، ولكنه يشوه عمدا ويحارب، وهذا اعتراف بوجود مشكلات كبيرة لا يحلها إلا الدين، والأديان كلها ما عدا دين الإسلام لا تملك مناهج لحل مشكلات الناس ].

قال: وهذا ما جعل الأحزاب السياسية في قلق، وجعلهم يلتمسون حلولا لهذه المشكلات، حتى يرتاحوا نفسيا، كما ارتاحوا ماديا.



[ يمكنهم ذلك فقط إذا رجعوا إلى خالق النفس الذي أوجد لتلك النفس ما يريحها ماديا ومعنويا، وهو ذكر الله الذي قال الله تعالى فيه: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}. والمراد بذكر الله ما يشمل الذكر باللسان والذكر بالقلب، وبهما-أي بذكر القلب واللسان-يعبد الإنسان ربه متبعا لوحيه في حياته الخاصة، وفي علاقته بغيره، فيأخذ حقوقه من الناس ويؤدي إليهم حقوقهم، ويقوم أهل الحل والعقد-كل فيما يخصه-بتنفيذ أحكام الله على من خرج عنها ولم يؤدها طواعية، فهل يفكر من ساءت حياتهم وحياة شعوبهم في أخذ الحل من وحي الله المنزل (القرآن الكريم الذي لا يوجد حل في سواه؟) ].



وسألت عن الارتباط الأسري في أوربا وخاصة في ألمانيا؟



فأجاب زوجها: إن 75% من العائلات تعيش عيشة طبيعية، و25% لا يستطيعون الجزم فيها بعيوب معينة. [ في هذه الإجابة مبالغة حسب معلوماتي من أوربيين مسلمين، وأوربيين غير مسلمين، كما في الحوارات (وهما كتابان مطبوعان حاورت فيهما أوربيين مسلمين، وأوربيين غير مسلمين) ، ثم إن كلمة (طبيعية) كلمة فضفاضة، والأمر الذي يكون طبيعيا عند قوم، قد يكون غير طبيعي عند آخرين. ]



هذا هو الحوار الذي جرى بيني وبين الدكتورة الفيلسوفة [زغريد هو نكه]-كما تحب أن تصف نفسها، ولا تحب أن توصف بالمستشرقة وقد شارك في الحوار زوجها الذي لم أكن أعرف عنه شيئا، وبدا لي من اشتراكه في الحوار أنه مثقف عالي الثقافة، ذو اطلاع جيد على أحوال الغرب والعرب، وكنت أود أن آخذ منه وعنه بعض المعلومات، ولكني أحسست بأن الوقت قد طال، وأن التململ قد بدأ يظهر،مع محاولتهما إخفاءه، فقد استغرق هذا الحوار ثلاث ساعات.



ملحوظات واستفسارات. وهنا لا بد من إبداء بعض



1-الملحوظات:



الملحوظة الأولى: أن الأسئلة التي كنت أريد إلقاءها على الفيلسوفة [زغريد هو نكه] ومناقشتها معها كثيرة، ولكني أدركت أنها هي وزوجها، لم يكونا مستعدين للاستمرار بعد هذا الزمن الذي أخذناه، بل صرح زوجها بأنها مصابة بمرض القلب، يصعب عليها الحوار الطويل، وقد بدأت تكح كحة يكاد نفسها ينقطع معها، لذلك اضطررت لإنهاء الحوار.



وقال لي المترجم: إن زوجها قال له عند بدء الحوار: لا نريد حوارا طويلا في شئون الدين، ولهذا استغللت الوقت في طرح شئون قد يظنون أنها ليست من الدين، وهي عندنا من صميم الدين، إذ لا يخلو نشاط الإنسان من علاقة بالدين، كما هو معروف في الأحكام التكليفية الخمسة.



الملحوظة الثانية: أن الأوربي مهما طال زمن دراسته للإسلام ولحياة المسلمين، ومهما أبدى إعجابه بالإسلام والمسلمين، ومهما أظهر من دفاع عن بعض قضايا المسلمين، لا بد أن تبقى بعض آثار مواقف المستشرقين الظالمة في نفسه، إما عمدا وإما جهلا، ما دام لم يأخذ دراسته عن الإسلام من أصول الإسلام وقواعده ومصادره لأصيلة، وعلى أيدي علماء الإسلام الذين فقهوا الإسلام حق الفقه، وهذه الدكتورة [زغريد هو نكه] أحد الأمثلة على ذلك، فهي تفتخر بأنها دافعت-ولا تزال تدافع-عن العرب، وتثني على الحضارة الإسلامية، ومع ذلك تصف الحدود في الإسلام بأن فيها قسوة وبربرية، وتنكر أن يكون في الإسلام حلول لمشكلات الأوربيين، مع أن كل المشكلات التي يعانون منها، أساسها بُعدهم عن التوجيه الإلهي.



