﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(027)تربية المجتمع - الولاء لله ومظاهره

(027)تربية المجتمع - الولاء لله ومظاهره



وفيه هذا مطلبان:



المطلب الأول: معنى الولاء والبراء:



قال الراغب الأصفهاني، رحمه الله: "الولاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعداً حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد" [المفردات ص:555 طبع كراتشي.]).



فالولاء بمعناه العام: اجتماع طرفين أو أطراف على أساسٍ مَّا، لتحقيق هدف.



أما الولاء بمعناه الخاص، فهو قسمان: الولاء الحق، والولاء الباطل.



القسم الأول: الولاء الحق: وهو اجتماع المسلمين على حب ربهم وعبادته ونصر دينه، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، واتباعه ونصر رسالته، ومحبة بعضهم بعضاً وتناصرهم على طاعة الله ورسوله، والسعي لرفع راية الإسلام في الكون، وحب الله لعباده المؤمنين وتوفيقهم لسلوك ما يرضيه ونصرهم على عدوهم.



القسم الثاني: الولاء الباطل: وهو اجتماع الكافرين بالله ورسوله واليوم الآخر، على حب الشيطان وأتباعه ونصرهم والكون معهم ضد المؤمنين، وحب ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان.



والبراء بمعناه العام ابتعاد طرفين أو أكثر وتنافرهم بسببٍ مَّا.



أما البراء بمعناه الخاص، قسمان أيضاً:



القسم الأول: البراء الحق: وهو بعد أولياء الله المؤمنين عن أعدائه الكافرين في دينهم وعدم محبتهم ومناصرتهم على باطلهم، ويكون المقصود من ذلك البعد هو الالتزام بطاعة الله والتقرب إليه ببغض كل عمل يزاوله أعداؤه مما يخالف كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكراهيتهم من أجل ذلك ومفارقتهم فيه وعدم الكون معهم أو الرضا عنهم.



القسم الثاني: البراء الباطل: وهو معاداة الكافرين والمنافقين، لله ولرسوله وللمؤمنين إذ الواجب أن يؤمنوا بالله ويكونوا من أوليائه.



المطلب الثاني: أهل الولاء، ومظاهر الولاء لهم:



إذا عرف معنى الولاء، فإن المؤمن يجب أن يعلم من هم أهل الولاء الذين افترض عليه إعطاءهم ولاءه، وقد ورد بيان أهل الولاء في القرآن الكريم بياناً شافياً.



قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ(56)}.[المائدة].



فأهل الولاء -كما بينت هاتان الآيتان- الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون الذين صدَّقتْ أعمالُهم أقوالَهم، فأدوا حق الله وحق عباده، وفي الآية بيان أمرين مهمين:



الأمر الأول: المؤمنون الذين يحققون هذا الولاء، هم حزب الله.



الأمر الثاني: أن هذا الحزب المحقق لهذا الولاء، هو الحزب الغالب، فإذا لم يحقق هذا الولاء، لا يستحق وعد الله له بالغلبة، ولو سمى نفسه حزب الله.



مظاهر الولاء لله تعالى:



وتتلخص مظاهر الولاء لله تعالى، في الإيمان به إيماناً شاملاً صادقاً، الإيمان به سبحانه بأنه الخالق المدبر المحي المميت، إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون، وأنه سبحانه هو الإله المعبود الذي لا إله غيره ولا رب سواه، تجب عبادته وحده لا شريك له، ولا يجوز أن يُعبَدَ غيرُه وأن عبادة غيره شرك يخرج من ملة الإسلام.



والإيمان بكل ما أخبر به تعالى من أمور الغيب، من صفاته العلا وأسمائه الحسنى، إيماناً مبنياً على نفي التشبيه والمماثلة للمخلوقين في أسمائه وصفاته، وإثبات معاني أسمائه وصفاته على ذلك الأساس، وقطع الطمع عن إدراك كيفية أسمائه وصفاته، كقطع الطمع عن إدراك كيفية ذاته. كما قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً(110)}[ طه]. وقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(11)}[الشورى].



والإيمان بكتبه التي أنزلها على رسله كلها، وآخرها وخاتمها والمهيمن عليها هو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن أخباره كلها صدق يجب الإيمان بها، وأحكامه كلها عدل يجب الاحتكام إليها: قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً(65)} [النساء]. وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ(44)} [المائدة]. وقال: {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ(49)}.



والإيمان بجميع الأنبياء الذين بعثهم الله في الأمم لتبليغ دينه، وأن خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فلا نبي بعده. ومن لم يؤمن بأي رسول من الرسل، فهو كافر بجميعهم، ولو ادعى أنه يؤمن برسول منهم، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً(151)}[النساء]. والذي لا يحقق هذا الإيمان، ليس من أهل الولاء الإيماني.



والإيمان بالموت والبرزخ والقيامة والجزاء والحساب والصراط والجنة والنار، وما ورد في ذلك كله من تفاصيل في القرآن أو السنة الصحيحة.



