﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(010) ثبات هذا الدين واستعصاؤه على أعدائه

(010) ثبات هذا الدين واستعصاؤه على أعدائه

السبب السابع لثبات هذ الدين واستعصائه على أعدائه: ما شرعه الله من العبادات الجماعية
التي تربط المسلمين بعضهم ببعض، فيورثهم ذلك تماسكا وقوة، تجعلهم يجتهدون في حماية دينهم، والذود عنه، فيدوم ثباته واستعصاؤه على أعدائه، إن كل مسلم مسؤول مسؤولية فردية، عمَّا كلَّفه الله تعالى إياه من شريعته، ومع ذلك فقد شرع الله تعالى لعباده المسلمين، عبادات جماعية، يقوم بها المسلمون قياماً جماعياً، سواء كان التكليف بها فرض عين أو فرض كفاية أو مندوباً.

وليس المقام هنا مقام تفصيل لبيان ذلك، وإنما المقصود بيان هذه العبادات الجماعية التي تربط المسلمين جميعاً بربهم، فقد شرع الله تعالى للمسلمين عمارة الجوامع والمساجد المادية في مدنهم وأحيائهم، وشرع لهم عمارتها بذكر الله فيها، وبخاصة صلوات الجماعات خمس مرات في اليوم والليلة، وصلوات الْجُمَع الأسبوعية، التي ينادي المؤذنون فيها لكل صلاة من تلك الصلوات.

وشرع الله لهم أن يكون أئمتهم من القراء الذين كثير منهم يحفظون كتاب الله أو كثيراً منه، ويفقهون أحكام الله، فيسمع منهم المصلون في الصلوات الجهرية ما يقرؤون من كتاب الله، فيتدبرونه وينتفعون به.
وسماع المسلم كتابَ الله يُتلى عليه، وهو بين يدي ربه متجهٌ إليه خاشعٌ له، يختلف عن سماعه في غير هذا الموقف، لأنه قد استعد في هذا الموقف للاستماع المفيد، والإنصات الواجب، وتدبرِ من ألقى السمع وهو شهيد.

والمسلم في هذه الحالة العبادية الخاشعة الراغبة الراهبة، شديد البحث والتفتيش عن نفسه في آيات كتاب ربه، ليعرف أين هو فيها من النواحي الإيمانية والعبادية والأخلاقية، والاجتماعية، والفقهية والدعوية؟ أين هو من رضا ربه أو سخطه؟ وهل يتصف بصفات مَن رضي الله عنهم من المؤمنين، أو بصفات من سخط الله عليهم من الكافرين والمنافقين؟ وهل صلته بالله تؤهله لدخول الجنان أو لعقاب ربه في النيران؟

ويتدبر ذكر ربه المشروع في قيامه وركوعه وسجوده وقعوده، فيمتلئ قلبه حباً لله ورغبةً فيما عنده، وخوفاً ورهبةً من قوته وجبروته، وطمعاً في عزته ونصره على أعدائه، فلا يخاف إلا الله ولا يطلب العزة إلا من مولاه، فلا يخرج من صلاته إلا وقد تحقق له الهدف من إقامتها والحكمة من أدائها: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)} [العنكبوت].

وللمسلمين يومُ عيدٍ أسبوعي، وهو يوم الجمعة الذي فرض الله تعالى فيه على كل مكلف من رجالهم، حضور خطبتيه وصلاته، حيث يعلو خطباء الجوامع الكبيرة والصغيرة في القرى والمدن والأحياء المنابر، أمام الجموع الحاشدة، لتذكيرهم بكل ما يحتاجون إليه في حياتهم، من أمر الإيمان والعبادة والأخلاق والحلال والحرام في المعاملات، والشؤون السياسية والعلاقات الدولية، مبنية كلها على كثير من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية وما استنبطه منهما علماء الإسلام. فلا ينزل خطيب من على المنبر في شرق، إلا صعد خطيب آخر على منبره في غرب، اليوم كله في كل الأرض تذكير وصلاة.

إنها انطلاقة حاشدة في يوم واحد وفي كل مكان من الأرض لنصر هذا الدين وجمع كلمة المسلمين على الحق، وتفقيههم في دين الله، لا يستطيع أحد أن يمنعها، وإن ضُويق بعض الأئمة والخطباء بالحد من حريتهم في قول الحق في بعض البلدان.
وفرض الله علي المسلمين جميعاً فرض عين على كل قادر صيام شهر رمضان كله، لذلك ترى المسلمين في هذا الشهر المبارك، جميعاً صائمين نهاره، تجتمع أسرهم في المنازل لتنال وقت الإفطار ووقت السحور، في غاية من الفرح والحبور، يتسابقون في مناولة أحدهم أخاه حبات التمر أو لقمة العيش، وكوب الماء وفنجان القهوة. وهكذا تجد جماعاتهم في المساجد عند أذان المغرب، يمدون موائدهم ويقربون تمرهم وقهوتهم وأطعمتهم، ويتنافسون في استضافة المصلين على مشاركتهم في الإفطار معهم.