الملحوظة الثالثة: أن زغريد هو نكه-وزوجها-نصحا للمسلمين نصيحة صادقة، عندما حضا على محافظتهم على لغتهم وتاريخهم وحضارتهم، وأن لا يأخذوا من الغرب إلا ما يتناسب مع حضارتهم وثقافتهم، وأن يسيروا على خطى أجدادهم في التعامل مع الحضارات، وإذا قارنا بين هذه النصيحة الصادقة من شخصين أجنبيين عن المسلمين-دينا وقومية ولغة-وبين بعض المنتسبين إلى الإسلام والعروبة، ممن يَدعون إلى التخلي عن عقيدة الأمة وحضارتها ولغتها، اتضح لنا أن ظلم أهل دينه له ولأمته أعظم من أي ظلم يأتيهامن أعدائها:



وظلم ذوي القربى أشد مضاضة،،،،،،،،،على المرء من وقع الحسام المهند



الملحوظة الرابعة: أن المفكرين الأوربيين-أمثال الدكتورة هو نكه-في حاجة إلى أن يلتقيهم بعض رجال الفكر الإسلامي، لمحاورتهم ومناقشتهم، لتصحيح ما عندهم من مفاهيم غير صحيحة عن الإسلام، برغم أنهم يظنون أنهم يفهمون الإسلام فهما سليما، وبخاصة أن بعضهم يزعمون أنهم يدافعون عن العرب والمسلمين، ولهم أثر واضح في أبناء بلدهم، وقد يهديهم الله فيدخلون في الإسلام، أو يزدادون قوة في الدفاع عنه.



الملحوظة الخامسة: أن لقاءات المفكرين الإسلاميين بكبار الشخصيات المؤثرة في الشعوب الغربية، كالمستشرقين والأساتذة والإعلاميين، ومسئولي مراكز البحث في الجامعات وغيرها، ستكون لها-أي اللقاءات-آثار طيبة في نقل حقوق المسلمين المهضومة من قبل اليهود والدول الغربية، إلى الرأي العام الغربي، وإقناعهم بذلك، ولو على المدى البعيد، وعندئذ سترتفع في الشعوب الغربية أصوات تنادي زعماءها بوجوب المعاملات العادلة، مع البلدان الإسلامية، ومنه البلدان العربية، فإن تأييد الشعوب الغربية لليهود، سببه النفوذ اليهودي النشط في الغرب سياسيا وإعلاميا واقتصاديا، إذ اليهود يعملون لمصالحهم على مستوى دولتهم، وجمعياتهم، وأغنيائهم، وكل مؤسساتهم، وفي كل مجال من مجالات اختصاصاتهم.



ويجب على الشعوب الإسلامية أن تفتح عيونها، وتخطط لإيصال صوتها إلى العالم كله، وإلا فسيأكلها عدوها، ويسيطر عليها طول حياتها.



2-الاستفسارات:



خرجت من منزل الدكتورة [هو نكه] وفي ذهني، وفي دفتري أسئلة واستفسارات، بعضها قديم، وبعضها جديد طرأ خلا ل الحوار معها، ولم يكن في الوقت متسع لطرح شيء من ذلك في هذا اللقاء، وعندما عدنا إلى فرانكفورت من مدينة [ميونخ] سارعت بالاتصال بالأخ محمد الإسلام بولي الذي كان يترجم لي ولها الحوار، عن طريق الهاتف، وطلبت منه أن يتصل بها ليطلب منها الإجابة عن سؤال واحد فقط، وهو: [ما مصدر دين أوربا الأصيل الذي تؤمن به، أهو من عند الله عن طريق الوحي والرسالة أم ماذا؟] فاتصل بها، ثم كلمني بعد ربع ساعة، وقال لي ما يأتي: اتصلت بالدكتورة، فأجابني زوجها: وقال: إنها مشغولة بضيوف عندها، فوجهت له السؤال فقال: إن هذا السؤال صعب جدا، ولكنا نعتقد، أن هذا الدين من عند الله، ولكنه ليس عن طريق رسول ولا وحي يتلى، وإنما هو عن طريق الإلهام يتحدث الله إلى الشخص في نفسه، والشخص إما أن يقبل ما تحدث الله به إليه وإما أن يرفض.



قال له الأخ محمد: هل هذا الرأي هو رأي الدكتورة هو نكه؟



قال: انتظر لأسألها ُثم أرد لك الجواب، فسألها، فقالت: نعم. قال الأخ محمد: وقد سمعت صوتها عندما أجابت [كان ذلك في تاريخ: 12/6/1412هـ] .



وعندما رجعت إلى المدينة بعثت للأخ محمد عن طريق الفاكس في المركز الإسلامي بفرانكفورت، الأسئلة الآتية ليسلمها للدكتورة، ويطلب منها الإجابة عنها ُثم يبعث بها إلي:



1-هل الله الذي تؤمن به هو خالق هذا الكون؟



2-هل لهذا الإله صفات، مثل العلم والإرادة والقدرة والحكمة؟



3-هل حدد هذا الإله لأهل أوربا منهج حياة يسيرون عليه، أو تركهم يتصرفون كما يريدون، بدون منهج؟



4-هل يؤمنون بأن الله أوحى إلى أحد من خلقه، فأرسله إلى الناس يدعوهم إلى الإيمان به؟



5-من أول من دعا إلى هذه العقيدة وفي أي قرن؟



6-هل عندها شك في أن القرآن حق، جاء من عند الله، أوحاه إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟



وإلى هذا التاريخ 7 /7/ 2 141هـ] لم يأتني الجواب [ كان ذلك التاريخ هو تاريخ تبييض هذه الأوراق بخط اليد، وإلى هذا التاريخ الذي سجلت فيه هذا الحوار في الكومبيوتر (1/6/1416هـ) لم يأتني أيضا جواب ]



هذا وقد أعلن عن وفاة الفيلسوفة الدكتورة "زغريد هونكه" يوم الثلاثاء الأول من شهر شعبان لعام 1420هـ - التاسع من شهرديسمبر لعام 1999م وعمرها 83 عاما





السابق

الفهرس

التالي


15248532

عداد الصفحات العام

963

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م