والإيمان بالملائكة إجمالاً وتفصيلاً، ووظائفهم التي سمى الله في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.



والإيمان بالقدر خيره وشره، وأنه تجب على كل الناس عبادته تعالى وحده لا شريك له، والبعد عن معصيته، وأن يكون هدف المؤمن في حياته كلها هو رضا الله تعالى.



ويشمل ذلك كله قوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(4)}[البقرة].



وقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ(177)}[البقرة]. وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(56)}.[الذاريات]. وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163)}[الأنفام].



وقد جمع أصول دين الله تعالى من الإيمان والطاعة، حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قصة سؤال جبريل عليه السلام، رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أمور الدين، وفيه: "وقال: (يا محمد أخبرني عن الإسلام؟)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) قال: (صدقت) قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه! قال: (فأخبرني عن الإيمان؟) قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) قال: (صدقت).. قال: (فأخبرني عن الإحسان؟) قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. ) قال: (فأخبرني عن الساعة) قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) الحديث.. إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) [مسلم: 1/37ـ38.].



والخلاصة أن الولاء لله، معناه: الإيمان به وبأسمائه وصفاته وألوهيته وربوبيته، وبما أخبر به من كتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره، وطاعته في أمره ونهيه، والاحتكام إلى شريعته، والدعوة إلى دينه، والجهاد في سبيله، والسعي لتحقيق رضاه، واجتماع أهل هذا الإيمان وهذا المنهاج على التعاون على البر والتقوى والنهي عن الإثم والعدوان ومناصرة بعضهم بعضا على ذلك.



وبعد أن عرفنا معنى ولاية المؤمن لربه إجمالاً دون تفصيل ـ فإنا نستعرض بعض الآيات القرآنية المصرحة بهذا الولاء:



قال تعالى: {أ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ(107)}.[البقرة]. وقال سبحانه: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ(120)}.[البقرة].



نفى سبحانه في الآيتين أن يرضى الكافرون بالله عن أوليائه، إلا إذا والوهم فاتبعوا ملتهم، وبين سبحانه أن اتباعهم في ملتهم ضلال، وبُعدٌ عن هدى الله الذي لا هدى سواه، ونفى أن يكون متبعهم مستحقاً لولاية الله ونصره. وأثبت سبحانه ولايته لعباده المؤمنين، كما أثبت ولاية الطاغوت لأعدائه الكافرين، فقال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(257)}[البقرة].



وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلْ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ(150)}[آل عمران]. وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً(45)}[النساء].



فأعداء الله هم أعداء المؤمنين، ولا بد في موالاتهم على دينهم ومناصرتهم ضد المؤمنين من ترك هدى الله، والوقوع في ضلالهم، وهم يريدون ذلك للمؤمنين، وإن بدا لفاقد الإيمان أو ضعيفه أن في موالاتهم نيلَ عزةٍ أو نصر، ولذلك يلجأ إليهم الذين عميت بصائرهم لطلب مناصرتهم في الدنيا، مع الخضوع لهم وطاعتهم، واتباع نظمهم المخالفة لمنهاج الله، مخالفين بذلك ما وجب عليهم من موالاة ربهم ومعبودهم، وطلب النصر منه وطاعته والحكم بشريعته.



وهذا ما كان يسلكه المنافقون وراء زعيمهم "عبد الله بن أبي" كما قال الله تعالى عنهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)} [المائدة]



وقال تعالى عنهم -بعد ذكر المهاجرين الصادقين، والأنصار المفلحين-: {أَلَمْ تَرى إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) الآية ..} [الحشر].



ويسير على سبيلهم اليوم من يحاربون الحكم بما أنزل الله ويدعون الإسلام وهم يوالون اليهود والنصارى ضد المسلمين، الذين يريدون تطبيق حكم الله في أرضه، ظانين أنهم بتلك الموالاة للكافرين، ينالون العزة والأمن ناسين قول الله تعالى: {بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (138)الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً(139)}[النساء].



وأنبه هنا -كما نبهت في أماكن أخرى- أن المقصود بالموالاة المذمومة التي نهى الله المؤمنين عنها، هي موالاة نصرة غير المسلمين على المسلمين، ولا يدخل في ذلك المعاملات الدنيوية، ومنها التحالف الذي ليس فيه ضرر على الإسلام والمسلمين، ولا يخالف كتاب الله وسنة رسوله، كما حصل بين الرسول وغير المسلمين في المدينة بعد الهجرة، وتضمنت ذلك الوثيقة النبوية التي اتفقوا عليه، فلما خالفها اليهود، عاقبهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما هو معروف، وكما حصل بين الرسول صلى الله عليه وسلم وخزاعة في المعاهدة التي تمت بينه وبين قريش، وهي مشهورة في السيرة النبوية.








السابق

الفهرس

التالي


15251585

عداد الصفحات العام

379

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م