والذي يرى اجتماع المسلمين في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، على تلك الموائد التي يبدؤون في إعدادها من بعد صلاة العصر، يسبي ذلك المنظرُ قلبَه ويدهش عقله، وهم مكبون على تلاوة كتاب ربهم متدبرين، في غاية الخشوع، أو رافعين أيديهم طالبين من ربهم العفو والمغفرة وقبول الصيام.
ثم تراهم بعد صلاة المغرب يتسابقون إلى منازلهم، ليستعدوا لصلاة العشاء وصلاة التراويح التي يختم فيها كثير من الأئمة القرآن الكريم في ليالي الشهر الكريم، يتلونه تلاوة تؤثر في القلوب وتغذي الألباب، فلا يخرج شهر رمضان إلا وقد تزود المسلمون منه زاداً يربطهم بربهم بقية أشهر السنة. إنه شهر تربية وتدريب وإيمان وتقوى وعبادة جماعية ذات أثر عظيم في جمع الكلمة والاعتصام بحبل الله والثبات على هذا الدين وقوة الصلة برب العالمين.

وفرض الله على الصائمين في ختامه حقاً لفقرائهم، سميت بزكاة الفطر، لتكون طهرة لهم وإغناء لإخوانهم المحتاجين، في يوم العيد الذين يفرحون فيه بتوفيق الله لهم بإتمام الصيام، فلا يفرح فيه الغني دون الفقير، ولا يترك الفقير فيه يتكفف لقمة عيشه وعيش أولاده.

وفرض الله تعالى على كل قادر بالبدن والمال ممن لم يحج أن يحج إلى بيته الحرام، وما أكثر المسلمين الذين لم يؤدوا فريضة حجهم في العالم، فيجتهدون في الحج إلى البيت العتيق في كل عام من الأعوام!
لذلك تراهم يفدون إلى بيت الله الحرام من كل فج عميق، يملأون الجو والبر والبحر، متحدين لباساً ونيةً وذكراً، مؤدين نسكهم في وقت واحد طوافاً وسعياً ووقوفاً، ومبيتاً ورمياً ونحراً، بصفة قلما تجد لها نظيراً في أمة من الأمم، وهم يلهجون في كل أوقاتهم بذكر الله.

يلتقي المسلمون محققين في لقائهم ما ذكره الله تعالى من حِكَم الحج ومنافعه: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج 28]. يُعَلِّم عالِمُهم جاهلَهم، ويتحاورون فيما يعود عليهم وعلى أمتهم بالخير في دينهم ودنياهم، كما قال تعالى: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً} [المائدة].

وقد يكون من هذا الفضل الذي يبتغونه التجارة التي يزاولها الأفراد بعضهم مع بعض، ولكن الفضل التجاري والاقتصادي وغيرها من الشؤون الاجتماعية والثقافية والإعلامية والتعليمية، والسياسية والعسكرية، أصبحت اليوم متاحة جماعياً، بحيث تستفيد بعض الدول وبعض الشعوب، وبعض الشركات من بعض، ويمكنهم أن يعقدوا اتفاقيات في ذلك كله، ويتعاونوا فيما بينهم لمنافسة غيرهم من الدول والشعوب والشركات التي تتعاون فيما بينها لتحقيق مصالحها ضد مصالح المسلمين... وكل ذلك داخل في فضل الله تعالى الذي هيأه لهم في هذا الموسم العظيم. يضاف إلى أداء فريضة الحج ما يقوم به كثير من المسلمين من الحج والعمرة تطوعاً، طمعاً في مغفرة ذنوبهم ونيل الثواب الجزيل على ذلك.

وشرع تعالى لعباده المؤمنين صلوات جماعية أخرى غير الصلوات الخمس في مناسبات وأوقات معينة:
منها صلاة الاستسقاء عند الجدب والقحط لطلب الغيث من ربهم الذي يسقي أرضهم وينبت زرعهم ويدر ضرعهم ويغذيهم ويغذي أنعامهم. ومنها صلاة الكسوف والخسوف عندما تكسف الشمس ويخسف القمر، اتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، وتضرعاً إلى الله تعالى من أن ينزل بهم غضبه عقاباً لهم على معصيته، ففي الكسوف والخسوف تذكير لعباده بكمال قدرته، وتغيير الأحوال المعتادة إلى غيرها مما لا قدرة لأحد على اتقائه إلا برحمة الله وفضله. ومنها صلاة العيدين: عيد الفطر وعيد النحر، اللتين يؤديها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، في يوم واحد أو أيام متقاربة، بحسب المطالع.

ذكر الله لا ينقطع في كل لحظة وكل مكان:

وإن العاقل إذا تأمل صلة المسلمين بربهم وبرسولهم وبدينهم، يجد الأرض معمورة بتلك الصلة في كل لحظة من لحظات الزمن ليلاً ونهاراً، في فصول السنة الأربعة. فما إن يفرغ مؤذن في بقعة من الأرض من أذانه في الشرق القريب، إلا بدأ زميله في أذانه في الغرب القريب منه، كأبي ظبي مع الرياض، وهذه مع المدينة، والمدينة مع القاهرة، والقاهرة مع طرابلس، وطرابلس مع تونس، وتونس مع الجزائر، والجزائر مع الدار البيضاء، والدار البيضاء مع نواكشوط، وهلم جرا.

وقس على ذلك أصقاع الأرض في مشارقها ومغاربها... لا يزال المسلمون في أذان وإقامة وصلاة وذكر، لا يمكن أن يمر وقت خال من ذلك... وهو أمر لا يوجد لأي أمة من الأمم ولا دين من الأديان في كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة ليلاً ونهاراً في الأرض كلها.





السابق

الفهرس

التالي


15327203

عداد الصفحات العام

3497

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م